شهدت البرتغال وإسبانيا وقسم من فرنسا، انقطاعا واسعا في التيار الكهربائي، وصفته السلطات بـ”الكبير” وغير المسبوق منذ سنوات.

شركة الكهرباء البرتغالية أعلنت عن بدء الانقطاع في تمام الساعة 11:33 صباحا بالتوقيت المحلي (10:33 بتوقيت غرينتش)، مؤكدة أنه طال مختلف مناطق البلاد، وتسبب في تعطيل شبكة المواصلات العامة، وإشارات المرور، وخدمات السكك الحديدية.

في لشبونة وبورتو، توقفت خدمات المترو بشكل كامل، فيما أغلقت العديد من محطات القطارات وتعطلت الحركة في الشوارع بسبب توقف إشارات المرور. نفس المشهد تكرر في وسط مدريد، حيث شهدت العاصمة الإسبانية اختناقات مرورية خانقة، وسط حالة من الارتباك العام.

وفي بيان لاحق، أكدت شركة الكهرباء البرتغالية أنها فعّلت خطط الطوارئ لإعادة التيار الكهربائي تدريجياً بالتنسيق مع الشركات الأوروبية، مشيرة إلى أن التحقيقات جارية لمعرفة الأسباب الحقيقية للانقطاع.

شبكة متهالكة أم تهديد أوسع؟

أشارت التصريحات الأولية الصادرة عن الحكومة البرتغالية إلى أن “مشكلة في شبكة النقل الكهربائي” قد تكون وراء الأزمة، مع ترجيح أن يكون الخلل قد بدأ من إسبانيا. 

شركة “ريد إلكتريكا” الإسبانية، المشغلة لشبكة الكهرباء الوطنية، أكدت بدورها أنها تعمل مع جهات أوروبية مختلفة لاستعادة التيار، ووصفت ما حدث بأنه “مشكلة أوروبية واسعة النطاق”، في إشارة إلى احتمالية وجود خلل بنيوي أو هجوم إلكتروني أو عطل فني جسيم.

في فرنسا، أكدت شركة الكهرباء أن بعض المنازل في منطقة الباسك تعرضت لانقطاع وجيز قبل أن يعود التيار، مما يعزز فرضية أن المشكلة لم تقتصر على شبه الجزيرة الإيبيرية بل امتدت إلى حدود أوروبا الغربية.

رغم غياب تأكيد رسمي حتى اللحظة عن وجود هجوم إلكتروني أو تخريب متعمد، إلا أن حجم الانقطاع وانتشاره عبر عدة دول أثار مخاوف لدى المراقبين بشأن هشاشة شبكات الطاقة الأوروبية، خاصة في ظل تصاعد المخاطر المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، والتوترات العالمية حول مصادر الطاقة.

دعوات طارئة وتحركات أمنية

في إسبانيا، لم يتعامل رئيس الوزراء مع الأمر كحادث فني عابر. فقد دعا، وفق ما ذكرت قناة “الجزيرة”، إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي في قصر الرئاسة (لا مونكلوا)، في خطوة توحي بأن الحكومة تخشى من أن تكون الأزمة أكثر من مجرد عطل فني.

كما أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية عن فتح تحقيق عاجل، فيما بدأت المفوضية الأوروبية بالتواصل مع السلطات الوطنية في إسبانيا والبرتغال لفهم أبعاد الموقف، في مؤشر آخر على أن الأزمة تجاوزت الطابع المحلي لتأخذ بعداً أوروبياً أوسع.

مؤشرات على أزمة طاقة أعمق في أوروبا

هذا الانقطاع الواسع يسلط الضوء على هشاشة البنية التحتية لشبكات الكهرباء في أوروبا، خاصة مع تزايد الضغط عليها بسبب التحول نحو الطاقة النظيفة والابتعاد عن مصادر الطاقة التقليدية مثل الفحم والغاز الروسي.

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، تعاني أوروبا من تحديات كبيرة لتأمين احتياجاتها الطاقية بشكل مستقل. ورغم التوسع في الطاقات المتجددة، إلا أن الاعتماد المتزايد على الشبكات العابرة للحدود يجعل القارة أكثر عرضة للصدمات، سواء كانت فنية، أو نتيجة لهجمات إلكترونية، أو لتلاعب خارجي بالبنى التحتية.

الحادثة الأخيرة جاءت بمثابة ناقوس خطر. إذ أن توقف شبكة نقل الطاقة على نطاق واسع وامتداده إلى ثلاث دول كبرى يعكس أن أي خلل – مهما كان بسيطاً – قد يتحول إلى كارثة فورية، خاصة إذا تزامن مع ارتفاع درجات الحرارة أو موجات البرد القارس.

احتمالات مستقبلية: نحو مزيد من الأزمات أم بداية الإصلاح؟

في ضوء هذا الحادث، يرجح أن تدفع أوروبا نحو إعادة تقييم شبكة نقل الطاقة، والعمل على تعزيز مرونتها ضد الأعطال والهجمات. 

مشاريع التكامل الطاقي الأوروبي، مثل الربط الكهربائي بين الدول، قد تعزز من قدرة القارة على تجاوز الأزمات، لكنها في الوقت نفسه تزيد من احتمالات انتشار الأزمات محليا وإقليميا بشكل أسرع.

كما قد تشهد المرحلة المقبلة تركيزا أكبر على تدعيم أنظمة الأمن السيبراني الخاصة بالبنى التحتية الحيوية، مع إدراج شبكات الكهرباء ضمن أولويات الدفاع الوطني في الدول الأوروبية.

أوروبا أمام اختبار جديد

مع انقطاع الكهرباء الذي شلّ البرتغال وإسبانيا وقسم من فرنسا لبضع ساعات، تواجه أوروبا سؤالاً استراتيجياً حرجاً: هل يمكنها الاعتماد على شبكة طاقة مترابطة وهشة في عالم مضطرب؟ الإجابة التي ستخرج بها الحكومات من هذه الأزمة قد تحدد شكل النظام الطاقي الأوروبي خلال العقود المقبلة، بين خيار تعزيز التكتل أو العودة إلى استراتيجيات أكثر استقلالية وأمنا.

اقرأ أيضا : جريمة نكراء تهز فرنسا.. قاتل مسجد الجنوب يسلم نفسه بإيطاليا