رغم سعي دولة الإمارات الحثيث على تسويق نفسها أمام المجتمع الدولي على أنها “دولة السعادة”، إلا أنا لم تستطيع إخفاء جرائمها ضد شعبها الذي طالما طالب بحرية التعبير عن رأيه دون خوف، حتى وإن حاولت أبو ظبي إخفاء جرائمها ضد الشعوب العربية التي أنهكتها أموال الإمارات المحاربة لكل محاولة إصلاح في هذه البلدان.

وكل ما طالب أو حاول المطالبة بإصلاحات ديموقراطية، كان مصيره أشد أنواع السجون قسوة في الإمارات، ليكون هكذا الحال منذ سنوات في دولة طالما تغنت بأنها معيار السعادة في المنطقة كلها.

حيث تستخدم الإمارات فزاعة الإرهاب وتشكيل تهديد استراتيجي على أمنها، ضد كل ما طالب بالإصلاح من أبنائها، ليقبع في سجون الدولة الخليجية معارضون طالبوا بإجراء إصلاحات ديمقراطية في البلد الذي لا توجد فيه أحزاب سياسية ولا انتخابات حقيقية.

وتحاول الإمارات، التي تتكون من سبع إمارات، ويتنوع اقتصادها بين السياحة والمراكز التجارية والبنوك وعائدات النفط، منذ سنوات، إظهار نفسها بصورة “الدولة المتسامحة”، لكنها تبرز على الساحة حاليا بسياساتها القمعية تجاه مواطنيها، وتدخلاتها العسكرية باليمن وليبيا.

وتعد الإمارات “دولة راسبة” في ملف الحقوق والحريات؛ حسب منظمات حقوق إنسان دولية وتقرير للبرلمان الأوروبي، بسبب سياساتها القمعية تجاه المطالبين بإصلاحات ديمقراطية، بينها ضمان حرية التعبير.

حيث تزج السلطات الإماراتية ومنذ سنوات، في السجون بالمئات من النشطاء السلميين ونشطاء حقوق الإنسان، المطالبين بإصلاح سياسي يفتح المجال أمام انتخابات ديمقراطية حقيقية.

** وضع “مخيف للغاية”

وفي هذه الإطار يقول “مايكل بيج”، مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية في الشرق الأوسط، إن الإمارات تنتهج سياسة صارمة للغاية في مجال حقوق الإنسان، رغم أنها قامت باستثمارات جادة لتحظى بصورة “الدولة المتسامحة والديمقراطية”.

وتابع: توجد جهود واستثمارات جادة من أمراء الإمارات لإظهار دولتهم كأنها متسامحة تحترم حقوق الإنسان، حتى أنهم أعلنوا 2019 “عام التسامح”، لكن وضع حقوق الإنسان في الإمارات “مخيف للغاية”.

وأشار إلى أن الإدارة الإماراتية تهاجم منذ 2011، باستمرار، النشطاء والمنظمات المدافعة عن حرية التعبير.

وأضاف: “الحكومة الإماراتية تمارس الاعتقال التعسفي والجبري ضد مواطنيها، الذين ينتقدون الإدارة داخل الدولة. جميع مواطني الإمارات الذين يرفعون أصواتهم بشأن حقوق الإنسان يواجهون مخاطر، كالاعتقال التعسفي والسجن والتعذيب”.

وأفاد بيج بأنه ليس لديهم معلومات عن عدد السجناء السياسيين بسجون الإمارات، لكن من المعلوم جيدا أن أشخاصا عديدين حُكم عليهم بالسجن لسنوات أو اضطروا لمغادرة الإمارات؛ بسبب ضغوط مورست عليهم.

** قمع الحركة الإصلاحية

بموافقة أمير دبي في 1974، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، تم تسجيل منظمة “الإصلاح والتوجيه الاجتماعي”، المعروفة باسم “الحركة الإصلاحية”، لأول مرة في الإمارات كمنظمة حكومية مدنية.

وواصلت حركة الإصلاح أنشطتها لأكثر من 20 عاما في المجالات الرياضية والثقافية والأعمال الخيرية.

كما بدأت الحركة أنشطة سياسية في الإمارات، وكان الهدف من الحركة إنشاء مجلس منتخب يمثل المواطنين الإماراتيين بشكل مباشر.

غير أن الحكومة أبعدت أعضاء مجلس إدارة الحركة الإصلاحية في 1994م؛ بسبب مطالباتهم بإصلاح سياسي، وعينت مجلس إدارة جديد، وتم تقييد جميع أنشطة الحركة داخل الإمارات.

حيث جرى استبعاد المنتسبين للحركة من وظائفهم، وفي مقدمتهم العاملين بالمجال الأكاديمي والإعلام والصحة.

كما اعتقلت السلطات الشيخ سلطان بن كايد قاسمي، رئيس الحركة؛ في مارس/ آذار 2011 لتوقيعه طلبًا لإصلاح الهيكل السياسي بالبلاد.

وبعد ثورات الربيع العربي، بدأت أواخر 2010، تم اعتقال وسجن نحو 60 آخرين من أعضاء الحركة الإصلاحية.

وأطلقت السلطات الإماراتية حملة لتشويه الحركة أمام الرأي العام، زاعمة أنهم يشكلون “خطرا استراتيجيا على الأمن في البلاد”؛ بسبب ارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين.

ووفقا لتقرير أعده البرلمان الأوروبي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، فإن حركة الإصلاح ليس لديها دعم خارجي أو جناح مسلح، وترفع حزمة مطالب مشروعة، كالإصلاح السياسي، وإنشاء برلمان منتخب، وهي تتعرض باستمرار لاتهامات من الدولة بزعم أنها منظمة مدعومة من الخارج، ولها جناح مسلح وأنشطة سرية.

وفي تصريح بخصوص المطالب المتصاعدة بشأن الإصلاحات السياسية في الإمارات بعد الربيع العربي، قال أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، إنهم لا يهدفون للانتقال إلى نظام التعددية الحزبية، بحجة أن هذا النظام لا يتوافق مع التركيبة الثقافية والتطورات التاريخية للإمارات.

وبعد فترة الربيع العربي خاصة، قامت إدارة أبو ظبي، التي تنتهج سياسة قمعية تجاه المنظمات والمدنيين المطالبين بوجود معارضة وإجراء إصلاح سياسي، برفع دعوى قضائية ضد 94 شخصًا وقعوا على إعلان “الإصلاح الديمقراطي”، عام 2013.

ووفقا لتقرير منصة الحملة الدولية للحرية في الإمارات (ICFUAE)، ومقرها في إنجلترا، تم اتهام النشطاء الـ94، وهم طلاب وأكاديميون وصحفيون ومدرسون، بـ”محاولة الإطاحة بالحكومة”، في 27 يناير/ كانون الثاني 2013.

وأُدين 69 من النشطاء، وحُكم عليهم بالسجن بين 7 سنوات و15 سنة. ويفيد التقرير بأن بعض المدانين لم يُفرج عنهم حتى الآن، رغم انتهاء فترة عقوباتهم.

** استهداف حقوقيين وأكاديميين

في مارس/آذار 2017، تم اعتقال أحمد منصور، وهو ناشط إماراتي مدافع عن حقوق الإنسان وحاصل على جائزة “مارتن انالز” الحقوقية الدولية، وذلك بتهمة “نشر معلومات تضر بالوحدة الوطنية، على وسائل التواصل الاجتماعي”.

لمدة عام تقريبًا بعد اعتقاله، لم يتم الكشف عن مكان احتجاز منصور، ثم أُعلن أنه حُكم عليه بالسجن 10 سنوات، في 27 مايو/أيار 2018.

وفي أغسطس/آب 2015، اُعتقل بشكل تعسفي ناصر بن قيس، وهو أكاديمي بارز وجه انتقادات للمسؤولين الإماراتيين والمصريين، ولم يتم تحديد مكان احتجازه.

ولم يتم تقديم بن قيس إلى المحكمة، إلا بعد عامين على اعتقاله، وذلك في مارس 2017، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات.

** “غوانتانامو الإمارات”

ويتم احتجاز المفكرين والنشطاء في سجن “الرزين”، وهو يتمتع بإجراءات أمنية مشددة للغاية، ويقع على بعد 120 كم من أبو ظبي.

وبحسب تقرير الحملة الدولية للحرية في الإمارات، فإن هذا السجن يوصف بأنه “غوانتانامو الإمارات”، في إشارة إلى السجن الأمريكي سيئ السمعة.

وأفاد التقرير بأن السجن الموجود وسط الصحراء يسجل درجات حرارة قياسية في أشهر الصيف، وأقل بكثير من حيث المعايير التي حددتها الأمم المتحدة للسجون.

وتابع أنه يتم اختيار الحراس غالبا من دول أجنبية وغير الناطقة بالعربية، مثل نيبال.

وشدد على أن السجناء في “الرزين” يتعرضون للتعذيب الشديد، ولا يُسمح لهم حتى بأداء صلاة الجمعة في جماعة.

اقرأ أيضاً: كورونا ينهش المعتقلين .. منظمات دولية توثق تفشي الوباء في سجون الإمارات