في تصعيد غير مسبوق، أطلقت إيران أعنف هجماتها الصاروخية على إسرائيل، مستهدفة مواقع عسكرية حساسة وبنية تحتية إستراتيجية، وذلك ردًا على الهجوم الجوي الإسرائيلي المباغت على طهران الجمعة الماضي، والذي أسفر عن اغتيال قيادات عسكرية وعلماء بارزين، إضافة إلى ضرب منشآت نووية بالغة الأهمية.

جاء الرد الإيراني مركّزًا ومدروسًا، إذ تجاوز الرمزية العسكرية إلى إحداث أضرار حقيقية وعميقة في قلب الدولة العبرية، ووجّه رسالة حاسمة بأن طهران باتت تملك القدرة على ضرب مراكز القيادة والردع في عمق إسرائيل.

 

الضربة الكبرى: الكرياه تحت النيران

تؤكد تقارير إعلامية أميركية أن مجمع وزارة الدفاع الإسرائيلية المعروف بـ”الكرياه” في تل أبيب، قد تعرض لهجوم مباشر بالصواريخ الإيرانية، بينما أقرّت إذاعة الجيش الإسرائيلي باندلاع حرائق بالقرب من المجمع.

ويتخذ هذا المجمع، الذي يضم مقر رئاسة الأركان ووزارتي الدفاع والاستخبارات، أهمية كبرى لكونه بمثابة “العقل العسكري والسياسي” لإسرائيل.

ما زاد من حساسية الضربة أن الهجوم تزامن مع اجتماع رفيع المستوى ضم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، وقادة أمنيين، داخل قاعة تحت الأرض تُعرف إعلاميًا بـ”الحفرة”، ما يعكس تنامي المخاوف الإسرائيلية من اختراقات استخباراتية أو صاروخية قد تُهدد حتى الاجتماعات المغلقة.

حيفا تحت القصف: منشآت الطاقة مهددة

تعد مصافي النفط في حيفا من أهم الأصول الحيوية للاقتصاد الإسرائيلي، وقد أكدت شركة “بازان”، المسؤولة عن تشغيل المجمع النفطي، تضرر خطوط أنابيب مهمة إثر الهجوم، ما اضطرها لإيقاف منشآت ثانوية.

ويمثل هذا الهجوم ضربة مزدوجة، فهو لا يمسّ الجانب العسكري فقط، بل يهدد البنية التحتية للطاقة في البلاد.

العقل العلمي لإسرائيل يُصاب

من الضربات اللافتة في الهجوم الإيراني كان استهداف معهد وايزمان للعلوم في رحوفوت، أحد أكثر المؤسسات البحثية حساسية في إسرائيل، والذي يُوصف بـ”العقل النووي والتقني” للدولة.

وقد أكدت إدارة المعهد وقوع أضرار مادية جسيمة بعد القصف، تركزت في مبانٍ تضم مختبرات رئيسية، وهو ما أكدته صحيفة “نيويورك تايمز” بصور لحرائق ودمار واسع.

اتساع نطاق الضربات: مدن بكاملها تحت النار

رغم الرقابة المشددة التي فرضتها قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ومنع نشر صور أو فيديوهات لمواقع سقوط الصواريخ، تسربت مقاطع من شهود عيان ووسائل إعلام دولية أظهرت مدى اتساع الرقعة المستهدفة.

وتعرضت مدن حيفا، تل أبيب، قيسارية، رمات غان، بتيح تكفا، بني براك، بيت يام، وريشون لتسيون لقصف مكثف خلف دمارًا هائلًا في الأبنية والمركبات.

وفي مشهد لافت، ظهر مراسل “فوكس نيوز” في شارع مناحيم بيغن بتل أبيب، وهو يشير إلى مبنى مصاب قبل أن تقاطعه الشرطة وتطلب منه مغادرة المكان فورًا، في مشهد يؤكد حجم الحرج الأمني والإعلامي الذي تواجهه السلطات الإسرائيلية.

الفاتورة البشرية والسياسية

بحسب الحصيلة الرسمية الإسرائيلية، أدى القصف الإيراني إلى مقتل 24 شخصًا وإصابة المئات، فيما تتحدث مصادر غير رسمية عن أعداد أكبر، وسط تكتم حكومي غير معتاد. 

وأعقب هذا الرد صدمة داخل المجتمع الإسرائيلي، انعكست في تهافت المدنيين على الملاجئ، وارتفاع غير مسبوق بنسبة 350% في طلبات الدعم النفسي، كما رصدت تقارير محلية.

فشل الحسابات الإسرائيلية

الهجوم الإسرائيلي الذي نفذته عشرات المقاتلات، ضمن عملية “الأسد الصاعد”، لم يُسفر عن النتيجة المرجوة، بل أتى بنتائج عكسية، فبدل أن يُظهر قوة الردع الإسرائيلية، فجّر أكبر هجوم صاروخي تتعرض له تل أبيب منذ عقود. 

كما كشف فشل الحسابات السياسية الداخلية، حيث أعقب الهجوم تصويت مفاجئ من أحزاب الحريديم ضد مشروع حل الكنيست، بعد اجتماعها مع نتنياهو، ما يعكس هشاشة التحالفات البرلمانية القائمة.

الاحتلال في أزمة مزدوجة

يتعرض الاحتلال الإسرائيلي اليوم لأزمة متعددة الأوجه: أمنية بعد اختراق إيران للخطوط الحمراء واستهداف مراكز حساسة، واقتصادية بسبب تعطل منشآت طاقة وبنية تحتية، ونفسية في ظل تزايد حالة الذعر والتململ في صفوف المدنيين، فضلًا عن الأزمة السياسية الداخلية المتفاقمة.

وفي المحصلة، لم يكن الرد الإيراني مجرد قصف انتقامي، بل ضربة إستراتيجية استهدفت قلب المنظومة الصهيونية، وفتحت الباب أمام معادلة ردع جديدة تُربك حسابات الاحتلال، وتدفعه إلى إعادة التفكير في خياراته العسكرية والسياسية.

اقرأ أيضًا : عقوبات متأخرة على وزراء التطرف الإسرائيلي: قرار جاء بعد أن بلغت المجازر ذروتها