العدسة: محمد العربي
بدأت بالسم ثم تطورت للمسدسات والأسلحة الخفيفة، وانتقلت لتفجير الطائرات، ولكنها هذه المرة كانت بطائرة بدون طيار، إنها أبرز وسائل الإغتيالات السياسية للزعماء والمشاهير، بعضها حقق نجاجا والآخري كان نصيبها الفشل، ومن هذه الأخيرة محاولة اغتيال نيكولاس مادورو رئيس فانزويلا مساء السبت 4 أغسطس الجاري.
محاولة الاغتيال التي جرت علي الهواء أثناء خطاب لمادورو كانت من خلال طائرة بدون طيار تحمل كمية من المتفجرات خلفت ورائها 7 اصابات بالغة في الحرس الخاص بالرئيس الفنزويلي الذي اتهم مباشرة كل من كولومبيا والولايات المتحدة بأنهما يقفان وراء العملية الفاشلة التي شاهدها العالم علي الهواء مباشرة.
وتحتل أمريكا اللاتينية فصلا مطولا في كتب الاغتيالات السياسية، حيث شهدت الفترة من ستينيات وحتي ثمانينيات القرن الماضي، عشرات الاغتيالات لرؤساء وزعماء لاتينيين علي يد أجهزة المخابرات العالمية ومعظمها من الذين ينتمون للولايات المتحدة، ولذلك لم يكن غريبا أن يبادر الرئيس الفنزويلي باتهام أمريكا بالوقوف وراء العملية لما لها من تاريخ معروف في الاغتيالات السياسية لمخالفيها.
رؤساء لاتينيين
وكان الصراع بين القطبين الكبيرين في العالم لما قبل حل الاتحاد السوفيتي، سببا رئيسيا في اغتيال العديد من الزعماء على يد أصحاب “المهام السوداء” أو رجال المخابرات الأمريكية، الذين نفذوا توجهات القيادة السياسية في التخلص من الزعماء والرؤساء الذين تبنوا السياسيات اليسارية والشيوعية بأمريكا اللاتينية، وكان من أبرز من تم اغتياله رئيس بنما عمر توريخوس الذي فجرت المخابرات الأمريكية أو من عرفوا وقتها بـ (أبناء آوي) طائرته عام 1981، بعد إصراره علي إنهاء الامتياز الأمريكي لقناة بنما، ورفضه التخلي عن اتفاق توريخوس/ كارتر الذي انهي الوجود الامريكي في القناة الحيوية.
أما رئيس الإكوادور خايمي رودلس الذي وصل للحكم عام 1979 فكان اغتياله لأنه حارب نفوذ الشركات الأمريكية ببلاده، وتبني مشروع “الهيدروكاربون” الخاص بوقف الامتيازات البترولية للأجانب، ولم تجد الولايات المتحدة مفرا من التحلص منه بنفس طريقة رئيس بنما، حيث فجرت عام 1981 الطائرة التي كان يستقلها.
ويعد الزعيم فيدل كاسترو من أكثر الرؤساء الذين تعرضوا لمحاولات اغتيال علي يد المخابرات الامريكية بواقع 638 عملية في الفترة من 1959 وحتي 2008، التي تفننت في اختراع وسائل اغتيال منطقية وغير منطقية، وصلت لاستخدام عصابات المافي ا”آل كابونى” واستغلال شغف كاسترو بالصيد فى زرع قنابل مفخخة بالبحر إلى استغلال علاقاته النسائية في محاولة لقتله بالسم إلى الهدايا المتفجرة وعمليات زرع المتفجرات والاستهداف المباشر بالرصاص إلي تسميم السيجار الشهير الذي كان يدخنه كاسترو، وطبقا لوثائق المخابرات الأمريكية فإن ثماني رؤساء لأمريكا أشرفوا على عمليات الاغتيال وهم أيزنهاور” و”كنيدي” و”جونسون” و”نيكسون” و”كارتر” و”ريجان” و”بوش” الأب ووصولاً إلى “بيل كلينتون”.
افريقيا الثانية
وتحتل القارة الإفريقية المرتبة الثانية في قائمة الاغتيالات السياسية، وقد نافس المخابرات الأمريكية العديد من الأجهزة الأخري في تنفيذ عمليات الاغتيال، التي حقق الكثير منها نجاحات، كما حقق بعضها الفشل، أما الأساليب فلم تختلف كثيرا عما كان يجري في أمريكا الجنوبية، وإن كانت الانقلابات العسكرية كفيلة بما كان يقوم به عملاء الـ CIA، ومن أشهر العمليات بالقارة السمراء اغتيال الرئيس الكونغولى باتريس لومومبا، الذي اشترك في قتله المخابرات البلجيكية والأمريكية بعد أن ظهر الرجل مؤيدا كبيرا للسياسات اليسارية التي يتبناها الاتحاد السوفيتي، حيث دعمت بلجيكا وأمريكا انقلابا عسكريا بقيادة الجنرال موبوتو سيسكو الذي أطاح بـ “لومومبا” عام 1961 والذي نُقل لسجن بلجيكي وأعدم بعدها بساعات رميا بالرصاص علي يد كتيبة إعدام قائدها ضابط بلجيكي، وتم تقطيع جثمانه لقطع صغيرة وإذابته في حمض الكبريتيك.
وفي العصر الحديث مازال حادث اغتيال نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق عام 2005، بعد انفجار الطائرة الهليكوبتر الخاصة بالرئيس الأوغندي، والتي كان يستقلها قرنق عائدا لجوبا عاصمة جنوب السودان، وبررت السلطات الأوغندية الحادث بأنه نتيجة اصطدمها بالغابات، ورغم مرور 13 عاما علي رحيل قرنق وانفصال جنوب السودان عن الدولة الأم إلا ان أصابع الاتهام مازالت تتجه نحو الرئيس الأوغندي الذي كان يري في أطماع قرنق تهديدا لمصالحه، خاصة وأن قرنق كان يتبني خطة إعادة إحياء السودان الكبير الذي يضم السودان والجنوب وأوغندا.
ومن أشهر الرؤساء الأفارقة الذين تم اغتيالهم كذلك عبد الرشيد علي شارماركي رئيس الصومال عام 1969م ورئيس تشاد فرانكويس تومبالبي عام 1975، ورئيس مدغشقر ريتشارد راتسيماندرافا عام 1975، ورئيس نيجيريا مورتالا محمد عام 1976، ورئيس جزر القمر أحمد عبد الله عبد الرحمن عام 1989، وجميعها اغتيالات جاءت بعد تنفيذ انقلابات عسكرية دعمتها الولايات المتحدة.
هنا آسيا
ولا تخلو قائمة الاغتيالات كذلك من الرؤساء والزعماء الآسيويون، ومن أبرزهم ملك أفغانستان محمد نادر شاه عام 1933م، ومجيب الرحمن رئيس بنغلاديش في 15 أغسطس 1975، ومحمد داوود خان رئيس أفغانستان عام 1978 علي يد المخابرات السوفيتية، ومحمد ضياء الحق رئيس جمهورية باكستان عام 1988 بعد انفجار طائرته العسكرية علي يد المخابرات الأمريكية التي ضحت بسفير بلادها الذي كان متواجدا علي نفس الطائرة، وتشير الوثائق أن دولتي الإمارات والسعودية كانتا لهما يد كبيرة في هذه العملية، وفي العصر الحديث نفذ قائد الانقلاب العسكري بباكستان برويز مشرف عملية اغتيال لرئيسة الوزراء صاحبةى الشعبية الكبري بنظير بوتو عام 2007.
رؤساء وزعماء عرب
ويمثل الزعماء والرؤساء العرب علامة مميزة في قائمة الاغتيالات السياسية التي جرت خلال القرنيين العشرين والحادي والعشرين، ومن أشهر الاغيالات التي شهدها العالم، اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، علي يد مجموعة من الضباط التابعين للجماعة الإسلامية، ورغم تبنيهم العملية التي جرت في احتفال السادات بانتصار السادس من أكتوبر، إلا أن أفراد بأسرته وجهوا اصابع الاتهام للرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كان يقف بجوار السادات ولم يصبه شيء.
من أبرز العمليات البارزة كذلك اغتيال الملك فيصل ملك السعودية عام 1975 على يد الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود الذي أطلق النار على الملك في مكتبه بالديوان الملكي. وكان الملك فيصل قد بويع ملكاً في 2 نوفمبر عام 1964 بعدما خلع علماء الدين والقضاة والمفتي أخاه الملك سعود، وتشير الوثائق أن المخابرات الأمريكية كانت وراء الاغتيال خاصة بعد موقف الملك فيصل بمنع البترول عن أمريكا واوربا لدعمهم إسرائيل في حربها ضد مصر وسوريا.
وفي عام 1992 كانت الجزائر علي موعد مع اغتيال الرئيس محمد بوضياف علي الهواء مباشرة، ورغم أن الرجل لم يحكم سوي ستة أشهر، إلا أن الجيش نفذ انقلابا أطاح بحكم بوضياف، وتم اغتياله على يد الملازم في القوات الخاصة الجزائرية مبارك بو معرافي.
وفي عام 2005 كانت لبنان علي موعد مع اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، مع اتهامات واضحة لتورط نظام بشار الأسد في العملية التي تمت بوسط بيروت، وهي العملية التي أدخلت لبنان في دوامة من الأحداث المأساوية، حيث تبع اغتيال الحريري عدة اغتيالات أخري طالت وزراء ونواب وصحافيين وأمنيين أبرزهم جبران تويني وسمير قصير وبيار الجميل وفرانسوا الحاج.
ولم يخلو القادة السياسيين الفلسطينيين من عمليات الاغتيال علي يد الجيش الإسرائيلي حيث شهد عام 2004 حادثي اغتيال الأول كان من نصيب الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، الذي تم قصف سياراته خلال ذهابه لصلاة الفجر، وبعدها بأسابيع قليلة كان اغتيال خليفته في قيادة حماس الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
وفي 12 فبراير 1949 كانت القاهرة علي موعد مع أبرز اغتيال شهدته القاهرة وهو اغتيال الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وهو الاغتيال الذي شارك فيه كل من القصر الملكي والاحتلال الإنجليزي للتخلص من البنا الذي كان له دور كبير في حرب فلسطين عام 1948، بدعوته للجهاد وتبنيه لكتائب الفدائيين من الإخوان المسلمين بمصر والوطن العربي، وهو ما اعتبره القصر الملكي والاحتلال الإنجليزي خطرا يهددهم فتم اغتياله وسط اشهر الشوارع المصرية ازدحاما وهو شارع الملكة نازلي سابقا، ورمسيس حاليا.
محاولات فاشلة:
وقد تعرض العديد من الزعماء والقادة العرب لعمليات اغتيال فاشلة مثل التي جرت مع الرئيس الفنزويلي السبت الماضي، وتعد محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في أديس ابابا هي الأشهر خلال الأعوام الثلاثين الماضية، يليها محاولة اغتيال خالد مشعل بالأردن، وتعد محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية من العلامات الفارقة في علاقة العسكر بجماعة الإخوان المسلمين، حيث استغل عبد الناصر المحاولة التي يحيطها كثير من الغموض في التنكيل بجماعة الإخوان علي مدار عقدين من الزمان.
اضف تعليقا