في مشهد غير مسبوق من التصعيد والانتهاك الصارخ للمقدسات الإسلامية، شهد المسجد الأقصى المبارك خلال الأيام الثلاثة الأولى من عيد الفصح اليهودي اقتحام أكثر من 3,300 مستوطن إسرائيلي، تحت حماية مشددة من قوات الاحتلال التي فرضت حصارًا خانقًا على البلدة القديمة في القدس المحتلة.
ووفقًا لـ”مركز وادي حلوة”، فإن عدد المستوطنين الذين اقتحموا الأقصى خلال الأيام الثلاثة الماضية بلغ 3,386 مستوطنًا متطرفًا، في تصاعد ملحوظ مقارنة بالأعوام السابقة، ما يؤكد وجود مخطط ممنهج لتكثيف الاقتحامات، بهدف فرض وقائع جديدة داخل الحرم القدسي.
وأفادت مصادر محلية وشهود عيان أن هذه الاقتحامات تمت على شكل مجموعات كبيرة، أدت طقوسًا تلمودية علنية داخل ساحات الأقصى، ووجهت الشتائم والاستفزازات للمصلين الفلسطينيين الذين حُرم العديد منهم من الدخول إلى المسجد.
وقد رافقت هذه الاقتحامات اعتداءات على المواطنين الفلسطينيين واحتجاز بعضهم على أبواب الأقصى، في مشهد بات متكررًا في ظل سياسات الاحتلال.
القدس تحت الحصار: ثكنة عسكرية لحماية المستوطنين
بالتزامن مع هذه الاقتحامات، حوّلت سلطات الاحتلال مدينة القدس المحتلة، وخاصة البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى، إلى ثكنة عسكرية مغلقة، حيث نُشرت المئات من عناصر الشرطة والقوات الخاصة، وتم نصب عشرات الحواجز ونقاط التفتيش، بهدف تسهيل اقتحام المستوطنين ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد.
وقالت محافظة القدس الفلسطينية، إن الاحتلال فرض قيودًا مشددة على دخول الفلسطينيين إلى البلدة القديمة، وعرقل حركة المصلين عند أبواب الأقصى، في الوقت الذي تم فيه فتح المجال أمام المستوطنين للصلاة والاحتفال داخل الأقصى في انتهاك واضح للوضع التاريخي والقانوني للمسجد.
وأشارت المحافظة إلى أن أعداد المستوطنين المقتحمين للأقصى تضاعفت هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وهو ما يدل على وجود تغطية رسمية وقرارات سياسية داخل حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة لتشجيع هذه الانتهاكات.
تحذيرات فلسطينية: الأقصى في خطر ورسائل تصعيد من بن غفير
في هذا السياق، أطلق خطيب المسجد الأقصى، الشيخ عكرمة صبري، تحذيرًا شديد اللهجة من خطورة ما يحدث، واصفًا ما يجري بأنه “استباحة ممنهجة للمسجد الأقصى المبارك واعتداء صارخ على صلاحيات الأوقاف الإسلامية، ومحاولة لفرض واقع جديد على المدينة المقدسة”.
وأضاف صبري أن مشاركة وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير في اقتحام الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل، خلال الفترة ذاتها، لا تنفصل عن اقتحامات الأقصى، بل تمثل رسالة تصعيد خطيرة تهدف إلى تهويد المقدسات الإسلامية وتكريس التقسيم الزماني والمكاني.
وأكد أن هذه الاقتحامات ليست مجرد أعمال فردية بل تأتي في إطار سياسات حكومية محسوبة ومدعومة، يتحمل الاحتلال كامل المسؤولية عنها، مطالبًا الأمة الإسلامية والعربية بتحرك عاجل لوقف هذا المسار العدواني.
ودعا صبري أبناء الشعب الفلسطيني، خاصة داخل أراضي الـ48، إلى شد الرحال نحو المسجد الأقصى والتواجد المكثف داخله، لمنع المستوطنين من تنفيذ مخططاتهم التهويدية، معتبرًا أن الوجود الفلسطيني هو خط الدفاع الأول عن الأقصى في ظل تقاعس الجهات الرسمية والدولية.
تهويد الأقصى.. مخطط ممنهج وصمت دولي مشين
تشير التطورات الأخيرة إلى أن ما يجري في المسجد الأقصى لا يُمكن فصله عن سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تغيير الوضع القائم في الحرم الشريف، وفرض تقاسم زماني ومكاني، عبر تصعيد الاقتحامات، وتوفير حماية رسمية للمستوطنين، بالتوازي مع التضييق على المصلين الفلسطينيين.
ويأتي هذا التصعيد في ظل صمت دولي مُريب، وتقاعس عربي وإسلامي عن حماية واحدة من أهم المقدسات الإسلامية. ويُعد تصعيد اقتحامات الأقصى، وتضييق الخناق على المقدسيين، انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي ولقرارات منظمة اليونسكو التي تعتبر المسجد الأقصى موقعًا إسلاميًا خالصًا، ولا تعترف بأي صلة لليهود به.
كما يُشكل تحويل القدس إلى ثكنة عسكرية دليلاً على أن سلطات الاحتلال تسعى لتكريس هيمنتها الأمنية على المدينة، وتفريغها من أهلها، في محاولة لتغيير طابعها الديمغرافي والديني، في تحدٍ واضح لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
خاتمة: صراع الهوية والسيادة على الأقصى في ذروته
إن ما تشهده مدينة القدس والمسجد الأقصى خلال أيام عيد الفصح اليهودي يُمثل تصعيدًا خطيرًا في مسار تهويد المدينة المقدسة، ويعكس طبيعة السياسات اليمينية المتطرفة التي تُحكم قبضتها على مفاصل القرار في “إسرائيل”.
في المقابل، فإن السكوت عن هذه الانتهاكات سيؤدي إلى فرض واقع لا يمكن التراجع عنه لاحقًا، ما يستدعي تحركًا فلسطينيًا وشعبيًا متواصلاً، ودعمًا عربيًا وإسلاميًا حقيقيًا، يتجاوز بيانات الشجب والإدانة، ويصل إلى مستويات الضغط الفاعل على الاحتلال لوقف عدوانه على المقدسات.
المسجد الأقصى ليس مجرد مسجد، بل رمزٌ لهوية أمة، ومعركة السيادة عليه هي معركة وجود، لا تقبل الحياد.
اقرأ أيضًا : الدول الإسلامية تلفظ إسرائيل.. المالديف تحظر دخول الإسرائيليين وتلتحق ببنغلاديش في مواجهة الإبادة
اضف تعليقا