أصدرت محكمة أمريكية أمس الإثنين حكمًا بإدانة نادين مينينديز، زوجة السيناتور الأمريكي السابق بوب مينينديز، بتهم تتعلق بالرشوة، والاحتيال، والتآمر للعمل كوكيل لحكومة أجنبية، في واحدة من أكثر قضايا الفساد السياسي إثارة في الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة.
بحسب وثائق المحكمة الفيدرالية في نيويورك، فإن نادين (58 عامًا) وُجدت مذنبة بقبول رشاوى بمئات آلاف الدولارات، بما في ذلك أموال نقدية وسبائك ذهب وسيارة فاخرة، مقابل أن يستخدم زوجها، السيناتور الديمقراطي الرفيع حينها، نفوذه السياسي لصالح رجال أعمال مصريين ومسؤولين في حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتُعد هذه الإدانة ضربة جديدة لبوب مينينديز، الذي أُدين مطلع العام الجاري بتهم مشابهة، وحُكم عليه بالسجن 11 عامًا بعد أن كُشف عن عمله كـ”وكيل غير رسمي لحكومة مصر”، في مخالفة صريحة لقوانين الأمن القومي الأمريكية.
القضية التي بدأت كتحقيق روتيني في الفساد، سرعان ما تحولت إلى فضيحة دولية، بعد أن كُشف عن صلات مباشرة بين السيناتور وممثلي النظام المصري، وتقديمه خدمات دبلوماسية وأمنية سرية لهم مقابل المال.
مصر في قلب القضية.. الرشاوى مقابل النفوذ في واشنطن
بحسب لائحة الاتهام الأمريكية، فقد لعبت نادين مينينديز دور الوسيط في التواصل بين مسؤولين مصريين وزوجها، ونسقت مع رجل الأعمال المصري الأمريكي وائل حنا – أحد المتهمين أيضًا – لتأمين لقاءات خاصة للجانب المصري مع مسؤولين أمريكيين، والدفع نحو مواقف تخدم أجندة النظام المصري، خصوصًا فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية والضغط على وزارة الخارجية لتخفيف الانتقادات الموجهة لسجل حقوق الإنسان في مصر.
وبحسب المدعين الفيدراليين، فقد شملت “الخدمات” التي قدمها مينينديز للنظام المصري:
-
تزويد دبلوماسيين مصريين بمعلومات سرية غير متاحة للعامة عن العاملين في السفارة الأمريكية بالقاهرة.
-
الضغط على وزارة الخارجية لإزالة شروط تتعلق بحقوق الإنسان مرتبطة بالمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر.
-
المساهمة في تمرير صفقة أسلحة حساسة إلى النظام المصري.
ما يعزز خطورة القضية هو أن مينينديز لم يكن مجرد عضو عادي في مجلس الشيوخ، بل كان يرأس لجنة العلاقات الخارجية، ما يعني أن نفوذه كان كبيرًا في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك المساعدات التي تُمنح سنويًا لحكومات حليفة مثل مصر.
فضيحة سياسية بامتياز.. وردود فعل غائبة من القاهرة
فيما تتابع الصحف الأمريكية تفاصيل القضية يوماً بيوم، وتتناولها مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الدولية كواحدة من أبرز فضائح شراء النفوذ السياسي من قِبل حكومة أجنبية، يلوذ النظام المصري بالصمت.
فلم تصدر حتى اللحظة أي تصريحات رسمية من حكومة السيسي تنفي أو تبرر العلاقة مع مينينديز، رغم الأدلة التي قدمها الادعاء العام الأمريكي والتي تضمنت:
-
رسائل بريد إلكتروني واتصالات مباشرة بين نادين ومندوبين مصريين.
-
صور لسبائك ذهبية تم العثور عليها في منزل مينينديز، وبعضها يحمل أرقامًا تسلسلية مرتبطة بتداولها داخل مصر.
-
بيانات مالية تُظهر تحويلات من شركات يملكها وائل حنا لصالح نادين.
الفضيحة كشفت عن واقع مقلق، ليس فقط على مستوى نزاهة المؤسسات الأمريكية، بل على صعيد تغلغل نظام ديكتاتوري مثل نظام السيسي في شبكات النفوذ الغربية. فقد تحوّلت مصر – بفضل ملايين الدولارات من الرشى – من دولة تخضع للمساءلة بشأن ملفها الحقوقي إلى “حليف أمني” يُمنح تسهيلات لا يستحقها.
ويثير هذا المشهد تساؤلات كبرى عن مدى تغلغل أجهزة مخابرات أجنبية – كمخابرات السيسي – في الساحة السياسية الأمريكية، وقدرتها على توجيه قرارات خطيرة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي عبر أدوات غير شرعية.
عندما تشتري الأنظمة الديكتاتورية سياسة أمريكا
قضية مينينديز وزوجته نادين لا يمكن اختزالها بكونها مجرد فضيحة رشوة، بل هي مرآة لما يحدث خلف الكواليس في دوائر القرار الأمريكي، حيث تُباع القيم الديمقراطية مقابل سبائك ذهب ومقاعد في مطاعم فاخرة.
والأخطر من ذلك أن القضية تفتح ملفًا مسكوتًا عنه: محاولات الأنظمة الاستبدادية، كالنظام المصري، شراء نفوذ سياسي في واشنطن عبر الفساد، والتأثير المباشر في مسار المساعدات والصفقات الأمنية.
الإدانة الأخيرة لنادين مينينديز، والحكم المنتظر في الأسابيع المقبلة، قد يكون مجرد فصل جديد في هذه القصة، لكن تداعياتها – خصوصًا على العلاقة الأمريكية المصرية – لن تقف عند حدود المحكمة، بل قد تمتد لتفتح أبواب تحقيقات أوسع تشمل دولًا أخرى ربما سلكت النهج ذاته، لشراء مكانة في السياسة الأمريكية… بـ”الذهب”.
اقرأ أيضًا : فضيحة “سيغنال”.. وزير الدفاع الأميركي يشارك أسراراً عسكرية مع عائلته
اضف تعليقا