في خطوة تحمل دلالات سياسية عميقة، نظّمت السفارة الإسرائيلية في مصر مساء أمس الاثنين حفل إفطار رمضاني، دعت إليه رجال أعمال ومثقفين مصريين، وسط أجواء من الدبلوماسية الناعمة التي تهدف إلى ترسيخ التطبيع الرسمي بين القاهرة وتل أبيب.
وجاء في كلمة طاقم السفارة أن “رمضان هو مناسبة خاصة للدعاء والتأمل، وأن هذا النشاط يعزز روح الصداقة والدعم المتبادل”، مدعيا أن “إسرائيل تحترم مختلف الأديان وتصون حرية العبادة لجميع الديانات”.
غير أن هذه التصريحات التي تروج لصورة وديعة لدولة الاحتلال تتناقض تمامًا مع واقع الجرائم التي ترتكبها في قطاع غزة، حيث يعيش الفلسطينيون مأساة إبادة جماعية وسط صمت عربي رسمي، وتواطؤ من بعض الأنظمة التي تتبنى نهج التطبيع.
إفطار التطبيع في ظل المجازر
يأتي هذا الحفل التطبيعي في وقت تشن فيه إسرائيل عدوانًا وحشيًا على قطاع غزة، راح ضحيته آلاف المدنيين، بينهم نساء وأطفال، في حملة إبادة جماعية مستمرة منذ أشهر.
المشهد الذي يراد له أن يبدو “وديًا” داخل مقر السفارة في القاهرة، يتناقض مع مشاهد الدماء والدمار في شوارع غزة، حيث يتم استهداف المستشفيات والمدارس والملاجئ، ويُحاصر المدنيون في ظروف كارثية دون ماء أو غذاء.
إن دعوة شخصيات مصرية لحضور هذا الإفطار، في ظل هذه الجرائم، ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل هي محاولة إسرائيلية لاستغلال التطبيع المصري الرسمي لغسل سمعة الاحتلال، وإظهار أنه لا يزال يحتفظ بعلاقات طبيعية مع العالم العربي، رغم ما يرتكبه من جرائم ضد الإنسانية.
تطبيع السيسي: بين المصالح والسيادة المفقودة
منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، بقيت العلاقات المصرية الإسرائيلية باردة على المستوى الشعبي، لكنها شهدت في عهد عبد الفتاح السيسي تحولًا جذريًا، حيث بات النظام المصري أكثر انخراطًا في مشاريع التطبيع الاقتصادي والأمني مع إسرائيل.
فقد تصاعد التعاون الاستخباراتي بين الطرفين في سيناء، إلى جانب مشاريع الطاقة المشتركة التي تمنح إسرائيل منفذًا حيويًا لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر مصر، مما يحقق لها مكاسب اقتصادية ضخمة.
هذا الانخراط في التطبيع لا يقتصر فقط على الجانب الرسمي، بل يمتد إلى محاولات التأثير على الرأي العام المصري من خلال الفعاليات الثقافية والدبلوماسية، مثل هذا الإفطار، بهدف ترويض الشارع المصري لقبول إسرائيل كدولة “طبيعية” في المنطقة.
ولكن، وعلى الرغم من هذه المحاولات، يبقى المزاج الشعبي المصري رافضًا لأي شكل من أشكال التطبيع، حيث يتجلى ذلك في الحملات الإلكترونية المناهضة لإسرائيل، والمقاطعة الشعبية للمنتجات والشركات الداعمة لها.
خاتمة: محاولات فاشلة لغسل جرائم الاحتلال
حفل الإفطار الذي أقامته السفارة الإسرائيلية في القاهرة لا يمكن فصله عن سياق التطبيع المتسارع الذي ترعاه بعض الأنظمة العربية، لكنه في النهاية لن ينجح في محو الرفض الشعبي للتطبيع، خاصة في ظل المجازر الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين.
في الوقت الذي تُرفع فيه كؤوس الإفطار داخل السفارة، تُهدم منازل العائلات الفلسطينية في غزة على رؤوس سكانها، مما يجعل أي محاولة لإضفاء الطابع “الإنساني” على إسرائيل مجرد دعاية زائفة مفضوحة.
يبقى السؤال المطروح: إلى متى ستظل بعض الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام المصري، شريكًا في تجميل صورة الاحتلال على حساب الدم الفلسطيني؟
اقرأ أيضًا : “بنك القاهرة” في قبضة الإمارات.. لماذا يفرط السيسي في ثالث أكبر بنك حكومي؟
اضف تعليقا