في جريمة اغتيال جديدة تضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الحافل باستهداف القيادات الفلسطينية، استشهد المتحدث باسم حركة “حماس”، الدكتور عبد اللطيف القانوع، إثر قصف مباشر استهدف خيمته في مخيم إيواء للنازحين في منطقة “أرض حلاوة” بمخيم جباليا شمال قطاع غزة.

العملية التي وصفت بأنها “دقيقة ومتعمدة” أسفرت أيضًا عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى، في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال تصعيدها العسكري في القطاع بلا هوادة، ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل مأساوي.

القانوع، البالغ من العمر 43 عامًا، لم يكن مجرد ناطق باسم الحركة، بل كان أحد أعمدة العمل الدعوي والإعلامي داخل حماس، إذ قاد الحملات الدعوية منذ سنوات شبابه، وبرز كوجه إعلامي مثقف وخطيب مؤثر في الحشد والتعبئة الجماهيرية. 

مسيرته الأكاديمية التي توجها بالحصول على درجة الدكتوراه في الإعلام والدعوة، ومسؤولياته التنظيمية داخل الحركة، جعلت منه أحد الأهداف النوعية بالنسبة للآلة الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية، التي لم تتوانَ عن استهداف حتى من لجأ إلى خيمة نزوح بعد أن هُدم بيته.

اغتيال الرموز: استراتيجية إسرائيلية لكسر العمود الفقري للمقاومة

تأتي عملية اغتيال القانوع ضمن سلسلة طويلة من الاغتيالات التي نفذها جيش الاحتلال بحق كوادر حركة حماس، ولا سيما منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في 18 مارس/آذار الجاري.

فقد اغتالت إسرائيل خلال أسبوع واحد خمسة من أعضاء المكتب السياسي للحركة، من بينهم القيادي صلاح البردويل، وسامي برهوم الذي استهدُف بينما كان يتلقى العلاج في المستشفى. كل ذلك يعكس سياسة ممنهجة تقوم على ضرب “الرموز” لتقويض بنية المقاومة وخلخلة معنويات قواعدها الشعبية.

وتكشف هذه السياسة الإسرائيلية عن تحول في قواعد الاشتباك؛ فبعدما كانت إسرائيل تتذرع بأنها تستهدف “مواقع إطلاق صواريخ” أو “بنى تحتية عسكرية”، باتت الآن تصفي قيادات سياسية وإعلامية وحتى أكاديمية في أماكن مدنية مكشوفة، كمخيمات النزوح والمستشفيات، في خرق فاضح للقانون الدولي الإنساني.

واللافت أن اغتيال القانوع تم في خيمة إيواء وسط نازحين، ما يؤكد أن الاحتلال بات يتعمد توجيه رسائل دموية مفادها أن “لا أحد في مأمن”، لا قادة، ولا مدنيين، ولا حتى أطفال.

لماذا يخاف الاحتلال من القانوع؟

القانوع لم يكن من قادة العمل العسكري، بل شخصية دعوية وإعلامية، لكن رمزيته داخل الحركة ودوره التعبوي جعل منه هدفًا ثمينًا في نظر الاحتلال.

فمنذ ترؤسه للكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بغزة، وصولًا إلى عمله كمدير لمكتب إعلام الحركة شمال القطاع، كان القانوع حاضرًا في المشهد الإعلامي كمؤطر وموضح لرؤية المقاومة، لا سيما في اللحظات الحرجة التي تمر بها غزة.

غياب القانوع عن المشهد الإعلامي خلال الأشهر الأولى من الحرب، ثم عودته للظهور بعد سريان التهدئة في يناير، ربما كانت له دلالات أمنية، إلا أن عودته أثارت حفيظة الاحتلال الذي راقب نشاطه الأخير عن كثب. وقد يكون ظهوره الأخير كافيًا لإعادة إدراجه ضمن قائمة الأهداف العاجلة التي يجب تصفيتها، خاصة وأن الاحتلال يرى أن الحروب لا تُكسب فقط بالصواريخ، بل بكسر الروح المعنوية للشعب الفلسطيني. وأمثال القانوع هم ممن يرفعون تلك الروح، ويعيدون ترميم الجبهة الداخلية بالموقف والكلمة والصمود.

وفي هذا السياق، يُفهم هذا الاغتيال كجزء من الحرب النفسية التي تخوضها إسرائيل ضد المقاومة وسكان غزة على حد سواء، عبر رسالة واضحة: “حتى المتحدثين باسم حماس سيُقتلون”، في محاولة لزرع الخوف وتفكيك مؤسسات المقاومة إعلاميًا وتنظيميًا.

اغتيال الكلمة لن يقتل الفكرة

قد ينجح الاحتلال في تصفية بعض القادة، لكنه يفشل مرارًا في اغتيال فكرة المقاومة نفسها، التي تتجدد في وجدان كل فلسطيني يرى في القانوع وأمثاله رموزًا للتحدي والثبات. 

وبينما يتواصل العدوان على غزة في يومه العاشر منذ استئنافه، ومع تزايد أعداد الشهداء وتدهور الوضع الإنساني، يبقى مشهد اغتيال القانوع شاهدًا على طبيعة هذا العدو الذي لا يقيم وزنًا لا للقانون، ولا للأخلاق، ولا حتى للحد الأدنى من الإنسانية.

ويبقى السؤال: إلى متى سيواصل العالم صمته؟ وهل يدرك المجتمع الدولي أن اغتيال القانوع ليس مجرد تصفية شخصية، بل جزء من مشروع أوسع يهدف إلى محو الصوت الفلسطيني الحر؟ ربما تكون الإجابة في استمرارية المقاومة ذاتها، التي كلما فقدت قائدًا، أنجبت العشرات خلفه.

اقرأ أيضًا : في ليلة القدر.. الاحتلال يُمعن في عدوانه ويرفض فتح أروقة المسجد الإبراهيمي أمام المصلين