أَحلامُ الصِبا هى الأقربُ والأصدقُ والأوفى ، هى تِلكَ الأحلام التى تزينت بِرداءِ البراءةِ والعفوية ، وتتوجت بِاليقينِ الموصولِ باللهِ جل فى عُلاه ، أحلامٌ سَمت إلى السماءِ فإستقبلتها السماء أعظم ما يكُونُ الإستقبال ، وإحتفت بِها إحتفاءً مازالت النجوم تسردُ تفاصيلهُ حتى يومنا هَذا.

عُدتُ إلى البيتِ بعد يومٍ مُفعمٍ بالنشاطِ والحيوية ، وَلمَ لا وقد حفظت أناشيدًا كثيرة سأظلُ أرددها طوال اليوم وأنا أَلهو هنا وهناك ، وَكان مِن تلكَ الأناشيد أنشودةٌ كانت ومازالت الأقربُ إلى قلبى ، ” القدس طالبة التحرير… بتنادى على المُسلمين ، فين صلاح الدين فين….ليحرر أرض فلسطين ” ، كُنت أرددها وأنا لا أفهمُ معناها حتى نادتنى أُمى باركَ اللهُ فيهَا وفى عُمرها ،سألتنى من هو صلاحُ الدين ؟ ، فصمت ففهمت أنى لا أعلم ، فبدأت تحكى لى وَتخبرنى من هو صلاحُ الدين ، ولماذا القدس بإنتظاره ، وَلماذا ولِمَ فلسطين مُغتصبة؟

لَستُ أدرى ما الذى أصابنى حينهَا ، ولستُ أذكرُ مَاهى ردةُ فعلى على حديثِ أُمى سِوى أننى بكيت بُكاءً كثيرًا حتى غفوتُ على صدرِ أمى وهى تُحاول إسكاتى ، تشابه بُكائى تِلكَ المرة مع مرةٍ لاحقة حين علمتُ أن النبى صل الله عليه وسلم تُوفى منذ أمدٍ بعيد ، فأنا كنت أظنهُ أنه حى يحيا فى مكة حيثُ الكعبة والصفا والمروة وماء زمزم!

وَفى اليومِ التالى عُدتُ وَبداخلى عزمٌ وإصرار على الذهابِ لِفلسطين مهما كلفنى الأمر ، صعدتُ إلى سطحِ المنزل بدأتُ أتأمل فى السماءِ وأنظرُ إليها بين آنٍ وآخر أطلبُ من بارئها العون والمدد.
حسنًا سأقفزُ من سطح بيتنا إلى سطح البيتِ المُقابل وهكذا وهكذا حتى أصل لِفلسطين وَهناك سأرى القدسَ وأصلى فيها وسأرتدى ملابسَ الحرب وسأقتل العدو كما كان يفعلُ صلاحُ الدين وَبذلكَ أكون أجبتُ نِداء القُدس وحررتُ فلسطين وَينعم أطفالها بحياةٍ كريمةٍ هادئة وسط أفرادِ عائلاتهم.

لَم يخطر ببالى حينها أن ملايين الطُرقات وآلاف الجنودِ ومئات الحواجز تحجبنى عن تحقيق حُلمى ، وَلكنّى لم أستسلم فحدثتُ أمى بشأن ما أريد فضمتنى إلى صدرها وقبلت رأسى ويداى الصغيرتين ، ثُم فهمتنى أنه لايمكننى الذهاب للقدس فى الوقتِ الحالى وَلكن يُمكننا مساعدتها ، بِحبِ الله تعالى والسير على نهجِ رسولِ الله ومعرفة أهمية مسراهُ صل الله عليه وسلم ، كذا معرفةُ قضية فلسطين من الألفِ إلى الياء ، ومقاطعة كل البضائع التى تعودُ أرباحها للعدو الغاصب.

لَم تترك أمى إحدى التظاهرات إلا وجعلتنا نشارك فيها ، كانت تحملنى على عاتقها مخافةَ أن أضيعَ وسط الزحام ، كُنتُ أسمعُ الأصواتَ من حولى تهتف ” نموتُ وتحيا فلسطين ” ، ” خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود ” ، كنت أشعر بحماسةٍ شديدة ورغبةٍ أشد فى الذهاب إلى فلسطين حتى ينعم القلب ويهدأ البال.

كُنتُ أهدى كل إنجازٍ لى حينها لِفلسطين ولدماء الشهداء ، حين حصلت على المرتبةِ الأولى فى إختبارات روضتى قبل التخرج منها ، وحين أتممتُ حفظ جُزء عمّ ، كُل عملٍ صالحٍ طيب كنت ومازلت أستودعهُ عند اللهِ لِأهديهِ لِفلسطين حين ألقاهَا.

كَم تخيلتُ اللقاء وكم حلمت بهِ ، كُنت أرانى أقف على بابِ القدس أصلى فى رحابه ، كنتُ أتخيلنى أجلسُ تحت أشجارِ الزيتون أُقبل جُزوعها التى إِرتوت من دماءِ الشهداء الأنقياء ، وأحيانًا كنتُ أرانى على شاطئ بحرِ غزة أُحدثهُ وَيحدثنى ، تخيلتُ كثيرًا وتمنيتُ أكثر وَحقًا على اللهِ أن يُعطينا ما تمنينا وطلبنا.

كُنتُ ومازلت وَسأظلُ أُهدى نجاحاتى لِفلسطين ، أرسل إليها عبراتى كل ليلة ، وَأسمع أنينها وأنين شعبها ، فَلسطين فينا مُنذُ أن كُنا نُطفةً فى أرحام أمهاتنا ، رضعنا حُب فلسطين مع حليبِ أمهاتنا ، إنتشر حُبُ فلسطين فى خلايا أجسادنا ، فكيفَ يُخيلُ لإهل الباطل أنهم قادرون على العبثِ بذلك الحب ، فالحق أنبتهُ الله فى قلوبنا مُنذُ الصِغر ، تُرى هل تذبل نبتةً كان اللهُ ساقيها!

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة