أطلقت حكومة دبي مشروعًا جديدًا لاستقطاب المؤثرين تحت مسمى “أكاديمية المؤثرين”، بالشراكة بين دائرة الاقتصاد والسياحة ووكالة Beautiful Destinations حيث تمنح المبادرة المشاركين إقامة فاخرة، تذاكر سفر، راتبًا شهريًا، وتدريبًا إعلاميًا، مقابل إنتاج محتوى يروّج للحياة في دبي ونشره على مواقع التواصل. الأكاديمية تنتهي بشهادة رسمية من كلية السياحة في دبي، مع وعد للمتفوقين بوظيفة دائمة لدى الشركة. الظاهر أنها مبادرة سياحية، لكن مضمونها الحقيقي يتجاوز الترويج إلى دور أعمق في حملات الغسل الدعائي المنظمة.
البرنامج أثار انتقادات حادة من منظمات حقوقية ونشطاء من السودان، الذين وصفوه بمحاولة مكررة لتلميع صورة النظام الإماراتي في وقت تتصاعد فيه اتهامات ضده بدعم ميليشيات متورطة في ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في السودان. عبدالله هالاخي، أحد كبار المستشارين في منظمة Refugees International، اعتبر المشروع جزءًا من خطة ممنهجة لاستقطاب أجانب لا يطرحون أي أسئلة سياسية، ويكتفون بعرض الواجهة المزيفة لدبي على حساب ما تخفيه من انتهاكات متراكمة.
الانتقادات لا تتعلق فقط بالدعاية، بل بالتوقيت الذي تُطلق فيه الأكاديمية كذلك، فالإمارات متهمة رسميًا من قبل الحكومة السودانية أمام محكمة العدل الدولية بانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، من خلال دعمها لقوات الدعم السريع التي ارتكبت مجازر، وعمليات تطهير عرقي، واغتصابات جماعية، وعمليات قتل جماعي منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2023. عدد الضحايا تجاوز الآلاف، والمشردون داخليًا تخطوا 12.5 مليون، بينما تنكر أبو ظبي تقديم أي دعم عسكري أو لوجستي، رغم الكم الكبير من التقارير الحقوقية والدلائل الميدانية.
الناشطون الحقوقيون يربطون هذا المشروع الجديد بجهود الإمارات المتواصلة لإجهاض أي تحول ديمقراطي في المنطقة، انطلاقًا من دورها في إفشال الربيع العربي، ثم تدمير المؤسسات الوليدة في ليبيا، والآن تمويل الحرب في السودان. كل ذلك يجري في ظل صمت عالمي، تغذّيه مشاريع الترفيه، والفعاليات الرياضية، والمحتوى المُعد بعناية على تيك توك وإنستغرام، حيث تحتل دبي المركز الأول في الترويج السياحي عبر المؤثرين بأكثر من 37.9 مليون فيديو على هاشتاغ #Dubai
النظام الإماراتي يواصل الترويج لنفسه كراعي للرفاهية والتمدن، بينما يستمر داخليًا في اعتقال المعارضين ومحاكمتهم سرًا عبر قضاء مسيس. منذ 2011، أُدين المئات من الناشطين السياسيين والمدونين في محاكمات وصفها مراقبون دوليون بأنها غير عادلة وغامضة. قائمة المعتقلين السياسيين تطول، وتشمل حتى أجانب مثل ماثيو هيدجز وعلي عيسى أحمد، وهما مواطنان بريطانيان تعرضا للاعتقال والتعذيب قبل الإفراج عنهما. رايان كورنيليوس، رجل أعمال بريطاني آخر يبلغ من العمر 70 عامًا، لا يزال معتقلًا منذ 16 عامًا على خلفية اتهامات وُصفت بأنها ملفقة.
المؤثرون الذين يشاركون في مثل هذه البرامج لا يملكون غالبًا أي معرفة بالخلفية السياسية للنظام الذي يروّجون له، لكنهم بذلك يتحولون دون وعي إلى أدوات تساهم في غسل جرائم السلطات الاستبدادية. رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، محمد جميل، أكد أن هناك قلقًا متزايدًا من استخدام المؤثرين كغطاء لحملات دعاية تموّلها أنظمة قمعية، مشيرًا إلى أن بعض المشاركين تعرّضوا لاحقًا لعواقب قانونية وأمنية مثل الترحيل، تجميد الأصول، وحتى الاعتقال، بناءً على ارتباطهم غير المقصود بهذه الأجندات.
توظيف الترفيه والسفر والرفاهية لتسويق دولة متورطة في جرائم إبادة واغتيال وسجن وقمع، ليس فقط تضليلًا للرأي العام، بل مشاركة عملية في غسل الجريمة وتطبيع القمع. المؤسسات الإعلامية والمنظمات الدولية مدعوة لتحمّل مسؤولياتها، وفضح هذه المبادرات بدل الترويج لها.
اضف تعليقا