في خطوة وُصفت بأنها جزء من حملة ممنهجة تستهدف الحركة الإسلامية الأردنية، اعتقلت السلطات الأمنية الأردنية، صباح اليوم الإثنين، القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين عارف حمدان، عضو مجلس شورى الجماعة، والقيادي السابق في مكتبها التنفيذي، وذلك من مقر عمله في العاصمة عمّان، حيث جرى اقتياده إلى سجن المخابرات العامة في منطقة الجندويل.

وتأتي هذه الخطوة ضمن تصعيد متواصل من قبل النظام الأردني ضد كوادر جماعة الإخوان المسلمين، أبرز الحركات السياسية المعارضة في البلاد، والتي لطالما كانت في مرمى التضييق الأمني والسياسي، لا سيما بعد موقفها الثابت والداعم للمقاومة الفلسطينية، ورفضها للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

خلفيات الاعتقال: ملف مالي أم تصفية سياسية؟

بحسب مصادر مقربة من الجماعة، فإن اعتقال حمدان جاء في سياق ما وصفته السلطات بأنه “تحقيق في الملف المالي للجماعة”، وهو التبرير الذي يُعتقد أنه محاولة لخلق غطاء قانوني لتصفية جماعية سياسية تطال القيادة الوسطى والعليا للجماعة. 

وتُشير نفس المصادر إلى أن اعتقال حمدان سبقه قبل أيام اعتقال أمين صندوق الجماعة، في تحرك اعتبره المراقبون استهدافًا واضحًا للبنية المالية والتنظيمية للحركة الإسلامية في البلاد.

وتُعد هذه الحملة استكمالًا لسلسلة اعتقالات استهدفت أعضاء بارزين في مجلس شورى الجماعة، من بينهم: مصطفى صقر، أحمد بركات، محمد جمال حوامدة، إلى جانب العضوين السابقين خضر عبد الله عبد العزيز ومروان مبروك الحوامدة، مما يُشير إلى أن الحملة تحمل طابعًا سياسيًا بالدرجة الأولى، لا سيما في ظل الصمت الرسمي وتجاهل الضمانات القانونية للمتهمين.

رسائل سياسية: من الداخل الأردني إلى تل أبيب

التحرك الأمني الأخير يتقاطع مع سياق إقليمي يتسم بحساسية بالغة تجاه جماعات المقاومة الفلسطينية وداعميها. 

ويأتي اعتقال حمدان في وقت يتصاعد فيه القمع ضد كل صوت يناصر المقاومة في الداخل الأردني، وهو ما يدفع محللين للتأكيد على أن الملك عبد الله الثاني يعمل على طمأنة الاحتلال الإسرائيلي بشأن “ضبط الجبهة الداخلية” الأردنية، لا سيما في ظل الاضطرابات المتصاعدة على حدود غزة والضفة، ومع تنامي مشاعر التضامن الشعبي مع الفلسطينيين.

ولا يمكن فصل هذه الحملة عن السياسات الرسمية الأردنية التي اتجهت في السنوات الأخيرة نحو التنسيق الأمني الوثيق مع تل أبيب، وهو ما انعكس على المشهد الداخلي باعتقال كل من يتبنى خطابًا داعمًا لخيار المقاومة، أو حتى من يعبّر عن رفضه لاتفاقية وادي عربة والتطبيع مع الاحتلال. 

فالملاحقات القضائية لم تقتصر على الإخوان، بل طالت ناشطين وصحفيين ومواطنين عاديين على خلفية منشورات داعمة لغزة أو رافضة للتطبيع.

ووفق محللين، فإن هذا التنكيل هو جزء من منظومة أمنية محلية – إقليمية ترى في أي امتداد للحركة الإسلامية، لا سيما في سياق دعم المقاومة، تهديدًا محتملاً “للأمن القومي” المرتبط ببقاء النظام في شكل من أشكال “الاستقرار المصطنع”.

نهاية التعددية؟

تُعد جماعة الإخوان المسلمين، رغم ما تعرضت له من تضييقات متكررة، واحدة من أهم قوى المعارضة السياسية المنظمة في الأردن، وقد حافظت على وجودها الشعبي والسياسي لعقود، وشاركت في البرلمان والنقابات والمجتمع المدني، إلى أن بدأ مسلسل الإقصاء التدريجي لها منذ مطلع العقد الماضي، خاصة بعد الربيع العربي. 

واليوم، يبدو أن النظام الأردني يستكمل تصفية كل أشكال التعددية السياسية الجادة، في سياق تحول البلاد نحو نموذج “أمني صرف” في إدارة الحياة السياسية.

ولعل الأبرز في هذا السياق هو التحول من احتواء الجماعة إلى تفكيكها تمامًا، عبر تشتيت صفوفها، واستهداف رموزها، والتضييق على مصادر تمويلها، بل وحتى نزع الشرعية القانونية عنها كما حدث في قرار حل الجماعة عام 2020، والذي قوبل حينها بانتقادات داخلية وخارجية واسعة.

وفيما تدعي السلطات أنها تحمي “أمن واستقرار المملكة”، يرى مراقبون أن هذه السياسة تحرم البلاد من صمّام أمان سياسي حقيقي في وجه الانفجار الشعبي، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، والهوّة الآخذة في الاتساع بين النظام والشعب.

الأردن بين القبضة الأمنية ومشروعية المقاومة

اعتقال عارف حمدان ليس مجرد حادثة فردية، بل هو حلقة ضمن سلسلة ممتدة من محاولات تقويض كل صوت معارض داخل الأردن، سواء كان سياسيًا أو شعبيًا. وفي سياق دعم الملك عبد الله الثاني العلني للتنسيق الأمني مع الاحتلال، ورفضه الحاسم لأي دعم للمقاومة في الداخل الأردني، تبدو الرسالة واضحة: لا مكان للممانعة في الأردن الرسمي.

لكن في المقابل، فإن هذه السياسات قد تؤدي إلى نتائج عكسية، عبر توسيع قاعدة الغضب الشعبي ورفع منسوب الاحتقان الداخلي، وخلق فراغ سياسي تملؤه الاحتجاجات العشوائية أو التيارات غير المنظمة، ما ينذر بتآكل الاستقرار الذي طالما تفاخر به النظام.

في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا: هل يستطيع النظام الأردني الاستمرار في معاداة نبض الشارع وداعمي القضية الفلسطينية؟ أم أن هذه السياسات ستقوده إلى مواجهة أزمة شرعية داخلية يصعب احتواؤها بالمزيد من الاعتقالات؟

اقرأ أيضًا : عائلات معتقلي الدرون يفضحون الرواية الرسمية.. والملك يواجه اتهامات بخيانة فلسطين