باستثناء احتمال حصول تطور يقلب الحسابات، تلاشت تقريباً حظوظ الحرب مع إيران، بعدما حسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه لا يريدها

ربما تهيّب من عواقب الخيار العسكري، في ضوء تجربة العراق، أو أنه اكتشف أن مستشاره للأمن القومي جون بولتون سعى إلى “توريطه” في مواجهة مكلفة، فانقلب عليه وأوعز بتبريد الأزمة.

وفي كل حال، لقي استدراكه الارتياح الواسع في واشنطن، لكن من غير إعفائه من مسؤولية التأزيم باعتبار أنه هو الذي فتح باب التوريط بانسحابه من الاتفاق النووي، ثم بتسليم مطبخ القرار الخارجي للصقور، وبالذات لدعاة التغيير القسري في طهران، فكان أن انتهى إلى نفس النتيجة التي بلغها في الملفين الكوري الشمالي والفنزويلي.

وفي كلا الملفين بدأ البيت الأبيض برفع حرارة الأزمة إلى حدّ الغليان، ثم سارع إلى التراجع عن المواجهة قبل الطلقة الأولى، ليترك المشكلة معلّقة حتى إشعار آخر، أو ليستبدل التسخين بدبلوماسية تبيّن أنها غير مجدية، لأنها غير هادفة، كما ظهر من الحالة الكورية الشمالية.

والرئيس ترامب يكرر الآن السيناريو نفسه: “أنا واثق بأن إيران راغبة في الحوار قريباً”، كما قال في تغريدته. تلويح مبطّن بخيار الجلوس إلى الطاولة، لإعادة التفاوض على الاتفاق النووي الذي كان أساس الأزمة.

واللافت أن تلميح ترامب جاء غير مشروط، وتردد أنه “يستكشف حظوظ هذا الخيار عبر القناة السويسرية”، علماً أنه التقى بنظيره السويسري في البيت الأبيض الخميس الماضي.

وعزّز هذا الاعتقاد أن المبعوث الخاص بالملف الإيراني براين هوك، عزف هو الآخر على الوتر نفسه، إذ قال إن الإدارة إذ تعمل لـ”تعزيز القوة الكافية لردع إيران”، إلا أنها في الوقت ذاته تحاول “التوصل إلى اتفاق أفضل” معها.

والمعروف أن الرئيس ترامب انسحب من الاتفاق بزعم أنه “رديء”، ومن غير أن يطرح البديل، ولا حتى الوعد بطرحه. ومضت سنة على الانسحاب من غير أن يأتي أحد في الإدارة على هذه السيرة.

ومعروف أيضاً أن الثنائي بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو لا يريد أي اتفاق جديد، ولا يتوقع تغيير سلوك في المنطقة، بقدر ما يطمح إلى تغيير النظام الإيراني. وليس هذا سرّاً بالنسبة للأول بشكل خاص، ومن ثم ليس من المتوقع أن يأتي البيت الأبيض بأي بديل جدّي للاتفاق.

والمتداول أن أي عقد جديد لا بد أن يشمل المشروع الصاروخي الإيراني، وكذلك وجود ودور طهران في المنطقة. وهذه صيغة كفيلة بسد طريق التفاوض قبل أن يبدأ، كما يرى كثيرون من الخبراء الأميركيين، وخصوصاً أن الثقة معدومة بين الجانبين.

في التقدير أن إيران أخذت جرعة زخم من تراجع الخيار العسكري، لكن العقوبات ضدها مستمرة وخانقة، والترجيحات تفيد بأنها لن تتوقف عن بعث الرسائل لإثبات قدرتها على الأذى في المنطقة ما بقيت محاصرة، وفي ذلك مجازفة لا تخلو من الخطورة.

في المقابل، تسرع البيت الأبيض في الاندفاع العسكري ثم في العودة عنه. استحضر ذلك خطاب الرئيس عندما هدد كوريا الشمالية بـ”الدمار التام”، ليعود وينكفئ إلى نقيضه. ورقة خياره العسكري نقصت أهميتها، لكنه يحتفظ بورقة العقوبات الضاغطة والمكلفة لإيران.

اليوم، أميركا وإيران في مأزق، لأن أوراقهما محدودة قياساً بالتحديات التي قد يواجهها قريباً كل منهما. معادلة تقضي الحرص على تحقيق التوازن في التعايش مع حالة حرب من دون حرب. فهل يقوى الطرفان على مراعاة هذه القاعدة؟ وإلى متى؟