تواصل إيران مساعيها الرامية إلى زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، خاصة في العراق المجاور، حيث تسعى طهران إلى تدمير الديمقراطية الفتية التي تحاول أن تجد لها مكاناً في العراق، وذلك بتمويل ميليشيا إرهابية لطالما ارتكبت في العراق جرائم ضد الإنسانية على مدار السنوات الماضية.

هشام الهاشمي وقوات الحشد الشعبي

كان هشام الهاشمي متخصصًا في الجماعات المتطرفة المقاتلة – وخصوصاً تنظيم الدولة (داعش)، الذي لم يعرف أحداً خباياه وأساليبه مثل الهاشمي.

هشام الهاشمي كان ضيفاً دائماً في البرامج التليفزيونية السياسية، لآرائه وتحليلاته التي كانت تلقى اهتماماً واسعاً من قبل مؤسسات الفكر الدولية والجهات الرسمية كذلك، حتى أنه أصبح مستشارا للحكومة العراقية، ثم لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الذي تولى منصبه قبل شهرين فقط، إلا أنه تعرض للاغتيال قبل أسابيع قليلة، ويُرجح أن الاغتيال تمت من قبل المليشيات الشيعية في قوات الحشد الشعبي.

عملية قتل الهاشمي تسلط الضوء على أهم قضيتين في العراق حتى يومنا هذا: أولاً، على الرغم من جميع الجهود الدولية، لا تزال الديمقراطية الفتية متقلبة للغاية.

وثانياً، على الرغم من جميع قضاياها الداخلية، تسعى إيران إلى إذاعة الفوضى في المنطقة مع مواصلة دعم الإرهابيين لتنفيذ أجندتها الخبيثة.

من ينتقد إيران يحكم على نفسه بالموت

في الفترة الأخيرة، وقبل مقتله، جعل الهاشمي الميليشيا التي تقودها طهران موضوع دراسته، وانتقد -علانية- دورها في السياسة العراقية وتدخلاتها التي تؤثر سلباً على مسار الديموقراطية في البلاد، ما تسبب في تلقيه تهديدات بالقتل، نُفذت في 06 يوليو/تموز المنصرم.

تم تأسيس ميليشيات الحشد الشعبي عام 2014 تلبية لدعوة آية الله السيستاني، وكانت تهدف في البداية إلى العمل كقوة طوارئ مؤقتة، حيث كان الهدف الأساسي من إنشائها منع داعش من التقدم في بغداد، ومع الوقت، أصبحت الذراع الممتدة لطهران في العراق، حيث تبنت إيران تمويلها.

أعلنت الحكومة العراقية انتصارها على داعش قبل ثلاث سنوات، ومع ذلك، استمرت قوات الحشد الشعبي في العمل معلنة أنها لا تخضع للدولة العراقية.

علاوة على ذلك، تابعت تلك القوات الإرهابية العمل على تنفيذ أجندتهم السياسية، التابعة بشكل أو بآخر لأجندة إيران، حيث يقومون باطلاق الصواريخ على المنشآت الأمريكية في العراق ويهاجمون المتظاهرين الذين يحتجون على النخبة السياسية الفاسدة في البلاد.

استهداف حزب الله أودى بحياة الكاظمي

شن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مؤخراً حملة اعتقالات واسعة في صفوف كتائب حزب الله، طالت حتى الآن 14 عضواً من التنظيم، وهي حملة وصفها المحللون والخبراء بأنها كانت حداثة شجاعة في التعامل مع الارتباط الراديكالي.

وبحسب التحليلات، فإنه من المرجح أن الهاشمي دفع حياته ثمناً لهذه الحملة، باعتباره مستشاراً لرئيس الوزراء، كما يمكن تخمين أن قتله كان بمثابة رسالة لعدم التدخل في شؤون “الإرهابيين”.

سقط الهاشمي ضحية للصراع الدائر على السلطة بين الدولة العراقية والميليشيات التي تسيطر عليها إيران، وهو صراع استمر بشكل غير عادي لمدة ثلاث سنوات، ويغذيه الآن التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

خطورة حزب الله في تصاعد

مؤخراً، أعلنت كتائب حزب الله مسؤوليتها عن محاولة هجوم على السفارة الأمريكية، لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها استهداف السفارة الأمريكية وغيرها من المؤسسات الأمريكية في العراق، حيث وقعت 32 هجمة على الأقل منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أبرزهم الهجوم الذي وقع في 29 ديسمبر/كانون الأول والذي استهدف قاعدة عسكرية عراقية بالقرب من كركوك.

وكرد فعل انتقامي من الولايات المتحدة، قصف البنتاجون قواعد كتائب حزب الله وقتل عددًا من مقاتليهم، وبعد ذلك بيومين، حاول إرهابيون، متنكرين في زي مدنيين، اقتحام الوكالة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد.

مقتل سليماني لم يوقف توغل الحشد الشعبي

كان التدخل الإيراني في العراق أول ما لفت انتباه العالم عندما أصابت طائرة أمريكية بدون طيار سيارة نائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في مطار بغداد في 3 يناير/كانون الثاني 2020، وقد نتج عن هذا الهجوم مقتل المهندس والجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس من الحرس الثوري الإيراني، وكان سليماني هو أهم رجال إيران والمسؤول عن تنفيذ سياسة إيران الخارجية عسكريا، كما كان صاحب جهود جبارة لزعزعة الاستقرار في العراق وسوريا.

مقتل الزعيمين المعروفين لم يغير توزيع السلطة في العراق، بل استمرت الميليشيات الشيعية في التصرف كدولة داخل الدولة، والحفاظ على مجموعة من الجيش والشركات والممثلين السياسيين المؤثرين.

إلى أي مدى يمكن أن يوقف الكاظمي توغل الميليشيات الشيعية؟

لا يزال من غير المؤكد ما إذا كان رئيس الوزراء الجديد الكاظمي يمكنه القضاء على الإرهابيين أو على الأقل السيطرة على الوضع.

ما يمنح بعض الأمل هو أن الكاظمي نجح في إدخال مرشحيه لوزارة الدفاع ووزارة الداخلية في حكومته – على وجه الخصوص، حيث جعل عثمان الغانمي رئيس الأركان السابق للجيش العراقي – في وزارة الداخلية، وهي خطوة ذكية في القتال ضد الإرهابيين المدعومين من إيران.

ومع ذلك، على الرغم من التقدم المحرز في مقاومة النفوذ الإيراني العنيف في العراق، فإن وفاة الهاشمي قد تكون تحذيرًا شديد اللهجة لرئيس الوزراء، كما أنها دليل على استمرار أعمال إيران المزعزعة للاستقرار ووأد الديمقراطية العراقية الشابة.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضًا: واشنطن بوست: بعد اتفاق أمريكا وإيران .. هل يوافق العراقيون على الكاظمي؟