في الوقت الذي تحاول بعض دول العالم اتخاذ مواقف مضادة من إسرائيل بسبب قمعها الفلسطينيين، الإمارات ودول عربية أخرى يقومون بتوطيد العلاقات معها
خلفية
تحاول دولة الإمارات العربية المتحدة توطيد علاقتها مع إسرائيل ولكن بهدوء وسرية؛ لتجنب الإدانة العلنية من المواطنين الإماراتيين الداعمين للقضية الفلسطينية، ومع ذلك، بدأت البلاد مؤخراً في محاولات لإقناع شعبها بالتطبيع مع إسرائيل، رغم مرور نحو 70عاماً على الاحتلال والقمع الإسرائيلي للشعب الفلسطيني.
اتجاه معاكس
في الوقت الذي تبدأ فيه دول من أوروبا وأمريكا اللاتينية بالابتعاد عن إسرائيل واتخاذ مواقف مضادة منها بسب القمع المستمر الواقع على الشعب الفلسطيني، تقوم الإمارات وعدد من دول الخليج الأخرى بالتحرك في اتجاه معاكس لتوطيد العلاقة مع إسرائيل.
خلال الأشهر الأخيرة، ووفقاً لمسؤولين أمريكيين، عقدت الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل اجتماعات سرية رتبتها الولايات المتحدة، حيث كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن براين هوك، المبعوث الأمريكي الخاص لإيران، قام بترتيب تلك الاجتماعات، التي وصفتها الصحيفة بأنها أحدث علامة على حدوث ذوبان مستمر بين إسرائيل ودول الخليج العربية والناتج عن لكراهية المشتركة لإيران.
ومن جانبه أعرب “هوك” في الصحافة الأجنبية في نيويورك الشهر الماضي عن سعادته للتقارب الإماراتي/الإسرائيلي الذي تزايد مؤخراً، حيث قال “إذا كان هناك شيء واحد لطيف يمكنني قوله عن السياسة الخارجية لإيران فهو أنها جمعت بين العرب والإسرائيليين بطرق لم نفكر فيها قط“.
وتزايدت وتيرة تلك الاجتماعات بعد مؤتمر توسطت فيه الولايات المتحدة حول أمن الشرق الأوسط في وارسو في فبراير/شباط الماضي.
وكرئيس لمجموعة العمل الإيراني في وزارة الخارجية الأمريكية، ركز هوك على جمع الدول معًا لتنسيق مجموعة واسعة من الأنشطة التي من شأنها مواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، على حد قوله.
تزايد فرص التقارب
الشريكان الجدد -الإمارات وإسرائيل- لهما تاريخ طويل من التقارب، حتى ولو لم يكن بهذه القوة، ففي عام 2015، أنشأت إسرائيل مكتباً رسمياً في الإمارات لتمثيل مصالحها في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، والتي يوجد مقرها في أبو ظبي.
وكانت وزارة الخارجية الإماراتية آنذاك قد أكدت أن وجود المكتب لا يمثل تغييراً في السياسة الإماراتية تجاه إسرائيل، والتي لا تزال الدولة العربية ترفض الاعتراف بها.
لكن في 2017، شارك طيارون من الإمارات في مناورة عسكرية مشتركة مع القوات الجوية لليونان وإيطاليا والولايات المتحدة وإسرائيل.
كما قامت الإمارات بإبرام صفقات تجارية مع العديد من الشركات الإسرائيلية، حيث قامت بعقد صفقة بقيمة800 مليون دولار مع شركة AGT، وهي شركة مملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوتشافي ومقرها سويسرا، لتوفير نظام أمن للمراقبة الشاملة لحماية البنية التحتية الاستراتيجية وحقول النفط في الإمارات.
ووفقاً لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل“، قام سلطان أحمد بن سليم- الرئيس التنفيذي لشركة دبي بورت وورلد، بزيارة إسرائيل في سبتمبر/أيلول 2018 لتعزيز العلاقات التجارية معها، حيث ترتبط موانئ دبي العالمية بعلاقة طويلة الأمد مع شركة الشحن الإسرائيليةZim.
كذلك في العام الماضي، تم السماح للإسرائيليين المشاركين في بطولة الجودو في أبو ظبي برفع علمهم لأول مرة، حيث سمح المسؤولون الإماراتيون بعزف النشيد الوطني الإسرائيلي، وهو الأمر الذي دفع وزير الثقافة والرياضة ميري ريجيف إلى البكاء، ومن الجدير بالذكر أنه تم أخذ ريجيف لاحقاً في جولة في مسجد الشيخ زايد الكبير.
وقبل شهرين، قام وزير الخارجية الإسرائيلي “إسرائيل كاتز” بزيارة إلى أبو ظبي لحضور مؤتمر للأمم المتحدة حول تغير المناخ ومناقشة التهديد الإيراني مع نظرائه الإماراتيين، وبعد تلك الزيارة، قال وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش إن الحوار مع إسرائيل كان خطوة إيجابية إلى الأمام، واصفاً مقاطعة العالم العربي لإسرائيل على مدار السنوات الطويلة الماضية بأنها “قرار خاطئ للغاية”.
الإمارات تفضل الإسرائيليين على الفلسطينيين
يعتقد المحللون أن الإماراتيين اختاروا هذه الدبلوماسية السرية مع إسرائيل لتجنب هذا النوع من الإدانة الذي سيثيره الاعتراف الرسمي بها، كما جاء في تحليلات المحلل محمد محمد، المدير التنفيذي لصندوق القدس ومركز فلسطين ومقره واشنطن، حيث قال “يُعتقد أن هذه العلاقات السرية مع إسرائيل قد تمت بمساعدة محمد دحلان، مستشار الأمن لولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، وبالنظر إلى أن وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغادور ليبرمان صرح بأنه يفضل دحلان كخليفة لمحمود عباس، فمن المحتمل جدًا أن يكون دحلان هو بالفعل الرابط الرئيسي بين الإمارات وإسرائيل “.
وتابع تصريحاته واصفاً دحلان بأنه شخصية “مظللة” في السياسة الفلسطينية متهمة بالفساد المالي المتفشي وبالتعاون مع إسرائيل.
وأضاف محمد في تصريحاته إنه “حتى الآن لا زالت الإمارات تتعامل مع إسرائيل بهدوء وسرية لتفادي المواجهة مع شعبها، الذي دعم تاريخياً القضية الفلسطينية، ومع هذا تشير الدولة الخليجية -في إشارة للإمارات- بشكل متزايد إلى التعامل بصورة طبيعية مع إسرائيل بغض النظر عن إساءة معاملة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عقود”.
التقارب الإقليمي وصفقة القرن
يبدو أن الاجتماع السري الذي نظمته الولايات المتحدة الشهر الماضي يمهد الطريق أمام الإمارات ودول الخليج الأخرى، السعودية والبحرين ، للترويج لما يسمى بصفقة القرن الذي قال عنها ترامب بأنه سيتم الكشف عنها بعد الانتخابات الإسرائيلية المقامة هذا الشهر.
صرح المفاوض الأمريكي المخضرم آرون ديفيد ميلر لصحيفة “وول ستريت جورنال” بأن التغيرات الإقليمية الأخيرة قد زادت المخاوف المشتركة بشأن إيران، ليصبح عداء إيران حافزاً لتعاون عميق بين إسرائيل والدول العربية التي لا تعترف رسمياً بإسرائيل كدولة، حيث قال “هذا يحدث بسبب التغيرات الإقليمية الكبيرة والعميقة التي غيرت حسابات الدول العربية”.
من ناحية أخرى يخشى الفلسطينيون أن يحاول الرئيس ترامب جذب الدعم من الإمارات والسعودية والبحرين للضغط عليهم -أي الفلسطينيين- لقبول خطة “سلام“ لا ترقى إلى مستوى مطالبهم، خاصة بعد المحادثات والمفاوضات التي تجري مؤخراً، على سبيل المثال، يتباهى الدكتور مايك إيفانز- والذي يصف نفسه بالصهيوني الأمريكي المسيحي، وهو أحد أعضاء المجلس الاستشاري الإنجيلي التنفيذي الخاص بترامب- بقضاء ساعات في مناقشة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع أمراء الإمارات والسعودية، كما وصف إيفانز في المؤتمر السنوي الثامن لجيروساليم بوست في يونيو/حزيران الماضي بعض القادة العرب بأنهم “أكثر تأييداً لإسرائيل من اليهود أنفسهم”.
وهكذا، يبدو أن تطبيع العلاقات مع إسرائيل في المستقبل هو الطريق الذي تسلكه الإمارات الآن.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا