في مؤشر جديد على مضي الاحتلال الإسرائيلي قُدُمًا في تنفيذ مخططاته الإجرامية ضد قطاع غزة، صادق وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس على خطط “عملياتية” تهدف إلى مواصلة الحرب الشاملة ضد القطاع المحاصر، وذلك خلال زيارة ميدانية لمقر فرقة غزة، برفقة عدد من كبار ضباط الجيش.

هذه المصادقة تأتي وسط مؤشرات متزايدة على نية الاحتلال فرض واقع استعماري جديد، بدعم من الإدارة الأمريكية الحالية، ما يثير تساؤلات عميقة حول مصير المدنيين في القطاع وسيناريوهات المرحلة المقبلة.

كاتس على خط المواجهة

زيارة كاتس الميدانية ولقاؤه بقيادات الجيش في فرقة غزة لم تكن زيارة بروتوكولية، بل جاءت في إطار إعداد المسرح السياسي والعسكري لمرحلة جديدة من العدوان. 

تصريحات الوزير التي قال فيها: “جئت إلى هنا اليوم لأرى القتال عن قرب والاستعداد لعملية اتخاذ القرار لاحقًا”، تحمل دلالات خطيرة تشير إلى نوايا تصعيدية واضحة.

وبينما أشار إلى أن “الهدف الرئيسي هو إعادة جميع الأسرى”، فإن لغة التهديد التي استخدمها تجاه المقاومة الفلسطينية كشفت عن التوجهات الحقيقية: المزيد من القتل والتدمير، والسيطرة الميدانية المباشرة.

فقد تعهد كاتس بأن “تدفع حماس ثمنًا باهظًا عبر الاستيلاء على الأراضي وتدمير بنيتها التحتية”، ما يعكس خطة ممنهجة لإعادة احتلال القطاع، ضمن رؤية تُماثل العقيدة العسكرية النازية في معاقبة الشعوب جماعيًا.

خريطة احتلالية جديدة لغزة

في السياق ذاته، كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن خطط أوسع من مجرد عمليات عسكرية مؤقتة. فبحسب تقريرها، فإن “إسرائيل” تخطط فعليًا لإعادة احتلال غزة بشكل كامل، بدعم من متطرفين يمينيين داخل الحكومة، وتحت مظلة سياسية جديدة يوفرها عودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض.

التقرير أشار إلى أن الخطط التي صاغها رئيس هيئة الأركان الجديد، والمدعومة من وزراء متشددين، تستهدف هزيمة “حماس” عبر إعادة اجتياح القطاع بالقوة العسكرية، ثم فرض إدارة عسكرية عليه. 

ويكشف التقرير عن نوايا لتجميع نحو 2.2 مليون فلسطيني في “منطقة إنسانية صغيرة” قرب الساحل، في سياسة تكرّر ممارسات التطهير العرقي التي اتُبعت عام 1948. هذا المخطط يعيد للأذهان الأساليب التي اعتمدتها الأنظمة العنصرية والفاشية في التاريخ المعاصر، ويؤكد أن الاحتلال يسير في نهج استيطاني عنصري غير قابل للتعايش مع القانون الدولي أو المبادئ الإنسانية.

دعم أميركي مباشر

المعطى الأخطر في التقرير البريطاني هو الإشارة إلى تبدل الموقف الأمريكي، إذ قالت مصادر إسرائيلية إن “الخطط أصبحت ممكنة بفضل عودة ترامب إلى البيت الأبيض”، بما يعني أن “تل أبيب” لم تعد مقيدة بأي ضغوط دولية لإنهاء الحرب أو تجنب إعادة احتلال غزة.

تصريحات مسؤول إسرائيلي بأن “ترامب يريد منا الفوز بالحرب”، تُترجم سياسيًا على أنها تفويض مفتوح للإبادة الجماعية، لا سيما في ظل صمت دولي متواطئ. الدعم الأمريكي يُغلق أبواب الحلول السياسية، ويمنح الاحتلال غطاءً لتوسيع عملياته، وربما لارتكاب جرائم تطهير شامل تحت ذريعة محاربة الإرهاب.

فبينما يواصل بايدن إرسال المساعدات العسكرية لإسرائيل علنًا، تُعد إدارة ترامب مظلة شرعية دولية لتحويل غزة إلى ساحة استعمار مباشر.

إلى أين تتجه غزة؟ وما المطلوب الآن؟

الواضح أن الاحتلال الإسرائيلي يسير بخطى ثابتة نحو تحويل قطاع غزة إلى مستعمرة عسكرية، بعد فشل أهدافه في كسر المقاومة أو فرض الاستسلام. 

المصادقة على الخطط “العملياتية” ليست سوى غطاء رسمي لتوسيع القتل والدمار، وربما لتنفيذ تطهير عرقي جزئي أو كلي بدعم من شركاء دوليين.

ما يجري في غزة اليوم هو اختبار صارخ للمجتمع الدولي، ولمنظومة القانون الدولي التي تقف عاجزة أمام نازية جديدة ترتدي زي “الدفاع عن النفس”.

فالاحتلال لا يخوض حربًا تقليدية، بل يدير مشروعًا استعماريًا من الدرجة الأولى، يستند إلى القوة الغاشمة والغطاء السياسي الأمريكي، مع صمت دولي يشجعه على المضي قدمًا.

أمام هذا الواقع، فإن مسؤولية الشعوب الحرة والحركات الحقوقية لا تقتصر على التنديد، بل تفرض تحركًا عاجلًا لكسر الحصار الإعلامي والسياسي على ما يجري في غزة، وتكثيف الجهود لعزل دولة الاحتلال، وفضح نواياها الحقيقية أمام الرأي العام العالمي.

اقرأ أيضًا : استشهاد براء مسكاوي.. مقاوم قسامي من قلقيلية عاد من الأسر إلى ساحات الاشتباك