في تصعيد خطير ضد العمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية، أعلنت إسرائيل إنهاء علاقاتها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في خطوة من شأنها تعريض الملايين من الفلسطينيين لأزمة إنسانية غير مسبوقة.

وجاء القرار الإسرائيلي استكمالًا لإجراءات أقرتها الحكومة والكنيست في الفترة الأخيرة، والتي تهدف إلى حظر عمل الأونروا في المناطق التي تقع تحت السيادة الإسرائيلية. 

وأثار هذا القرار انتقادات واسعة من جهات دولية ومحلية، إذ حذّر المتحدث باسم الأونروا، جوناثان فاولر، من أن “تطبيق القرار قد يؤدي إلى انهيار العملية الإنسانية الدولية في قطاع غزة، حيث تشكل الأونروا عمودها الفقري”.

بدوره، أكد المستشار الإعلامي للأونروا، عدنان أبو حسنة، أن “الوكالة لم تُبلّغ رسميًا بإلغاء الاتفاقية”، لكنه شدد على أن إسرائيل بدأت بالفعل تنفيذ قراراتها، الأمر الذي يعكس مدى خطورة هذه الخطوة التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين. 

واعتبر أبو حسنة أن إسرائيل كقوة احتلال تسيطر على الأرض والمعابر والنظم المصرفية وعمليات الشراء، ما يجعل قرارها الأخير بمثابة ضربة كارثية غير مسبوقة لعمل الأونروا والملايين من اللاجئين الذين يعتمدون عليها في تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة.

الأونروا: سبعون عامًا من الدعم الإنساني في مواجهة التحديات

تأسست الأونروا في ديسمبر/كانون الأول 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف تقديم الدعم والإغاثة للاجئين الفلسطينيين الذين شُردوا قسرًا من أراضيهم بعد نكبة 1948. منذ ذلك الحين، أصبحت الوكالة الملاذ الإنساني الوحيد لملايين الفلسطينيين في الداخل والخارج، حيث تقدم الخدمات التعليمية والصحية والإغاثية لما يزيد عن 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان.

وتوظف الأونروا أكثر من 18 ألف موظف، بينهم 13 ألفًا في قطاع التعليم، و1500 في قطاع الصحة، إلى جانب الآلاف الذين يعملون في مجالات الإغاثة والتنمية المجتمعية.

وتعتمد الوكالة بشكل أساسي على التمويل الدولي، غير أنها تعرضت في السنوات الأخيرة لحملات ضغط مكثفة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، ما أدى إلى تراجع الدعم المالي المقدم لها، مما جعلها تكافح للبقاء والاستمرار في تأدية مهامها.

إلا أن محاولات إضعاف الأونروا لم تتوقف عند خنقها ماليًا، بل امتدت إلى استهداف عملها ميدانيًا، كما هو الحال مع القرار الإسرائيلي الأخير. 

وتشكل هذه السياسات جزءًا من مساعي الاحتلال لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر إلغاء حقهم في العودة وإفراغ مؤسسات الدعم من محتواها، ما يمهد لفرض أمر واقع جديد يتنكر لحقوق الفلسطينيين التاريخية والقانونية.

انتهاكات الاحتلال وسعيه لتصفية القضية الفلسطينية

قرار إسرائيل بقطع علاقتها مع الأونروا ليس خطوة منفصلة، بل يأتي في سياق طويل من السياسات الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، ضمن استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى شطب حق العودة من أي معادلة سياسية مستقبلية. وبحسب محللين، فإن إسرائيل تسعى إلى تقويض الأونروا كمدخل لإنهاء الاعتراف الدولي بمأساة اللاجئين الفلسطينيين، وتحميل مسؤوليتهم للدول المضيفة أو منظمات إغاثية بديلة، وهو ما تحذر منه جهات فلسطينية ودولية.

في هذا السياق، وصفت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) القرار الإسرائيلي بأنه “محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين”، معتبرة أن هذه الخطوة تجاوز لكل القيم الإنسانية والقانونية، مطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتدخل لوقف هذه الإجراءات التي وصفتها بـ “المتمردة على الشرعية الدولية”. كما دان مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إسماعيل ثوابتة، القرار الإسرائيلي، مؤكدًا أنه “جريمة جديدة بحق اللاجئين الفلسطينيين، الذين شُرّدوا من أراضيهم عام 1948، ويلاحقهم الاحتلال مجددًا بحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية”.

ولا يقتصر خطر القرار الإسرائيلي على الجانب الإغاثي فقط، بل يمتد إلى القطاعات الحيوية الأخرى، حيث تعتمد ملايين العائلات الفلسطينية على خدمات الأونروا التعليمية والصحية والاجتماعية. وفي ظل غياب أي بديل، فإن وقف عمليات الوكالة سيؤدي إلى انهيار المنظومة التعليمية والصحية التي تخدم اللاجئين، ما سيترك فراغًا كارثيًا يصعب تعويضه.

في المحصلة، فإن القرار الإسرائيلي يعكس نية واضحة لإفراغ القضية الفلسطينية من عناصرها الأساسية، وعلى رأسها قضية اللاجئين، وهو ما يستوجب تحركًا دوليًا عاجلًا لوقف هذه السياسات التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها.

اقرأ أيضًا : عبر حملات تضليل وتجسس غير قانونية.. كيف تقود الإمارات حربًا خفية ضد مسلمي أوروبا ؟