كتب- باسم الشجاعي:

في توغل جديد لدولة الإمارات العربية المتحدة في الاقتصاد المصري، وقعت حكومة الدكتور “مصطفى مدبولي” على الاتفاق النهائي لشراء شركة “مبادلة” الإماراتية 10% من حصة شركة “إيني” الإيطالية، في منطقة امتياز شروق البحرية (شمالي البلاد).

وشركة مبادلة الإماراتية للبترول، التابعة لشركة مبادلة للاستثمار المملوكة لحكومة أبوظبي، إحدى شركات استكشاف وتنمية وإنتاج البترول والغاز، وهذه هي المرة الأولى التي تستثمر فيها بمصر.

وقالت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، في بيان لها مساء “الأربعاء” 20 يونيو: إنَّ “قيمة الصفقة تقدر بنحو 934 مليون دولار، إضافة إلى منحة توقيع بقيمة 94 مليون دولار”.

وقع وزير البترول والثروة المعدنية المصري، “طارق الملا”، على الاتفاق النهائي مع كل من شركات إيني الإيطالية، ومبادلة الإماراتية للبترول، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس”.

و”إيني” الإيطالية، هي المالك الأصلي لمنطقة امتياز شروق؛ إذ أصبحت تمتلك حاليًا 50%، مقابل 10% لشركة بي بي البريطانية و30% لشركة روسنفت الروسية و10% لشركة مبادلة الإماراتية.

وكانت أعلنت “إيني” في أغسطس 2015، عن اكتشاف حقل “ظهر” في امتياز شروق بعد توقيعها اتفاقية في يناير 2014 مع وزارة البترول المصرية، والشركة القابضة للغازات “إيجاس”، بينما بدأ الإنتاج نهاية 2017.

ويضمّ حقل ظهر احتياطيات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وتوقعت تقارير حكومية أن يساهم في مساعدة مصر على تجاوز النقص الحاد في إمدادات الطاقة ويوفر على البلاد مليارات الدولارات من العملة الصعبة التي كانت ستنفقها على الاستيراد.

ولكن لماذا قررت “إيني” الإيطالية بيع حصصًا جديدة في حقل غاز ظهر المصري؟ وما الأسباب الحقيقية وراء ذلك؟ وهل البيع جاء بناءً على ضغوط مصرية مارستها لصالح الإمارات؟ وهل خاطرت الإمارات بالاستثمار في حقل ظهر؟

توسع لـ”إمبراطورية الإمارات”

لا شكَّ أن دولة الإمارات تسعى لاستثمار النفوذ السياسي الذي تحقق لها داخل مصر، بعد تنصيب “عبد الفتاح السيسي” رئيسًا لمصر الذي انقلب على الرئيس “الأسبق”، “محمد مرسي”، عبر بوابة الاستحواذ على كبرى القطاعات الاقتصادية وعلى رأسها “البترول”، والحصول على تسهيلات “كبيرة”، في مناطق كانت محظورة على المستثمر الأجنبي لاعتبارات تتعلق “بالأمن القومي”.

وخلال السنوات الخمس الماضية التي أعقبت الانقلاب العسكري، في صيف 2013، توسعت أنشطة شركة إمارات مصر البترولية؛ حيث دخلت الشركة الإماراتية في شراكة مع شركة مصر للبترول التي تتبع الهيئة العامة للبترول في مشروع “أمصرجيت” لتموين الطائرات بمطار برج العرب الدولي منذ عام 2014، والذي يضمّ أنابيب ومستودعات وتشغيل وإدارة محطة لتموين الطائرات باستثمارات أكثر من 50 مليون جنيه.

ويمتد تعاون الشركة الإماراتية من مشروعات تموين الطائرات إلى العمل في 12 مطارًا إقليميًا بمصر من خلال اتفاقية تجارية بين الجانبين، بجانب إبرام اتفاقية مع شركة “أكسون موبيل” العالمية لخدمات تموين الطائرات في مطار القاهرة الدولي.

وأتمت شركة دانا غاز الإماراتية اتفاقية مع الهيئة العامة للبترول المصرية في 22 ديسمبر  2013،  يقتضي ضخّ استثمارات بمنطقة شمال العريش البحرية بالبحر المتوسط يصل حدها الأدنى 5.71 مليون دولار، والذي يشمل حفر ثلاث آبار جديدة، حصلت الشركة الإماراتية بموجب هذه الاتفاقية على 20 مليون دولار خلال توقيع العقود، ولكن مازالت الحكومة المصرية مديونة لها بمبالغ كبيرة، وكانت سددت مصر 40 مليون دولار مؤخرًا من أصل 265 مليون دولار.

وبحسب تقرير مكتب التمثيل التجاري بدولة الإمارات- صادر مطلع العام الجاري (2018)- فإنّ حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر بلغ نحو 14 مليار دولار، وترتبط البلدان باتفاقيات تصل إلى أكثر من ‏18‏ اتفاقية مشتركة تنظم العلاقات الاقتصادية.

بسط نفوذ عبر الطاقة

ويبدو أنَّ النفوذ السياسي ليس ببعيد عن التحرك الإماراتي تجاه الغاز المصر؛ حيث يشكّك المحللون، في الجدوى الاقتصادية من دخول الإمارات للاستثمار في حقل “ظهر”، خاصة كونه موجهًا إلى السوق المحلية المصرية أكثر منه للتصدير.

ما يعني أنه سيتم بيع الغاز بأسعار السوق المحلية المصرية، فمن باب المخاطرة أن تضخّ الإمارات استثمارات كبيرة في تطوير الحقل، ثم يتعذر عليها تصدير حصتها من الغاز.

خاصة مع استمرار الأزمة السياسية بين دول الخليج وقطر التي تعتبر أكبر مصدر ومورد رئيسي للغاز المسال يوميًا عبر الأنابيب للإمارات وعُمان، أكبر مستهلكين للوقود في المنطقة، مما يدفعهم للبحث عن مصدر آخر لاحتياجاتهم من الغاز.

وتعتمد الإمارات بشكل أساسي على قطر فى إمدادها بالغاز؛ حيث يربط خط “دولفين” لأنابيب الغاز حقل الشمال القطرى الضخم بدولة الإمارات وسلطنة عمان، ويضخّ نحو ملياري قدم مكعبة من الغاز يوميًا لدولة الإمارات.

ويؤمن خط الأنابيب هذا ثلث احتياجات دولة الإمارات العربية المتحدة من الغاز، ويشار إلى أن قطر أول مصدِّر للغاز الطبيعى المسال فى العالم، وتؤمن بحسب الوكالة الدولية للطاقة، قرابة ثلث الإمدادات العالمية إلى آسيا وأوروبا بشكل خاص.

ما يؤكد أن استثمارات الإمارات في  حقل ظهر غير ذي جدوى اقتصادية؛ حيث إن مصر تحولت في السنوات الماضية من مصدّر للغاز الطبيعي إلى مستورد في ظل زيادة احتياجاتها الداخلية والانفجار السكاني الذي تعيشه وتجاوز عدد سكانها حاجز الـ 100 مليون نسمة.

وتنتج مصر نحو 5.2 مليار قدم مكعب من الغاز يوميًا، ويتم استخدام نحو 300 مليون قدم مكعب يوميًا داخل الحقول لتشغيل معدات الاستخراج، بينما يتم توجيه المتبقي من الإنتاج إلى السوق المحلية، وفقًا لبيانات سابقة صادرة عن وزارة البترول.

تستهلك مصر حاليًا نحو 6 مليارات قدم مكعبة من الغاز يوميًا، 70% منها تستهلكه محطات توليد الكهرباء، والباقي للمنازل (أنابيب البوتاجاز) والسيارات العاملة بالغاز، وبعض المصانع.

ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل الحقل بطاقة إنتاجية قدرها مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز، ليصل الإنتاج بعد حفر واستكمال الـ14 بئرًا الأخرى إلى 2.7 مليار قدم مكعب يوميًا، في نهاية 2019، أي أن إنتاج مصر اليومي، بعد وصول “ظهر” لطاقته الإنتاجية القصوى سيصل إلى ما يقارب 8 مليارات قدم مكعب يوميًا.

ونظريًا، سيمكن المشروع مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي؛ لأنه سيعوض الـ800 مليون قدم مكعبة التي تستوردها مصر وأكثر، مع افتراض ثبات الطلب (وهي فرضية غير واقعية).

ما يعني أن المتبقي من الحقل بعد اكتفاء مصر منه– بحسب الحسابات المبنية على البيانات الإعلامية المنشورة خلال الآونة الأخيرة- حوالي 2 مليار قدم مكعب يوميًا، وهذا رقم ليس كبير، وستكون حصة شركة “إيني” الإيطالية، 50%، مقابل 10% لشركة بي بي البريطانية و30% لشركة روسنفت الروسية و10% لشركة مبادلة الإماراتية.

هل دفعت مصر الإمارات للاستثمار في حقل ظهر؟

ثمة سبب آخر وراء مشاركة الإمارات عبر شركتها الحكومية التي تستثمر في مصر لأول مرة، وهو أن تكون الحكومة المصرية طلبت من شركة “ايني” دخول أبوظبي للاستثمار في حقل ظهر.

وذلك مقابل أن تدعم الإمارات مصر بشكل أو بآخر لدى شركة دانا؛ حيث تعاني الحكومة المصرية من تراكم الديون والتي بلغت حتى نهاية الربع الأول من العام الجارينحو 265 مليون دولار بنهاية عام 2016 – دون احستاب فؤاد الدين المنصوص عليها في العقد والتي هي غير معلومة لنا-، سدد منهم 40 مليون دولار فقط؛ حيث كانت هددت الشركة بوقف استثمارتها في مصر وهو ما يؤثر سلبًا على الاقتصاد المصري المتعثر من الأساس.