في مشهد غير مألوف بحجمه وشعاراته، اجتاح آلاف المتظاهرين شوارع تل أبيب، مساء الاثنين، مطالبين بإقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية والأمنية ضده، وسط اتهامات بمحاولة استغلال جهاز الشاباك لأغراض شخصية وقمع الحراك الشعبي.

تأتي هذه المظاهرات الحاشدة بعد تصريحات “صادمة” أدلى بها رئيس جهاز الشاباك، رونين بار، كشف فيها عن ضغوط مارسها عليه نتنياهو لملاحقة المحتجين، وهو ما اعتبره الكثيرون تجاوزًا خطيرًا لخطوط الدولة الديمقراطية.

أزمة داخلية غير مسبوقة

انطلقت المظاهرة الكبرى من وسط تل أبيب، وشارك فيها آلاف الإسرائيليين من مختلف الأطياف، ورفعوا لافتات كُتبت عليها عبارات من قبيل “أقيلوا نتنياهو الآن” و”نتنياهو خطر على الديمقراطية”، و”الديمقراطية على المحك”، و”الشعب لا يُقال”.

لم تكن هذه مجرد شعارات غاضبة بل تعبيرًا عن تململ واسع من أداء الحكومة الحالية، خصوصًا في ظل الفشل في معالجة ملف الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، والانقسام العميق داخل المؤسسة الأمنية.

ويبدو أن الشارع الإسرائيلي لم يعد يرى في نتنياهو قائدًا قادرًا على تجاوز الأزمات، بل طرفًا متورطًا في تعميقها. فالاحتجاجات لم تعد تقتصر على الملف القضائي أو فساد نتنياهو فحسب، بل توسعت لتشمل مطالب باستقالته نتيجة تدهور الوضع الأمني في غزة، وتآكل ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة، خصوصًا بعد أنباء عن محاولة استخدام الشاباك كأداة لتصفية الحسابات السياسية.

وفي تطور بالغ الخطورة، أشار تقرير نشرته القناة 12 الإسرائيلية إلى أن قوات الشرطة تدخلت بقوة لفض المظاهرة، واعتقلت عددًا من المحتجين الذين استلقوا على الأرض في خطوة رمزية للتعبير عن قمع الحريات. هذا السلوك الأمني زاد من غضب الشارع، خاصة بعد إعلان رئيس الشاباك السابق أن نتنياهو طلب منه ملاحقة المحتجين.

المقاومة تقلب الطاولة: نتنياهو في ورطة أمنية وسياسية مزدوجة

لم تكن هذه التظاهرات لتندلع بهذا الزخم لولا ما أحدثته المقاومة الفلسطينية من تداعيات على الداخل الإسرائيلي. 

فمع فشل نتنياهو في تحقيق أهداف عسكرية واضحة في قطاع غزة، وتزايد أعداد القتلى في صفوف الجيش، بدا وكأن حركة حماس، عبر تكتيكاتها المرنة وحرب الاستنزاف، نجحت في إحداث تصدعات داخلية داخل إسرائيل، ليست فقط على مستوى الشارع، بل داخل الأجهزة الأمنية العليا.

وفي هذا السياق، رُفعت صور الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة، حيث طالب المتظاهرون بصفقة تبادل فورية، متهمين الحكومة بعدم الجدية في استعادة الجنود. وربط كثير من المحللين بين هذا المطلب الشعبي المتنامي وبين تعثر المسار العسكري، وتزايد الدعوات للتفاوض المباشر مع حماس، الأمر الذي يشكل تحولًا كبيرًا في المزاج العام الإسرائيلي.

وبينما يستمر الضغط العسكري على غزة، تتعرض الحكومة الإسرائيلية لأكبر أزمة سياسية منذ بداية الحرب.

فقد كشفت هيئة البث الإسرائيلية أن نتنياهو عقد اجتماعًا أمنيًا لم يُدعَ إليه رئيس الشاباك، في خطوة اعتُبرت استبعادًا متعمدًا على خلفية الخلافات الشخصية بين الطرفين.

ويأتي ذلك في أعقاب مصادقة الحكومة في مارس/آذار الماضي على إقالة رونين بار، وهو القرار الذي جُمِّد لاحقًا بقرار من المحكمة العليا بانتظار البت النهائي في القضية، في ظل تلميحات بأن بار رُفضت إقالته لأنه رفض الانصياع لـ”ولاء شخصي” لنتنياهو.

نحو لحظة حاسمة في المشهد الإسرائيلي؟

ما يجري في إسرائيل حاليًا لا يمكن عزله عن السياق الإقليمي والداخلي المتشابك. فالمقاومة في غزة لم تنجح فقط في إبقاء الاحتلال في مستنقع عسكري مكلف، بل ساهمت عبر استنزافها المستمر في تفجير تناقضات داخلية باتت تهدد تماسك الحكم في تل أبيب.

وبينما تترنح حكومة نتنياهو تحت وقع الاحتجاجات والفضائح الأمنية، يتجه الشارع الإسرائيلي نحو إعادة ترتيب أولوياته، ليس فقط على صعيد استعادة الأسرى أو إنهاء الحرب، بل بإعادة النظر في قيادة لم تعد قادرة على تمثيل “الدولة اليهودية” كما كانت تدّعي. 

ومع استمرار الغليان الداخلي وغياب رؤية واضحة، قد يكون الشارع أمام لحظة سياسية فارقة، قد تطيح بنتنياهو، وتفتح الباب أمام مشهد إسرائيلي جديد لم تتضح ملامحه بعد.

اقرأ أيضًا : عائلات الأسرى على حدود غزة.. صفقة الآن أو انفجار داخلي