أقدمت الشرطة الأمريكية على اعتقال بن كوهين، الشريك المؤسس لشركة “بن آند جيري” الشهيرة لصناعة المثلجات، أثناء مشاركته في احتجاج داخل مجلس الشيوخ الأمريكي ضد الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، وللتنديد بسياسات الحكومة الأمريكية التي وصفها بأنها تقتل الأطفال الفقراء هناك، في مشهد لافت يعكس تصاعد الغضب الشعبي داخل الولايات المتحدة من المجازر المستمرة في قطاع غزة.

الواقعة حدثت يوم الأربعاء الماضي خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الصحة والتعليم والعمل والمعاشات في مجلس الشيوخ، وكان يتحدث فيها روبرت ف. كينيدي جونيور، أحد أبرز المرشحين الجمهوريين للرئاسة والمعروف بمواقفه المناهضة للقاحات. في بداية الجلسة، قاطع عدد من النشطاء كينيدي مرددين هتافات مناهضة له مثل: “عندما يكذب بوبي، يموت الأطفال” و”ضد اللقاحات، ضد العلم، ضد أمريكا”.

بعد ذلك، وقف كوهين ليرفع صوته برسالة مختلفة تمامًا، حيث بدأ احتجاجه على الحصار المفروض على غزة، قبل أن تتدخل عناصر الأمن لإخراجه بالقوة من قاعة المجلس. وقد وثق كوهين لحظة اعتقاله ونشرها على حساباته في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ظهر وهو يُقتاد مكبّل اليدين إلى خارج القاعة.

وأثناء إخراجه، سألته سيدة عن سبب اعتقاله، فأجاب بصوت عالٍ: “الكونغرس يقتل الأطفال الفقراء في غزة بشراء القنابل، ويدفع ثمنها من خلال حرمان الأطفال من التأمين الصحي (ميديكيد) هنا في الولايات المتحدة”، وأضاف: “على أعضاء الكونغرس أن يخففوا الحصار، يجب السماح بدخول الطعام إلى غزة، يجب إطعام الأطفال الذين يتضورون جوعًا”.

ويأتي هذا الاحتجاج في ظل دخول الحصار الإسرائيلي الكامل على قطاع غزة أسبوعه الحادي عشر، وهو حصار يمنع دخول المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود والأدوية إلى أكثر من 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في القطاع. وقد أدى الحصار إلى وضع كارثي، حيث يعيش العديد من الناس على كميات قليلة من البازلاء المعلبة أو الفاصوليا المجففة فقط.

وفي هذا السياق، حذر تقرير صدر هذا الأسبوع عن خبراء في الأمن الغذائي من أن غزة باتت تواجه “خطرًا حرجًا من المجاعة”.

بن كوهين، الذي أسس شركة “بن آند جيري” إلى جانب زميله جيري غرينفيلد بعد تعارفهما خلال دراستهما في منطقة لونغ آيلاند بنيويورك، أصبح لاحقًا من أبرز الداعمين للقضايا الاجتماعية والحقوقية. الشركة التي أسساها في مدينة بيرلينغتون بولاية فيرمونت تحولت لاحقًا إلى واحدة من أكبر العلامات التجارية للآيس كريم في الولايات المتحدة.

إلى جانب نشاطهما التجاري، برز كوهين وغرينفيلد كداعمَين بارزين للنشاط الحقوقي، وكممولَين لحملات التغيير السياسي والاجتماعي، بما في ذلك دعم بيرني ساندرز، السيناتور المستقل والمرشح الديمقراطي السابق للرئاسة الأمريكية، والذي يتخذ من بيرلينغتون أيضًا مقرًا له.

وفيما يخص القضية الفلسطينية، لطالما عبّر كوهين وشريكه عن مواقفهما الواضحة في رفض سياسات الحكومات الإسرائيلية بشدة. وفي عام 2021، شاركا في كتابة مقال بصحيفة نيويورك تايمز دعما فيه قرار شركة “بن آند جيري” – التي لم يكونا يديرانها حينها – بوقف بيع منتجاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وجاء في المقال: “دعمنا لهذا القرار لا يُعد تناقضًا ولا معاداة للسامية. في الواقع، نؤمن أن هذا الفعل يجب أن يُفهم على أنه مساهمة في تعزيز مفاهيم العدالة وحقوق الإنسان، وهي من القيم الجوهرية في الديانة اليهودية”.

وقد وُجهت إلى كوهين وسبعة متظاهرين آخرين من المشاركين في احتجاج الأربعاء تهمة “الازدحام والإعاقة والتشويش”، وهي تهمة شائعة تُستخدم في العاصمة الأمريكية واشنطن ضد المتظاهرين، وتصل عقوبتها إلى 90 يومًا من السجن أو غرامة مالية قدرها 500 دولار أو كليهما.

هذا الحدث يعكس بوضوح مدى الغضب الشعبي المتنامي في الولايات المتحدة من التواطؤ السياسي الرسمي مع الجرائم الإسرائيلية في غزة، ويجسد في الوقت ذاته شجاعة الأصوات الحرة التي ترفض الصمت على معاناة الأبرياء، حتى داخل أروقة السلطة.