رغم المصالحة المزعومة بين قطر والإمارات العربية المتحدة، إلا أن محاولات الأخيرة لا تتوقف في تشويه صورة قطر بكل الأشكال، القانونية وغير القانونية. 

ورغم حرص الإمارات على التخفي والتستر، إلا أن محاولاتها دائمًا ما تبوء بالفشل. آخر هذه المحاولات كانت حسابات لأسماء وهمية نشطت في الآونة الأخيرة ضد قطر، وتحديدًا ضد مونديال قطر المقرر إقامته العام القادم.

بعد الاستقصاء والفحص التقني للحساب المناهض لقطر، تبين لـ “العدسة” أن وراءه الحكومة الإماراتية، حيث يُدار الحساب من أجهزة داخل الدولة. ويوجد عشرات، بل مئات، الحسابات على هذه الشاكلة؛ حسابات مزيفة تديرها حكومة الإمارات لاستهداف معارضيها.

غريبو الأطوار..

وقبل أشهر، كشف برنامج تحقيقات لقناة الجزيرة عن دور الإمارات في تشويه صورة الدولة القطرية وجماعة الإخوان المسلمين عبر إنتاج سينمائي ضخم حمل عنوان “غريبو الأطوار”.

وذكر التحقيق بعنوان “ما خفي أعظم” الذي أعدّه الصحفي تامر المسحال عن قيام السلطات الإماراتية بالتدخل في الفيلم عبر تمويله وتغيير نصوصه بما يتوافق مع رؤيتها في تشويه جارته القطرية وجماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي كان يرأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ووفقًا لوثائق نشرها التحقيق، فإن الإمارات عمدت إلى إظهار “الجماعة” والدولة القطرية أنهما طرفان يؤججان نشر العنف ويحرّضان عليه.

ولم تكتفِ السلطات الإماراتية بإظهار هذين الطرفين كمحرضين على العنف، بل كذلك إدراج قناة الجزيرة في الفيلم الهوليوودي على أنها تنتهج ذات السياسة التحريضية المزعومة.

وتضمن البرنامج نشر العديد من الوثائق أيضًا التي تثبت أن الإمارات عمدت على ضخ مئات ملايين الدولارات من أجل تشويه سمعة الجارة الخليجية الصغيرة.

وبحسب البرنامج الاستقصائي، فإنه يُظهر مدى حرص الإمارات على إيجاد رابط بين قطر وتمويل الإرهاب بشكل صريح أو حتى عبر التلميح لمشاهد الفيلم الذي مولته أجهزة أبوظبي.

ويقول معدّ البرنامج إنه على الرغم من أن الإمارات سعت لأن يكون فيلمها مجرد عمل فني؛ إلا أنه أظهر تعمد الدولة بشكل واضح في جعل الفيلم مجرد أداة لخدمة رؤيتها وأجندتها السياسية الخاصة.

وكان المنتج الإماراتي منصور الظاهري –بحسب- برنامج الجزيرة، بذل جهودًا هائلة للاستحواذ على فيلم “غريبو الأطوار” وتطويعه لخدمة الأجندة الرسمية الإماراتية عبر شرائه من المنتج الأصلي للفيلم الذي لم يكن مجهزًا لتشويه قطر من الأساس.

يذكر أن أصل الفيلم يعود لمنتج فلسطيني يُدعى رامي جابر، فيما حوّر المنتج الإماراتي نصوص الفيلم بما يتوافق مع أهداف نشره وعرضه.

ولفت البرنامج إلى ضخ السلطات في أبوظبي الملايين من الدولارات لتغيير نصوص الفيلم من خلال وثائق مثبتة حصل عليها المسحال.

كما يظهر الفيلم أن الجيش الإماراتي سمح باستخدام بعض معداته العسكرية في تصوير الفيلم، عدا عن حوالات مالية للشركة الإماراتية المنتجة عبر مؤسسة يُديرها مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد.

وأظهر برنامج الجزيرة أن شركة الإنتاج الإماراتية طالبت من فريق الفيلم بضرورة تضمين مقاطع مصورة وشفهية تتعمد الإساءة إلى قطر، وضرورة إظهار شخصية تجسد الشيخ القرضاوي كمروّج للعنف.

ورفض عدد من الممثلين والمخرجين ونجوم هوليوود المشاركة في الفيلم بسبب الإساءات المطروحة، على غرار ويسلي سنايبس الممثل الأمريكي، والذي رفض عرضاً إماراتياً للمشاركة بالفيلم بسبب مضمونه السياسي ورفض الانسياق للعبة أبوظبي.

وقبل عرض تحقيق الجزيرة لما خفي أعظم، شرعت الآلة الإعلامية الإماراتية في الهجوم على قطر، في حملة جديدة يقودها مقربون من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، الحاكم الفعلي في الإمارات.

وربط متابعون بين تغريدات الأسماء المحسوبة على القيادة الإماراتية، وبين محاولات الإمارات إبعاد الأنظار عن الفضائح الأخيرة التي توالت في أكثر من دولة حول تورط قياداتها في أعمال تجسس بالتعاون مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي.

صحفيون وهميون..

والعام الماضي، كشف تقرير استقصائي نشره موقع إخباري أمريكي، عن وجود شبكة تضم شخصيات وهمية تعمل على تشويه صورة قطر وتركيا وتلميع صورة الإمارات.

التقرير الذي نشره موقع صحيفة “ديلي بيست”، قال إن 19 خبيرا على الأقل بهويات مزيفة كتبوا أكثر من 90 مقال رأي في 46 موقعا مختلفا منذ يوليو/ تموز 2019، يمتدحون بها الإمارات ويشوهون صورة قطر وتركيا.

وبحسب التقرير، فإن أحد أولئك الخبراء الوهميين هو “رفائيل باداني” الذي يظهر ككاتب عمود “مطّلع” لدى موقع “نيوزماكس” الاخباري الأمريكي.

وأوضح أن باداني في سلسلة واسعة من الكتابات روّج لمدينة دبي الإماراتية على أنها واحة للاستقرار في منطقة مضطربة، لافتا أن بين المواقع التي نشرت له مقالاته هي “واشنطن إغزامينر”، و”ريال كبير ماركتسط، و”أميريكان ثينكر”، و”ناشيونال إنترست”.

ويصف باداني نفسه كـ “مستشار المخاطر الجوسياسية ومصمم المحاكاة التفاعلية” و”محلل بارز في العلاقات الدولية” لدى وزارة العمل لكن في الحقيقة هو شخصية غير موجودة.

وذكر التقرير أن صوره التعريفية (في مواقع التواصل) كانت مسروقة من مدونة لمؤسس شركة سان دييغو، وملفه الشخصي في موقع “لينكد إن”، الذي يقول إنه خريج جامعتي جورج واشنطن وجورج تاون، كان وهما كذلك.

وفور نشر “ديلي بيست” التقرير، قامت صحيفة “واشنطن إغزامينر” وهي من الوسائل الإعلامية المحافظة، بحذف مقالة كتبها “باداني” وتركت ملحوظة تقول: “تم حذف هذه المقالة بعد التحقق من مصدرها وتأليفها”.

ولاحقًا، علقت شركة تويتر حساب “باداني” على موقعها إلى جانب 15 آخرين.

كذلك كشف تقرير صحيفة “ديلي بيست” عن استخدام وسائل إعلام أخرى لتلك الشبكة من الشخصيات الوهمية في تغطيتها للأخبار، ومنها جيروزالم بوست، وعرب نيوز، والعربية، وساوث تشاينا مورنينغ بوست، وخدمة الأخبار اليهودية، وميدل إيست أونلاين، وآسيا تايمز، وبوست ميلانيال، ومنافذ إعلامية أخرى.

ووفق التقرير الاستقصائي، استخدمت شبكة الشخصيات الوهمية تلك مزيجا من الصور المسروقة والسير الذاتية المزيفة لجعل نفسه مقبولة وجديرة بالتصديق.

وكان أول من لاحظ وجود تلك الحسابات والشخصيات الوهمية والمشبوهة هو “مارك أوين جونز” الأستاذ في جامعة حمد بن خليفة في قطر.

ويجري جونز بحثا في مواضيع مختلفة من بينها، دور بوتات التويتر، وهي (البرامج تقوم بعمل مهام تلقائية على الإنترنت) واستراتيجيات التحكم في المعلومات التي تستخدمها الجهات الحكومية وغير الحكومية.

وقال جونز لصحيفة ديلي بيست: “إن عملية التأثير الواسعة هذه تسلط الضوء على السهولة التي يمكن بها للجهات الفاعلة الخبيثة استغلال هوية الأشخاص الحقيقيين ، وخداع المنافذ الإخبارية الدولية، والحصول على دعاية ذات مصدر مجهول مشروعة من خلال وسائل الإعلام ذات السمعة الطيبة”.

وأضاف: “إنها ليست مجرد أخبار مزيفة نحتاج أن نكون حذرين منها، بل صحفيين مزيفيين”، وشرح في حسابه على تويتر، كيف تتبع الحملة الإخبارية المزيفة.