على غير عادة الإعلام المصري، الذي يسعى لتمجيد القضاء ومنتسبيه دائمًا، ووصفهم بصفات قد تخرجهم من آدميتهم وتلحقهم بالملائكة، كونهم حاملي لواء العدل والحق، غير أن الحال تبدل وذلك مع تسييس القضاء في عهد عبد الفتاح السيسي وتحويله لأداة لجلد معارضي نظامه.

وهو الأمر الذي استدعى هجومًا حادًا من الإعلام المصري على وزير العدل الأسبق “أحمد مكي”، في ظاهرة حتى لا تجدها من قبل بأن يهاجم وزير مسؤول عن القضاء المصري.

لكن هذا الهجوم جاء عقب تصريحات أدلى بها “مكي” حول شهادته على فترة حكم الرئيس الأسبق الراحل “محمد مرسي”، لا عجب إذًا من هذا الهجوم عليه .

فقد حاول الوزير السابق كسر الصورة التي طالما حاول الإعلام المصري رسمها عن الرئيس الراحل “محمد مرسي”، عندما تكلم بما رأى وبالحق الذي يزعمونه.

وتعرضت شهادة “مكي”، التي عرضها في مداخلة هاتفية على فضائية “الجزيرة مباشر”، لهجوم حاد من إعلاميين مصريين وصحف، كلها محسوبة على النظام الحالي، فضلا عن تقديم أحد الإعلاميين بلاغا ضده، يتهمه بالانتماء لـ”الإخوان” والتحريض ضد الدولة.

وكون “مكي”، كان شغالا لمنصب وزير العدل في عهد “مرسي”، فقد تحدث عن وقائع تثبت نزاهة الرئيس الراحل، ومنها رفضه قمع المتظاهرين، وتقبّله نقد القضاة للإعلان الدستوري، وإلغاؤه قانون حبس الصحفيين.

جاءت شهادة “مكي” بالتزامن مع الذكرى الأولى لوفاة “مرسي”، والذي قال عنه: إن أول لقاء جمعه بـ”مرسي”، كان يوم حلف اليمين الدستورية، فلم تكن له علاقة به من قبل، مضيفا: “وأشهد أني لم أر رئيسا مثله في حياتي من بين الرؤساء المتعاقبين على مصر”.

ومن أهم الوقائع التي كان شاهدا عليها، أنه دُعي إلى القصر الجمهوري لاجتماع عاجل، فوجد “مرسي” مجتمعا بوزير الدفاع حينئذ “عبدالفتاح السيسي”، ووزير الدفاع الحالي “محمد زكي”، الذي كان رئيس الحرس الجمهوري، واللواء “أحمد جمال الدين” وزير الداخلية آنذاك، ومستشار الرئيس للشؤون الأمنية الآن، حيث كانوا يناقشون اقتحام المتظاهرين للقصور الرئاسية، ما اضطر الحرس الجمهوري إلى إخراج “مرسي” من باب خلفي.

وخلال الاجتماع، سأل “مرسي”، قائد الحرس الجمهوري إن كان قادرا على منعهم، فرد عليه قائلا “أضربهم بالرصاص”، فرد “مرسي”: “لا، رصاص لا”، وذكر الحديث الشريف “لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ في فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا”.

وعن مسألة أخرى، تحدث “مكي” عن اتصال “مرسي” به عندما قال له إنه لن يستطيع النوم لأن المحكمة قضت بحبس الصحفي “إسلام عفيفي”، من جريدة “الدستور”، لشتمه الرئيس في إحدى المقالات، وطلب من “مكي” الاتصال بالمحكمة وإطلاق سراحه.

وأضاف أنه رد على الرئيس بالقول إنه لا يستطيع مخاطبة المحكمة لصالح أي شخص، فسأله: ما العمل؟ فقال له “مكي”: “ألغ قانون حبس الصحفيين”، وعندها أصدر “مرسي” على الفور قرارا بإلغائه.

وأشار “مكي”، إلى اعتراضه على الإعلان الدستوري الذي تضمن بندا يقول إن قرارات رئيس الجمهورية محصنة من القضاء، حيث طلب من “مرسي” الاجتماع مع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، فوافق الرئيس على الفور.

ويعتقد “مكي”، أن “مرسي”، كان لا يمانع إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في حال اكتمال مؤسسات الدولة، ووضع الدستور وانتخاب مجلس الشعب.

وأضاف أن “مرسي” كان يستمع لكل الآراء، وأنه لم يعترض عندما قال له إنه ينبغي تكريم الرئيس الأسبق “حسني مبارك”، ورأى أنها علامة قوة والتزام بمعتقداته ومبادئه، مشيرا إلى أن “مرسي تولى رئاسة مصر ولم يترك منزله ولم يغير عيشته وصار رمزا”.

كما نفى “مكي” الاتهامات التي ما زال يرددها خصوم “مرسي”، معتبرا أن لا أساس لها من الصحة.

هجوم مضاد

وأمام تصريحات “مكي”، شن الإعلام المصري، ممثلا في صحف وإعلاميين، جميعهم محسوبون على النظام، هجوما حادا على “مرسي”، واتهموه بأنه “إخواني الهوى”، وأنه وجد ضالته في جماعة الإخوان، لذلك فهو يدافع عنهم.

صحيفة “الوطن”، وصفت تصريحات “مكي” بأنها “أكاذيب وصنع للشائعات وترويجها”، ومحاولة لتجميل صورة فترة حكم جماعة الإخوان، التي تولى فيها “مرسي” الرئاسة.

ونقلت الصحيفة عن متخصصين في الحركات الإسلامية، تكذيبهم الوقائع التي ذكرها “مكي”، وقولهم إن قرارات “مرسي” بشأن حبس الصحفيين لم تكن إلا نتيجة الزخم الثوري الذي كانت تعيشه البلاد.

الذين زعموا أن “مكي”، ومن خلفه جماعة الإخوان، اعتمدوا على ضعف ذاكرة المصريين، لتدليس الحقائق، لافتا إلى أن ذاكرة الشعب حفظت ألاعيبهم، وفضحت مؤامراتهم.

وادعى الباحثون، أن ما ذكره “مكي” بشأن اكتمال مؤسسات الدولة والانتخابات “غير صحيح”، متهمين “مرسي” بالأخونة والسعي نحو تعيين محافظين ووكلاء وزارات في مجالات شتى للسيطرة على الهيكل الحكومي للدولة، الذي من شأنه أن يجعل مصر دولة إمامة، وليست مؤسسات، حسب قولهم.

أما النائب “مصطفى بكري”، فاتهم “مكي” بأنه “يكذب كما يتنفس (..) يوجه اتهامات الهدف منها تبييض وجه جماعته الإخوانية على غير الحقيقة، ويختلق وقائع مزيفة كذبها شهود الأحداث أنفسهم”، حسب قوله.

بينما شن الإعلامي “رامي رضوان”، هجوما حادا على “مكي”، وقال إنه غير متفاجئ، بما قاله باعتبار أن هذه “عادة الإخوان”.

ووجه سؤالا إلى “مكي”: “أين كنت عندما انتهك مرسي ونظامه الدستور والقانون”.

كما نقلت صحف محلية، عن عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان “مختار نوح”، قوله إن “مكي”، وجد في جماعة الإخوان ضالته، مؤكدا أنه نسي مبادئه التي كان ينادي بها من إعلاء قيمة القانون، وتغليب مصالح الدولة، وعدم وضع الرئيس في مكانة لا يحاسب فيها.

كما شن المذيع “أحمد موسى”، هجوما ضد “مكي”، وطالب باتخاذ إجراءات قضائية ضده، وهو الأمر الذي استجاب له المحامي “خالد أبوبكر”، عندما أعلن تقدمه ببلاغ للنائب العام، ضد “مكي”.

وسيتضمن البلاغ، طلب التحقيق مع “مكى”، في كل ما ذكره في مداخلته على قناة “الجزيرة مباشر”، متهما إيه بالتحريض على الدولة.

دفاع عن مرسي

غير أنه ومع هذا الهجوم المتوقع من الإعلام المصري وأتباعه، فقد واجهت موجته الهجومية دفاعًا كبيرًا من قطاع عريض من أبناء الشعب المصري إضافة للعديد من نشطاء الوطن العربي، الذي دافعوا عن “مرسي” وعددوا مناقبه الحسنة.

وفي هذا الإطار تصدر وسم “#فاكرين_مرسي” على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حيث استجمع العديد من النشطاء مواقع عاشوها أو شهدوا عليها إبان حكم الرئيس الراحل مرسي في عامي 2012 و 2013 قبل الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي.

 

وحلت الأربعاء 17 يونيو/حزيران 2020، الذكرى الأولى لوفاة الرئيس المصري الراحل “محمد مرسي”، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في تاريخ البلاد.

وعلى الرغم من مرور عام على وفاة “مرسي” في محبسه، أثناء حضوره جلسة محاكمته على ذمة إحدى القضايا، فإن الغموض يحيط بملابسات وفاته، دون توجيه اتهامات جنائية لأحد.

وحرمت السلطات المصرية، آنذاك، أسرته، من دفنه في مسقط رأسه بقرية العدوة التابعة لمركز ههيا بمحافظة الشرقية (دلتا النيل)، كما منعت إقامة صلاة الجنازة عليه، أو تقديم العزاء لأسرته.

وقضى “مرسي” 6 سنوات في السجن، عقب انقلاب عسكري نفذه وزير الدفاع (حينها)، والرئيس الحالي “عبدالفتاح السيسي”، في الثالث من يوليو/تموز 2013.

اقرأ أيضاً: “مرسي حي” .. الآلاف يحيون ذكرى أول رئيس مصري مدني منتخب