“جماعات الضغط” المنافس الأكبر لتجار الأسلحة والمهربين في هذا القرن. في الماضي، كانت هذه الفئة تخاطر بسلامتها وأمنها لأجل تحقيق الأموال والنفوذ، وكذلك كانت جماعات الضغط التي كانت مهمة رجالها العمل على مفاوضات سرية محفوفة بالمخاطر من أجل تحقيق أجندات من يجندهم، أما الآن، أصبح عمل أعضاء هذه الجماعات هو النفوذ بحد ذاته، يجرون مفاوضاتهم في وضح النهار، يجوبون العالم بجوازات سفر دبلوماسية، يعقدون صفقات تجارية بالملايين، وفي كافة المجالات.

على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وخاصة في فرنسا، برز دور أعضاء جماعات الضغط بصورة ملحوظة، هذه الشخصيات كونت علاقات عميقة مع الحكومات حول العامل، والتي في المقابل أمنت لهم حرية التنقل والتصرف وإبرام صفقات غير قانونية دون أي ملاحقة.

شمل نفوذهم التفاوض مع الدبلوماسيين، إلى الاجتماع بالرؤساء والشيوخ والوزراء وكبار رجال الاقتصاد والاستثمار، لتحقيق مصلحة متبادلة، جماعات الضغط تحصل على الأموال والنفوذ، ورجال الدولة يضمنون تنفيذ أجنداتهم الاستراتيجية والسياسية.

 الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي كان من أبرز دعم سلطته بهذه الصفقات، وظلت هذه هي السمة السائدة بين الرؤساء بما فيهم ماكرون نفسه، تعاقبت الحكومات واختلف الرؤساء، لكن ظل شخصٌ واحدٌ لم يتغير في مساعدة المسؤولين على تنفيذ مصالحهم: الفرنسي من أصل تونسي إلياس بن شاذلي.

برز اسم إلياس بن شاذلي كرجل سياسة واقتصاد، لديه علاقات متداخلة وعميقة مع المسؤولين في ليبيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وحتى في الولايات المتحدة، وبالطبع هذه العلاقات مع صفقاته التي لا تتوقف ساهموا في أن يصبح تكوين ثروة ضخمة.

بدأ العمل كمستشار مالي في شركة Rothschild في عام 1995، وبعد عامين أصبح مستشارًا لشمال إفريقيا والشرق الأوسط في شركة Veolia Environmental Services في باريس، بعد عام واحد فقط أسس شركة Hamilton Energy & Technology Ltd.، وفي عام 2000، سجل قلب إمبراطوريته، LBC Consulting Ltd  في بلده الأم تونس، واستمر في توسيع مساحة أعماله: على مدار السنوات عمل كمحاسب في القنصلية العامة لفرنسا في دبي، كمستشار للحكومة الفرنسية، ثم كرئيس لدائرة الصداقة في اتحاد البحر الأبيض المتوسط.

عمل بن شاذلي لفترة مع قطب صناعة الحديد الهندي لاكشمي ميتال، وبفضله طور مجموعة واسعة من الاتصالات: الرئيس السابق لموريتانيا محمد ولد عبد العزيز يحاكم الآن بتهمة إساءة استخدام السلطة والفساد، بشير صالح، الرجل الاقتصادي في نظام الديكتاتور الليبي الراحل معمر القذافي.

وأثناء فترة رئاسة نيكولا ساركوزي، حافظ بن شاذلي على علاقات وثيقة مع وزير الداخلية، كلود غيان، ومع حليف ساركوزي رجل الأعمال نيكولاس بازير، وهما شخصيتان سياسيتان مثيرتان للجدل للغاية ومتورطان في العديد من الفضائح.

على مستوى الشرق الأوسط، ساهم بن شاذلي في تعزيز العلاقة الاقتصادية والعسكرية بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة. العلاقة الاستراتيجية بين البلدين ممتدة منذ عام 1977 حين أبرم الطرفان اتفاقية للتعاون العسكري بين البلدين، عُززت في التسعينيات، وفي عام 2007 تقرر إقامة وجود دائم لفرنسا مع افتتاح قاعدة عسكرية فرنسية في الإمارات افتتحت في مايو/أيار 2009، ولم يخف دور بن شاذلي في كل هذه الصفقات.

أشرف بن شاذلي على حملات تحسين صورة الإمارات في الغرب، أبرزهما حملة عام 2017 إذ ساعد في الترويج لمتحف اللوفر أبو ظبي الذي افتتح في ذلك العام.

وفي عام 2019 نظمت الإمارات حملة في فرنسا بعنوان “عام التسامح” التي تهدف إلى تحسين صورة الإمارات في أوروبا، أشرف عليها بن شاذلي الذي استعان بشركة JCDecaux SA بأموال حمد مبارك الشامسي وزير دولة ونائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي – ومتهم بجرائم قتل وتعذيب وإخفاء قسري لسجناء الرأي. استخدم الشامسي إلياس بن شاذلي ليكون وسيطًا بين البلدين.

بن شاذلي بين فرنسا والإمارات

لدى الإمارات علاقات وثيقة بعدة دول من خلال صفقات الأسلحة، على رأسهم فرنسا، وبالطبع يشرف بن شاذلي على إتمام هذه الصفقات.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، زار الرئيس إيمانويل ماكرون الإمارات وعاد بعد أن وعد بصفقة أسلحة بمليارات الدولارات تزود فرنسا بموجبها أبو ظبي بـ 80 طائرة من طراز رافال مقابل 16 مليار يورو و12 طائرة هليكوبتر من الطائرات التي بنتها شركة إيرباص – وهي شركة حُلت عام 2016 بسبب فضيحة لها في بريطانيا وفرنسا بتهمة الاحتيال والفساد ودفعها عمولات غير مشروعة بمئات الملايين من اليورو لبيع طائراتها في ليبيا.

قبل الصفقة، كانت الإمارات بالفعل خامس أكبر عميل لباريس: بين عامي 2011 و2020، أنفقت 4.7 مليار يورو على الأسلحة الفرنسية بالرغم من أن الحكومة الفرنسية تعلم جيدًا أن هذه الصفقات تضر بسكان البلد الخليجي، المحكومين من قبل ثيوقراطية استبدادية لا ترحم، أو تُستخدم في عمليات القتل في مصر أو ليبيا أو اليمن.

عام 2017، اكتشف المدعون دفع 8.8 مليون يورو من مصدر غامض عام 2009 من قبل شركة إيرباص لحساب في سنغافورة مملوك لشركة Caspian Corporation في هونغ كونغ ولحساب سويسري مملوك لبن شاذلي، يستخدم في الإنفاق على الطائرات الخاصة، والمجوهرات، إلخ من LBC Consulting وترتبط كلتا الشركتين بإلياس بن شاذلي، وقد وُقعت العقود في أكتوبر/تشرين الأول 2009 خلال زيارة قام بها ساركوزي إلى أستانة بفضل وساطة باتوخ تشودييف.

منحت شركات أخرى بن شاذلي تفويضًا للعمل كوسيط مبيعات أسلحة في المجموعة الذهبية الدولية IGG PJSC ومقرها أبو ظبي، أُنشأت عام 2002 من قبل فاضل الكعبي، الرئيس التنفيذي السابق لصندوق توازن الثروة السيادية لمحمد بن زايد آل نهيان ونائب رئيس أركان القوات المسلحة السابق محمد هلال الكعبي، وهذه الشركة متخصصة في تقديم حلول دفاعية وأمنية عالمية المستوى للقوات المسلحة الإماراتية ووزارة الداخلية والسلطات الأمنية الأخرى في جميع أنحاء الدولة.

مع بداية الحرب الليبية، دعمت كل من فرنسا والإمارات العربية المتحدة جيش خليفة حفتر الوطني الليبي ضد الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، وكان لشركة IGG دورًا محوريًا في تلك الحرب.

قامت IGG بتسليم طائرات بدون طيار صينية من طراز Wing Loong 2تحمل صواريخ Blue Arrow 7 إلى حفتر، استخدمت في عملية عام2019 أسفرت عن مقتل 26 طالبًا -غير مسلحين- من الأكاديمية العسكرية في طرابلس.

كما وجد تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية أدلة على أن مصر تسمح للإمارات باستخدام القواعد الجوية العسكرية المصرية بالقرب من الحدود الليبية، ووفقًا لـ Intelligence Online ، تعد IGG داعمًا رئيسيًا لحفتر وهي مسؤولة جزئيًا عن المشتريات، لا سيما الأسلحة الروسية، بما في ذلك دبابات T-72.

الأموال الخارجية

تتخصص IGG في شراكات مع شركات دفاع غربية مثل Thales في فرنسا و BAE Systems في المملكة المتحدة، و Paramount  في جنوب إفريقيا، وSelex في إيطاليا، و General Dynamics في الولايات المتحدة، ولكنها تشتري الأسلحة وتعيد بيعها عالميًا: في 2011، على سبيل المثال، دعمت قوات المتمردين في ليبيا بأسلحة صربية الصنع.

في عامي 2017 و 2018، اشترت IGG أسلحة من Krusic Valjevo ، التي لها علاقات بتاجر الأسلحة الصربي سلوبودان تيسيتش، والجدير بالذكر أن محمد دحلان مستشار محمد بن زايد متورط في هذه القضية.

بالإضافة إلى ذلك، لدى IGG شراكة مع Royal Group ، الشركة القابضة التابعة لمستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، وبدراسة الرابط الوحيد بين هذه الشبكة سنجد أنه إلياس بن شاذلي.

لا ينتهي الأمر هنا: إلياس بن شاذلي، بصفته المدير العام لشركة Udaïpur FZE ، ومقرها في الملاذ الضريبي في رأس الخيمة، دبي، كان يمثل في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2020 وفبراير/شباط 2022، مصالح شركة الدفاع الحكومية البلغارية عند حكومة الإمارات.

في عام 2020، كشفت مصادر أن Udaïpur  كانت تبيع الألغام البلغارية المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للدبابات ATGM Red Arrows من سريلانكا إلى IGG.

قبل ذلك بعامين، في عام 2018، حصل بن شاذلي على إذن لتمثيل Excalibur Army spol sro Prague ، وهي شركة تشيكية رائدة في قطاع المركبات والأسلحة والمعدات العسكرية عند حكومة الإمارات.

نص العقد على بيع قنابل يدوية من طراز F1 و43 BMP-2 ومركبات قتال مشاة سوفيتية 150 T-72 ودبابات سوفيتية للسلطات الحكومية، وجميع الصفقات تمت تحت إشراف IGG  في نفس العام.

استخدمت شركة أخرى في براغ، وهي Czech Defense System AS ، بن شاذلي لبيع 100 سلاح DshK 12.7×108 ملم مدافع رشاشة سوفيتية ثقيلة للمشاة مقابل 15.5 مليون دولار.

تم تقديم العرض إلى IGG في عام 2017، لدى إلياس بن شاذلي معرفة عميقة بالملاذات البحرية، ولمدة عشر سنوات، استخدم خدمات Mossack y Fonseca لإدارة شركاته من خلال شركته التونسية LBC Consulting Ltd   في جزيرة ساموا Jaipur Holding Ltd، في جزر فيرجن البريطانية، في بنماTalyo Technologies SA، في سيشيل Eurasian Investments Ltd وفي هونغ كونغ.

من خلال هذه الشركات، أدار إلياس بن شاذلي أيضًا الحسابات المصرفية السرية، وخاصة في البنوك السويسرية، الضرورية لأعماله، وعلى الرغم من السرية التي تضمنها البنوك، يخضع بن شاذلي للتحقيق للاشتباه في تواطؤه في التهريب بين تونس وبنما وجزر فيرجن البريطانية.

عندما كُشفت هذه الفضيحة، ظهرت أسماء شخصيات مختلفة مرتبطة بالسياسة والإعلام والاقتصاد بما في ذلك والدة بن شاذلي، ليلى الزعنون، ورغم التحقيقات التي فُتحت لم يتعرض أي من المتورطين لعقوبات، لذلك يواصل إلياس بن شاذلي عمله كرجل بارز في حملات الدعاية للأنظمة الديكتاتورية دون خوف من مساءلة أو محاسبة، بل يكثف من جهوده في بروكسل وفي العواصم الغربية المختلفة من أجل تنفيذ أجندة الإمارات، ويمارس حياته بحرية تامة دون أي ملاحقات.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا