في تصعيد خطير ينذر بتوسيع رقعة الحرب الإسرائيلية إلى ما هو أبعد من الجنوب اللبناني، استشهد القيادي في “قوات الفجر”، الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان، حسين عطوي، إثر غارة جوية نفذتها طائرة مسيّرة إسرائيلية على مركبته في بلدة بعورتا الواقعة جنوب العاصمة بيروت، قرب منطقة الناعمة.
بحسب ما أوردته مصادر أمنية لبنانية ووسائل إعلام محلية، فإن الغارة استهدفت سيارة عطوي بصاروخ دقيق الإصابة أدى إلى تدميرها واشتعال النيران فيها، وقد حاولت سيارات الإسعاف والجيش اللبناني السيطرة على الحريق، دون جدوى في إنقاذ حياة القيادي المقاوم.
الدفاع المدني اللبناني أكد مقتل شخص واحد في الغارة، تبيّن لاحقًا أنه عطوي، الشخصية البارزة في العمل المقاوم والإسلامي بلبنان.
اللافت في هذا الاغتيال، أنه وقع في جبل لبنان، وهي منطقة لم تتعرض سابقًا لأي استهداف مباشر منذ بدء اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
هذا التوسيع الجغرافي لنطاق عمليات الاحتلال يُعدّ خرقًا صريحًا للهدنة المعلنة، ويؤشر على عودة تل أبيب إلى سياسة “الذراع الطويلة” لاصطياد خصومها خارج ميدان المعركة التقليدي.
رجل المقاومة والعلم.. من قاعة المحاضرات إلى خنادق المواجهة
الشهيد حسين عطوي لم يكن مجرّد عنصر عسكري في تشكيل مقاوم، بل كان وجهًا جامعًا بين الفكر والسلاح، الأكاديمية والميدان.
عمل أستاذًا في الجامعة اللبنانية وكلية الدعوة الإسلامية، وقد عرفته الأوساط الطلابية كأستاذ صاحب خطاب تعبويّ وعقائدي، يؤمن بقضية الأمة ويحضّ على العمل المقاوم انطلاقًا من الواجب الديني والوطني.
ورغم كونه أكاديميًا، لم يتردد عطوي في المشاركة بنفسه بإطلاق صواريخ على الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما أدى إلى توقيفه عام 2014 من قبل السلطات اللبنانية التي حاولت، في تلك المرحلة، كبح جماح أي تصعيد مقاوم انطلاقًا من الأراضي اللبنانية.
لكن عطوي ظلّ متمسكًا بخطّه الجهادي، وظلّ ضمن دوائر الفعل الميداني، حيث أكدت تقارير إسرائيلية ولبنانية أنه شارك في تنسيق عمليات إطلاق صواريخ بالتعاون مع حزب الله، خاصة خلال التصعيد الأخير.
رسالة عطوي الأخيرة على صفحته الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي كانت بمثابة وصية روحية، حين كتب:
“لا تيأسوا، أمتنا نقاط قوتها كبيرة، وعدونا نقاط ضعفه كثيرة، لا تنسوا أن قوة الله فوق كل قوة. الهجرة إلى القدس. نصر من الله وفتح قريب”.
كلمات تلخص إيمانه الراسخ بعدالة القضية، ورفضه للخنوع، ومثابرته على درب النضال حتى اللحظة الأخيرة.
سياسة الاغتيال.. منهج جبان في استراتيجية الاحتلال
الاحتلال الإسرائيلي، وفي خضم عجزه عن تحقيق نصر حاسم في الميدان، عاد ليفعّل أحد أكثر أدواته دناءة: سياسة الاغتيال. وهذه السياسة ليست بالجديدة، بل هي ركيزة من ركائز “العقيدة الأمنية” الصهيونية التي ترتكز على ضرب القيادات النوعية للمقاومة، بهدف إرباك بنيتها وإضعاف حيويتها التنظيمية.
لكن التجربة على الأرض أثبتت عقم هذه السياسة في تحقيق الأهداف بعيدة المدى، بل إنها كثيرًا ما أدّت إلى نتائج عكسية، من حيث تعزيز الشعور الجماهيري بالثأر، وخلق موجات جديدة من التعاطف والانضمام إلى فصائل المقاومة.
الجماعة الإسلامية في لبنان، وفي بيانها عقب استشهاد عطوي، أدانت “جريمة الاغتيال” وحمّلت الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن تبعاتها، معتبرة أن دماء القائد الشهيد ستزيد من عزيمة المقاومين على المضي في الطريق ذاته.
من جهة أخرى، يتساءل المتابعون عن دوافع اختيار منطقة جبل لبنان لتنفيذ العملية، إذ يحمل ذلك دلالات أمنية حساسة، مفادها أن الاحتلال يوسّع بنك أهدافه ليشمل أماكن يعتبرها اللبنانيون “خارج الحسابات الحربية”، وهو ما يمكن أن يفتح الباب أمام تصعيد شامل لا يرغب به أحد، في ظل هشاشة التوازنات الإقليمية.
وإذا كانت إسرائيل ترى في هذا النوع من الاغتيالات أداة لحفظ هيبتها، فإنها – في الواقع – تكرّس صورتها كقوة احتلال تمارس الإرهاب المنظّم، وتستبيح السيادة اللبنانية كما تشاء، مستغلة صمتًا دوليًا فاضحًا، وتواطؤًا أمريكيًا موثّقًا في كل مراحل العدوان على لبنان وفلسطين.
منارة سقطت ولكن الطريق لم يُغلق
استشهاد حسين عطوي لا يُعدّ نهاية، بل محطة من محطات المسير الطويل نحو تحرير الأرض وردّ الاعتبار. إنه واحد من أولئك الذين جمعوا بين الكلمة والطلقة، بين الجامعة والمتراس، بين الدعوة والمقاومة.
ورغم محاولة الاحتلال اغتيال “الرمز”، إلا أن الفكرة لا تُغتال. وما دام هناك من يؤمن بأن طريق القدس لا يُسلك إلا على جسور من الشهداء، فإن تكرار عمليات الاغتيال لن يزيد الشعوب المقاومة إلا تمسكًا بثوابتها وحقها في الرد والمواجهة.
اقرأ أيضًا : عنجهية الاحتلال.. حكومة نتنياهو تهدد فرنسا حال اعترفت بدولة فلسطينية
اضف تعليقا