لطالما حاول الكونغرس الأمريكي تسليط الضوء على تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، لكنه نادراً ما اتخذ إجراءات كافية لمعالجة هذا الأمر بجدية. في عهد ترامب، أصبحت المشكلة أكثر حدة حيث ضمت سجون السيسي حوالي ستة مواطنين أمريكيين، بل إن ترامب استقبل السيسي مرتين في البيت الأبيض وأمطره بالثناء. خلال زيارة السيسي عام 2019، قال ترامب “لم تكن لدينا علاقة بين مصر والولايات المتحدة أفضل مما لدينا الآن”.
في يناير/كانون الثاني 2020، حث السيناتور باتريك ليهي (ديمقراطي) وكريس فان هولين (ديموقراطي) وزارة الخارجية على معاقبة مصر بعد وفاة مصطفى قاسم، وهو مواطن أمريكي احتجز في مصر لأكثر من ست سنوات، وتوفي في السجن بسبب الإهمال الطبي. كان قاسم، تاجر قطع غيار سيارات من لونغ آيلاند، يزور عائلته في مصر عندما رأى جندي جواز سفره الأمريكي في دورية عسكرية في القاهرة واتهمه بالتجسس.
بعد محاكمة صورية اتُهم فيها بمحاولة الإطاحة بالسيسي، أُلقي بقاسم في السجن في ظل ظروف غاية في البشاعة كما ذكر صهره في مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز. كتب صهره: “الزنازين قذرة ومليئة بالحشرات والقوارض والثعابين”، وأضاف “ليس لديهم تهوية ولا شمس ولا ضوء… [قاسم] والسجناء الآخرون لا يحصلون على مياه نظيفة أو سرير أو كرسي أو أي كتب”.
بعد وفاة قاسم، نظرت الخارجية الأمريكية في اقتراح قطع 300 مليون دولار من المساعدات لمصر، لكنها تراجعت عن ذلك، فالعلاقات بين السيسي وترامب كان لها رأي آخر، منذ بداية حكم ترامب.
كان السيسي أول زعيم أجنبي يهنئ ترامب على فوزه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وخلال أول رحلة خارجية لترامب، التقى بالسيسي في المملكة العربية السعودية، في وقت لاحق، تصدّر ترامب عناوين الصحف عندما وصف السيسي بـ “الديكتاتور المفضل لدي” في قمة مجموعة السبع في عام 2019.
من جانبه، بذل بايدن جهداً خلال الحملة الانتخابية لإقناع الجميع أن نهجه يختلف عن ترامب، في يوليو/تموز، عندما تم الإفراج عن طالب طب مصري أمريكي بعد احتجازه لمدة 486 يوماً، تعهد بايدن على تويتر مشيراً إلى السيسي أنه “لا مزيد من الشيكات على بياض”.
الكونغرس، لم يكن قادراً على حشد قوة كافية تتحدى العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر في عهد ترامب، لكن كان لديه فرصة مع بايدن الذي فرح الكثيرون من النشطاء بفوزه في الانتخابات، مثل محمد سلطان، السجين السياسي السابق الذي اتهم الحكومة المصرية بتعذيبه أثناء احتجازه.
كان مفتاح تحرك الكونغرس منذ فترة طويلة، كما أكد شريف منصور -ناشط مصري ومعارض لنظام السيسي-، هو الاستعداد لربط حزمة مساعدات مصر بإصلاح حقوق الإنسان.
في العادة، تقوم وزارة الخارجية بغض الطرف عن أي انتهاكات ضد حقوق الإنسان حين يتعلق الأمر بتقديم المساعدات لمصر بحجة الحفاظ على “الأمن القومي”، ولكن في أواخر العام الماضي، تمسك الكونغرس بمطلبه بتخفيض 75 مليون دولار من قيمة المساعدات لمصر، مؤكداً أن السبيل الوحيد لرفع هذا الحظر عن هذا المبلغ هو التأكد من أن مصر “تحقق تقدماً واضحاً وثابتاً في إطلاق سراح السجناء السياسيين وتزويد المعتقلين بالإجراءات القانونية الواجبة”.
لكن بالنسبة لدولة تتلقى 1.3 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، فإن خسارة 75 مليون دولار – أو أقل بقليل من 6 في المائة من الإجمالي – لا تبدو مقلقة بشكل خاص. لكنه يرسل إشارة، كما قالت إيريكا فين، مديرة المناصرة في منظمة Win Without War ، إن “الكونغرس لديه سلطة فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر، وأن المشرعين يعلمون أنهم سيحاسبون إذا لم يقولوا نفس الأشياء التي قالوها في عهد ترامب في ظل إدارة بايدن ” في إشارة إلى موقفهم من انتهاكات حقوق الإنسان.
في فبراير/شباط عندما تم اعتقال أفراد عائلة سلطان – نفس الناشط الذي رحب بفوز بايدن في الانتخابات، في نفس الفترة التي وافقت فيها إدارة بايدن على بيع صواريخ بقيمة 197 مليون دولار لمصر، أصيب النشطاء بصدمة كون هذه الصفقة في ظل عدم تغير الأوضاع في مصر تشير إلى نية بايدن من التنصل من وعوده.
في بيان مصاحب للإعلان عن الصفقة، قالت وزارة الخارجية إن “البيع سيدعم السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة من خلال المساعدة في تحسين أمن حليف لا يزال شريكاً استراتيجياً مهماً في الشرق الأوسط”.
في مقال رأي في واشنطن بوست، قال علي حسين مهدي، المهندس المصري الذي أثار حفيظة حكومة السيسي من خلال الدعوة إلى احتجاجات بين الجالية المصرية في الخارج للاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة المصرية، إن والده وعمه وابن عمه “محتجزون الآن كرهائن” في مصر.
وأضاف “مهدي” “تعرض والدي لتعذيب شديد لدرجة أنه فقد وظائف ساقه اليمنى، كما أن الجروح التي أصيب بها حديثًا من الضرب تعرضه لخطر الإصابة بأمراض أشد خطورة”.
مهدي ليس مواطنًا أمريكياً، لكنه حصل على حق اللجوء عام 2019 ويعيش الآن في الولايات المتحدة. في حوار معه حول نهج فريق بايدن في التعامل مع مصر حتى الآن، قال: “لأكون صادقاً، حتى الآن لم أجد النهج المتوقع”، مضيفًا أنه كان يأمل أن يؤجل بايدن “مبيعات الأسلحة حتى يغير النظام في مصر من سلوكه ويظهر احترام لشعبه”.
سارة ليا ويتسون -المديرة التنفيذية لـ DAWN كانت أكثر حدة في تعليقها على نهج بايدن في التعامل مع مصر، حيث قالت “المشكلة تكمن في عدم وجود إعادة تفكير حقيقية في الافتراضات التي تكمن وراء استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر”.
أفاد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية صدر الشهر الماضي بالتفصيل عن ممارسة مصر الروتينية لتعذيب المعتقلين، حتى أولئك الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً، ومضايقة النشطاء مثل منصور ومهدي من خلال احتجاز أفراد عائلاتهم الذين ما زالوا في مصر.
في وقت سابق من هذا الشهر، قال يحيى حامد وزير الاستثمار المصري في عهد مرسي إنه يجب على الولايات المتحدة تقييد المساعدات، حيث قال “إنهاء هذه المساعدات سيكون الطريقة الوحيدة لإنهاء ثقة السيسي المتعالية في أنه سيظل متلقياً للمساعدات الأمريكية دون رادع، وأنه قادراً على فعل أي شيء لشعبه دون عواقب”.
وأضاف: “ربما يتهمني البعض أنني غير وطني بسبب مطالبي هذه، لكن الحقيقة هي أن المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية لم يكن لها تأثير إيجابي على حياة المواطنين المصريين أو أمنهم”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا