في مقال بمجلة “أوريان 21” الفرنسية، قال الكاتب جان بيار سيريني، المدير السابق لـ “لو نوفيل إيكونوميست”: إن صفقة بيع باريس للقاهرة 30 طائرة من طراز “رافال” أثارت بعض الارتباك.

وأوضح الكاتب أنه إضافة إلى السجل المعروف لمصر من حيث حقوق الإنسان، فهناك أيضًا أسئلة عن الصفقة ومدى تأثيرها على دافعي الضرائب الفرنسيين.

وذكر الكاتب بأن الصفقة، التي أول من كشف عنها موقع “ديسكلوز” الاستقصائي، أكدتها وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي 4 مايو/ أيار الجاري، مشيرة إلى أنها تقدر بـ 3.95 مليار يورو (نحو 4.76 مليار دولار).

وقالت بارلي، في تغريدة عبر حسابها بموقع تويتر: “أرحب ببيع 30 رافال لمصر الشريك الاستراتيجي، هذا النجاح في التصدير أمر حاسم لسيادتنا والحفاظ على 7000 فرصة عمل صناعية في فرنسا لمدة 3 سنوات”،  وعلى الجانب المصري، أكد بيان مقتضب من وزارة القوات المسلحة إبرام هذا العقد.

وهذه هي المرة الثانية التي تشتري فيها القاهرة طائرة رافال، حيث حصلت البلاد عام 2015، على 24 مقاتلة من هذا الطراز، إذ كانت أول عملية بيع للطائرة في الخارج، ثم حاملتي هليكوبتر وفرقاطة وأربع طرادات وصواريخ، لتصبح رابع عميل للسلاح الفرنسي خلال الفترة من 2010-2019.

وبحسب الكاتب هناك ما يفسر الإحراج والارتباك الذي سببته هذه الصفقة على كلا الجانبين، فالنظام المصري – الذي لم يقم بإنهاء تطعيم سكانه البالغ عددهم 100 مليون نسمة ضد كوفيد- 19، يفضل التغاضي عن حقيقة أن هناك دينًا ثقيلًا لشراء أسلحة فائدتها ليست واضحة.

 في المقابل فإن فرنسا، التي تسرع في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في الصين أو روسيا أو تركيا أو سوريا، صماء وعمياء عما يحدث على ضفاف النيل حيث يحتجز عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، بوقت تدرس فيه الجمعية الوطنية (إحدى غرفتي البرلمان) مشروع قانون حول التضامن الدولي ومساهمة باريس في الحد من التفاوتات الاجتماعية حول العالم.

كما رأى أن الترتيب المالي لعملية البيع يشهد على هذا الارتباك أيضا، إذ تم اقتراض مبلغ 3.950 مليار يورو بالكامل من أكبر أربعة بنوك فرنسية ( كريدي أجريكول، بي إن بي باريبا، سوسيتيه جنرال، وسي أي سي) لتمويل العقد المبرم لمدة تصل كحد أدنى إلى 10 سنوات.

وأكد أنه مهما حدث فإن الشركة المصنعة “داسو أفياسيون” ضمنت دفع المبلغ، لكن سعر الفائدة المفروضة غير معروف، وبلا شك لا يقل عن نسبة القروض المضمونة من قبل الدولة (PGE) والتي تبلغ 3٪ سنويًا.

ونوه بأن البنوك الأربعة ستضمن 85٪ من الـ 3.950 مليار يورو التي سيتم تغطيتها بالتأمين (نحو 3.357 مليار يورو)، أما الجزء المتبقي ستضمنه الدولة الفرنسية من خلال بنك الاستثمارات العامة (بي بي أي).

وأشار الكاتب إلى أنه عندما تم بيع 24 رافال في عام 2015 لمصر، كان 60 ٪ فقط من البيع مؤمنًا، ففي ذلك الوقت، وفي ظل برنامج صارم مع صندوق النقد الدولي، كان الوضع المالي لمصر أسوأ مما هو عليه اليوم.

 

ماذا لو تعثر الدفع؟

ووفقا له فإن البنوك الفرنسية أكثر حذرا اليوم مما كان الوضع عليه قبل ست سنوات، وفي حالة عدم الدفع، سيتم التوجه إلى بنك(  SFIL)  الذي تملك الدولة فيه نسبة 75٪ وبنك (بوستال) بنسبة 20٪، وهو المسؤول، من بين أمور أخرى، عن إعادة تمويل عقود التصدير الرئيسية.

وأوضح أنه في حالة وقوع “حادث مفاجئ” في العقد المصري، سيقوم بنك (SFIL  ) بتمديد فترة السداد بهدوء لمدة سنة أو أكثر دون أن يعرف أي شخص أي شيء باستثناء الأطراف المعنية.

وفرنسا هي مورد الأسلحة الرئيسي لمصر بين 2013 و2017 في صفقات شملت بيع 24 طائرة حربية علاوة على إمكانية بيع 12 أخرى، وتوقفت العقود، ومنها صفقات كانت في مرحلة متقدمة تتعلق بمزيد من طائرات رافال وسفن حربية.

وقال دبلوماسيون إن ذلك يرجع إلى قضايا تتعلق بالتمويل لا برد فعل فرنسا إزاء مخاوفها بشأن حقوق الإنسان في مصر، إذ أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ديسمبر/ كانون الأول أنه لن يجعل بيع الأسلحة لمصر مشروطا بحقوق الإنسان لأنه لا يريد إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة.

ولفت الكتب إلى أن غموض تمويل العمليات العسكرية دفع عضوا البرلمان الفرنسي جاك مير (حزب الجمهورية إلى الأمام) وميشيل تابروت (حزب الجمهوريون) إلى المطالبة بإنشاء رقابة برلمانية على عمل السلطة التنفيذية في هذا المجال كما هو الحال في الدول الأوروبية المجاورة الأخرى، بما في ذلك ألمانيا.

لكن مذكرة سرية حصل عليها موقع “ديسكلوز” كشفت معارضة الحكومة الفرنسية لأي سيطرة برلمانية على مبيعات الأسلحة لسبب وجيه، وهو أنه منذ نشأتها، سعت الجمهورية الخامسة إلى الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي من خلال تصنيع برامج أسلحتها البرية والبحرية والجوية الرئيسية “في الداخل” دون أي رقابة.

وأوضح أن فرنسا، عاما بعد عام، تحتاج إلى العثور على عملاء أجانب لضمان التوظيف الكامل في الترسانات والمصانع وللحفاظ على بقاء صناعة الدفاع على قيد الحياة، مشيرا إلى أنه بالنسبة لثالث أكبر مصدر في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا، العملاء نادرون في الاتحاد الأوروبي حيث يسود النفوذ العسكري الأمريكي، لذلك تسعى لإيجاد زبائن في أماكن أخرى، وبالتحديد أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا. 

وأكد جان بيار سيريني أنه غالبًا ما تكون هذه الصفقات محفوفة بالمخاطر، مذكرا بفضيحة عمليات الفساد التي طالت بيع صفقات أسلحة لباكستان وتايوان، لكنه نوه بأنه رغم ذلك لا مفر منها بالنسبة لمستأجري الإليزيه السبعة منذ عام 1958.

 

للاطلاع على النص الأصلي بالألمانية اضغط هنا