كتب- باسم الشجاعي:

مازالت رحلة صعود هيئة الرقابة الإدارية في مصر مستمرة، وذلك منذ تعيين “مصطفى عبد الفتاح السيسي”، النجل الأكبر للرئيس المصري الحالي ويحمل رتبة مقدم، فعشرات الأخبار تتناقلها وسائل الإعلام المحلية حول الكشف عن العديد من قضايا الفساد وإلقاء القبض على مسؤولين في الحكومة، أغلبهم من قيادات الصف الثاني بالدولة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ألقت الرقابة الإدارية خلال الـ 24 ساعة الماضية على عدد من المسؤولين بالدولة، في وقائع فساد واستغلال مناصبهم وتلقّي رشاوى، قُدِّرت بنحو 27 مليونًا و 205 آلاف جنيه مصري.

الأخير كان رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بمحافظة الجيزة، بعد اتهامه بالتورُّط والتربح بالإسناد بالأمر المباشر بعقود بقيمة 25 مليون جنيه لإحدى الشركات، وسبقه القبض على رئيس حى الدقى بذات المحافظة، متلبسًا بتقاضي رشوة 250 ألف جنيه ووحدة سكنية فى منطقة المهندسين تقدَّر قيمتها بمليوني جنيه، مقابل الإخلال بواجبات وظيفته.

وهو ما دفع “السيسي” لتوجيه الشكر للرقابة الإدرية على الجهود التي قامت بها، قائلًا: “لما قولنا سنواجه وسنكافح الفساد في مصر كنا جادّين فيه”.

ومع تعاظم هذا الدور خلال الآونة الأخيرة، تساءل البعض عن سبب استعانة “السيسي” بـ”الرقابة الإدارية” على حساب “الجهاز المركزي للمحاسبات”، وأين قيادات الدولة من الصف الأول من هذه الملاحقات؟ وهل يستغل “السيسي” نجله لتقليم أظافر الدولة العميقة ورجال الرئيس المخلوع “مبارك” لإحكام سيطرته على البلاد؟

سلاح للسيطرة

أسباب عديدة تقف وراء صعود هيئة الرقابة الإدارية وتنامي دورها في مصر؛ منها محاولة “السيسي” لإحكام سيطرته على مفاصل الدولة، ويمكن قراءة ذلك من خلال التعديلات التي أدخلها، في أكتوبر الماضي، على قانون هيئة الرقابة الإدارية والمعمول به في مصر عام 1964.

فقد منحت التعديلات صلاحيات أوسع للهيئة عما كان موجودًا في القانون من قبل؛ إذ شملت كشف وضبط الجرائم التي تستهدف الحصول أو محاولة الحصول على أي ربح أو منفعة باستغلال صفة أحد الموظفين العموميين المدنيين أو أحد شاغلي المناصب العامة بالجهات المدنية.

التوسع في الصلاحيات جعلها تنازع جهات أخرى في عملها مثل وزارة الداخلية التي يدخل في اختصاصها مواجهة الجرائم المتعلقة بالنقد الأجنبي وزراعة الأعضاء والاتجار بالبشر، وهي جرائم جنائية ترتبط بعمل جهاز الشرطة.

فـ”السيسي” يبدو أنه كان يرغب في توسيع نفوذ الهيئة؛ بسبب تواجد نجله “مصطفى” فضلًا عن أن أغلب رجالها من القوات المسلحة.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بين هيئة الرقابة الإدارية والمؤسسة العسكرية في مصر؛ إذ إنَّ أغلب العاملين في أروقة الجهاز الإداري والمناصب الهامة من رجال القوات المسلحة.

Image result for ‫لقاء السيسي برئيس الرقابة الإدارية‬‎

وتشير بعض القضايا أن النظام يستخدم الرقابة الإدارية عصا ضد منافسيه أو من يختلف معه في الرأي، وكانت القضية الأبرز الخاصة  بمسؤول كبير في مجلس الدولة؛ حيث اعتبرها البعض ثمنًا لحكم مصرية جزيرتي “تيران وصنافير” الذي كان تنازل عنهما “السيسي” في أبريل 2016 للسعودية.

وكانت القضية حول مجموعة من الصفقات التي تخللها الفساد، والمتهم الرئيسي مديرة إدارة المشتريات بمجلس الدولة، المستشار”جمال اللبان”.

ثم بدأت الأخبار تتحدث عن تورط عدد من قيادات مجلس الدولة في القضية، تلاها خبر انتحار المستشار الموقوف داخل محبسه .

هل يحارب “السيسي” الفساد حقًّا؟

بالنظر “شكليًا” لجحم عدد القضايا التي تعلن هيئة الرقابة الإدارية عن ضبطها خلال السنوات الثالثة تؤكّد أنها كبيرة ومصر تسير نحو محاربة الفساد.

ولكن نادرًا ما تكتمل القضايا؛ فالدولة غالبًا مع تتصالح مع معظم قضايا الفساد مقابل غرامات مالية، ما يؤكّد أن الرقابة الإدارية ليست إلا سلاحًا في يد “السيسي”.

أضِفْ إلى ذلك واقعة المستشار “هشام جنينة”، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات “سابقًا”، الذي يقبع في السجن “حاليًا”، ليس بتهم فساد، ولكن لكشفه عن حجم الفساد في مصر.

Related image

فـ”السيسي” أصدر قانونًا خصيصًا يجيز له إعفاء رؤساء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية، للإطاحة بجنينة من رئاسة المركزي للمحاسبات، وذلك بعد تصريحاته، عن حجم الفساد في مصر، وتمّ عزله.

“جنينة”، كان سبق وأن قال: “حجم الفساد في بند واحد في مصر وصل لمبلغ 600 مليار جنيه، وهو من بين 14 بندًا تم عمل دراسة مستفيضة لها جميعًا في مدة 4 سنوات، من عام 2012 إلى 2015″، مؤكدًا أنه على يقين تام بأن هذه الأرقام صائبة.

وبعيدًا عن الأرقام التي أعلن عنها “جنينة”، ويشكك فيها النظام المصر، يأتي مؤشر الفساد العالمي، الصادر في عام 2015، ليؤكد أنَّ مصر تحتل المرتبة الـ88، من بين 168 دولة على مستوى العالم.

كما رصد التقرير السنوي لمؤسسة “شركاء من أجل الشفافية” إحدى منظمات المجتمع المدني المعنية بالفساد والصادر في يناير 2017م، أنّ عدد 968 واقعة فساد خلال عام 2016م، تصدرتها وزارة التموين تليها المحليات التي خرج منها المحافظ المُتّهم بالرشوة والفساد.

أين قيادات الصف الأول؟

وعلى الرغم من “البروباجاندا”- دعاية موجهة أحادية المنظور لتوجيه رسائل تهدف للتأثير على آراء أو سلوك الرأي العام- التي تصاحب أخبار الرقابة الإدراية “دائمًا”، إلا أنها لم تَنَل حتى الآن قيادات الدولة وكبار المسؤولين في البلاد.

فواقعة غرق أشهر أحياء القاهرة “التجمع الخامس” ليست ببعيدة، وقعت في أبريل الماضي؛ حيث كشفت الرقابة الإدارية عن وجود مخالفات جسيمة وخطيرة أدَّت إلى وقوع تلك الكارثة فضلًا عن غياب دور محافظة القاهرة في عدم إدارة تلك الأزمة مع غياب التنسيق بين وزارات الإسكان والنقل والكهرباء في إدارة تلك الأزمة.

ولكن اكتفت الرقابة الإدارية بـ”كبش فداء” بإيقاف عدد من المسؤولين بمحافظة القاهرة في مراكز مختلفة، دون خضوع الوزراء أو المسؤولين الكبار الذين أشار لهم بيان الرقابة الإدرية وقتها لهم “الإسكان والنقل والكهرباء”.

Image result for ‫مصطفى مدبولي‬‎

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد وحسب؛ فـ”السيسي” نفسه رفض تحميل وزير الإسكان آنذاك المسؤولية ورئيس الوزراء الحالي، قائلًا –خلال مداخلته بالمؤتمر الوطني الخامس للشباب، في مايو الماضي-: “الدكتور “مصطفى مدبولي” وزير الإسكان، زعلان جدًا من ساعة غرق التجمع، أنا عارف أن الموضوع يزعل.. بس إحنا مش هناكل الناس اللي بتشتغل معنا”.

كما سبقها استبعاد اتهامات موجَّهة لوزير التموين الأسبق “خالد حنفي”، في يناير الماضي، بقضية فساد مالي، والمشاركة فى تزوير الحصر الزراعي لمحصول القمح بقضيةٍ اشتُهِرت باسم “صوامع القمح”.

واستباقًا للأحداث تقدّم “حنفي”، في أغسطس باستقالته من وزارة التموين، والتي أظهرت التحقيقات بعدها براءته منها بالرغم من تقديم الإعلامي والنائب البرلماني “مصطفى بكري” الموالي للنظام، حافظة مستندات أثبت خلالها وقائع تؤكّد أن الوزير السابق متهم رئيس في القضية، واتهمه أيضًا بالتستر على متهمين وتربيح الغير على حساب الفقراء وعلى حساب الأموال المخصصة لدعم رغيف الخبز.