في قرار وُصف بالتاريخي وغير المسبوق على مستوى الهيئات المحلية البريطانية، صوّت مجلس بلدية مدينة أكسفورد بالإجماع على سحب استثماراته من الكيانات المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي، في خطوة قوية تعكس تنامي الغضب العالمي إزاء الجرائم المتواصلة في قطاع غزة. 

القرار، الذي يأتي استناداً إلى القانون الدولي وأحكام محكمة العدل الدولية، يُعد نقلة نوعية في الموقف المؤسسي البريطاني تجاه دعم القضية الفلسطينية، ويعكس تصاعد موجة المقاطعة ضد الاحتلال ضمن حملة الضغط الشعبي المتنامية عالميًا.

القرار الذي تبنّاه مجلس بلدية أكسفورد لم يكن وليد لحظة، بل جاء تتويجًا لحملات ضغط شعبي، واحتجاجات واسعة قادتها حركات التضامن مع فلسطين، خصوصًا حركة المقاطعة BDS، التي ركزت في الأشهر الأخيرة على فضح علاقات المؤسسات الغربية، ومن بينها المصارف والبلديات، مع الشركات التي تزود الاحتلال بالسلاح والدعم اللوجستي في حربه على غزة، التي تجاوزت حصيلتها أكثر من خمسين ألف شهيد منذ بداية العدوان.

موقف قانوني وأخلاقي ضد الإبادة والاحتلال

اللافت في القرار هو استناده إلى مرجعيات قانونية دولية، على رأسها أحكام محكمة العدل الدولية التي أكدت على مخالفة الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي الإنساني، وتورطه في ممارسات قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. 

عضو المجلس الجامعي، حسنية جعفري ماربيني، أكدت أن القرار يمثل خطوة أولى ضمن سلسلة من الإجراءات المنتظرة تهدف إلى تصفية أموال ومعاشات البلدية من أي صلة بالمؤسسات التي تدعم الاحتلال أو تستفيد من نظامه القمعي العنصري، أو تساهم في تمويله بشكل مباشر أو غير مباشر.

وبينما يستهدف القرار الاستثمارات والمشتريات، أشار أعضاء المجلس بشكل خاص إلى بنك “باركليز” البريطاني، الذي تورّط في تقديم قروض واستثمارات لشركات تصنيع السلاح، التي تسهم بدورها في إمداد جيش الاحتلال بالتكنولوجيا العسكرية والأسلحة الفتاكة المستخدمة في قصف المدنيين العزّل في غزة. 

هذه الإشارة تؤكد أن حملة “بي دي إس” قد نجحت في تسليط الضوء على حلقة التمويل الغربي للجرائم الإسرائيلية، ودفعت المجالس المحلية إلى مراجعة علاقتها مع تلك الكيانات.

كما أن قرار أكسفورد لم يقتصر فقط على فلسطين، بل امتد ليشمل سياسات عامة للبلدية ترفض التعامل مع أي مؤسسة ترتكب أو تدعم جرائم إبادة جماعية، أو تستثمر في صناعات ملوّثة بيئيًا، مثل استخراج الوقود الأحفوري، أو إنتاج الأسلحة. 

وهذا يعكس تطورًا مهمًا في وعي المجالس المحلية، وربطها بين القضايا البيئية، وحقوق الإنسان، والعدالة الدولية.

أثر القرار وردود الفعل: هل تكون أكسفورد بداية موجة جديدة؟

القرار التاريخي لمجلس بلدية أكسفورد من المتوقع أن يشعل موجة جديدة من الضغوط على المجالس البلدية والجامعات البريطانية، التي تتعرض بدورها لمساءلات طلابية وشعبية متزايدة بشأن استثماراتها وعلاقاتها مع الاحتلال. 

ومن المرجح أن يُستَخدم قرار أكسفورد كنموذج قانوني وأخلاقي يُحتذى به، وورقة ضغط على الهيئات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية البريطانية التي لا تزال متورطة في دعم مباشر أو غير مباشر للاحتلال الإسرائيلي.

الخطوة لاقت إشادة واسعة من النشطاء الحقوقيين، والدوائر الداعمة لفلسطين، خصوصًا في ظل الجرائم المستمرة في قطاع غزة، والتي كان آخرها ارتفاع عدد الشهداء إلى أكثر من 50 ألفًا، بينهم آلاف النساء والأطفال، وفقًا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية. 

هذه الأرقام الصادمة ساهمت في تصعيد وتيرة الحملات الدولية، التي لم تعد تكتفي بالشجب اللفظي، بل بدأت تترجم إلى خطوات عملية ومؤسسية.

وفي السياق ذاته، يرى مراقبون أن مثل هذه الخطوات تضرب عُمق شرعية الاحتلال في الغرب، من خلال كسر التواطؤ المؤسسي، وزرع حالة من الحرج السياسي والأخلاقي لدى المؤسسات، ما يؤدي إلى عزل الاحتلال تدريجيًا عن محيطه الدولي، وتحويل دعمه إلى عبء أخلاقي وسياسي على الحكومات والشركات.

نحو هندسة مقاومة جديدة تبدأ من المؤسسات

بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي شنّ عدوانه على غزة، يأتي قرار أكسفورد كمثال على التحوّل النوعي في أدوات المقاومة الشعبية والدولية. 

لم تعد المقاومة مقصورة على الميادين فقط، بل باتت تمتد إلى المجالس المحلية، والهيئات الأكاديمية، والمؤسسات المالية، في مسعى لكسر دائرة التواطؤ الدولي مع منظومة القتل والاحتلال.

خطوة أكسفورد، وإن كانت رمزية على المستوى المالي، إلا أنها سياسية بامتياز، وتمثل نقطة تحوّل في إعادة تعريف العلاقة بين المؤسسات الغربية والاحتلال. 

وهي بمثابة رسالة مفادها: الصمت لم يعد مقبولًا، والدعم غير المباشر للاحتلال سيُفضح ويُعاقب، والمؤسسات التي تقف على الحياد بينما تُرتكب المجازر، ستُحاسب، ولو بعد حين

اقرأ أيضًا : مجزرة جديدة في جباليا.. الاحتلال يواصل جرائمه والمقاومة ترد برشقات صاروخية