ترجمة مقال للصحفي غرايمي وود في مجلة ذي أتلانتك الأمريكية
قبل زيارته -التي انتهت- للشرق الأوسط، كتب الرئيس الأمريكي جو بايدن الأسبوع الماضي مقال رأي في صحيفة واشنطن بوست “أعلم أن هناك كثيرين ممن يختلفون مع قراري بالسفر إلى المملكة العربية السعودية”، في محاولة لتعليل هذه الزيارة التي انتقدها الكثيرون من مؤيديه قبل معارضيه.
الانتقادات التي وُجهت لبايدن كان معظمها بسبب موقفه -الذي تغير- من محمد بن سلمان، حيث اعتبر الكثيرون أنه بهذه الزيارة سيمنح “يد محمد بن سلمان الملطخة بالدماء” ضوء أخضر لقتل المزيد، في إشارة لحادث الاغتيال الدموي الذي راح ضحيته الصحفي المعارض جمال خاشقجي.
تُرى كيف سيرد خاشقجي على هذه الزيارة لو كان حياً؟! كيف كان سيتعامل مع محمد بن سلمان؟!، في حوار مع أرملة خاشقجي، السيدة حنان العتر، قالت لي الشهر الماضي “كان سيسامحه”… كان الرد مفاجئاً بالنسبة لي! رددت عليها مندهشا!: “كان سيسامح قاتله؟ الرجل الذي أرسل فريقاً مجهزاً لتقطيع أوصاله إلى قطع صغيرة!”.
تابعت حنان وهي تبكي “الغفران في ديننا شيء عظيم”، لكنها قالت “بالنسبة لي… لست متأكدة من قدرتي على مسامحة محمد بن سلمان… وعلى أي حال لم يطلب مني أي مسؤول سعودي القيام بذلك”، لكنها قالت إن زوجها كان رحيمًا وكان يرغب في ألا يحول شيء بين أفكاره وبين الوصول لبلاده، “وحال تم معاقبة ولي العهد، فهذا يعني أن الدولة بأكملها ستصبح في مشاكل… وبالطبع هو لا يريد ذلك”، على حد قولها.
منذ مقتل خاشقجي، ربما كانت بطلة قصته الأبرز هي خطيبته، خديجة جنكيز، الناشطة التركية التي كتبت لصحيفة واشنطن بوست وعملت مع منتقدي محمد بن سلمان في الخارج لتحقيق العدالة لخطيبها، الذي ذهب إلى القنصلية في إسطنبول عام 2018 للحصول على أوراق تمكنه من الزواج بها، لكنه ولم يخرج أبداً.
في حوار سابق لي مع محمد بن سلمان شخصياً، عندما سألته عن خاشقجي، أخبرني أنه لم يقرأ أي مقال له، قال إن خاشقجي لا يمثل شيء بالنسبة له، بل أكد أنه لو وضع قائمة لاغتيال 1000 شخصاً، لن يصبح خاشقجي ضمنهم، في إشارة إلى أنه لا يرى فيه أي “شيء” مهم.
الغريب أن حنان العتر لم تستغرب من تصريحات ولي العهد، بل قالت “تبدو معقولة بالنسبة لي”، “صدقني… أنا من الشرق الأوسط وأؤكد لك أن القادة هناك لا يقرؤون!”، وأشارت أن اللوم في هذه الجريمة يقع على المحيطين بالأمير.
جريمة اغتيال خاشقجي طغت على أي قضية أخرى في علاقة بايدن بالسعودية، أثرت على التحالف التاريخي بين البلدين حتى كادت أن تنهيه، أصدقاء خاشقجي والمدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم شكلوا حملات ضغط قوية على بايدن وإدارته لمعاقبة بن سلمان ونظامه، على جريمة خاشقجي وبقية الجرائم الأخرى، جميعهم حملوا إرث خاشقجي وأفكاره لإيصاله إلى جميع أنحاء العالم، لكن أرملته حنان العتر كان لها رأي آخر…
تقول العتر إن لديها نسخة أخرى هي الصحيحة، تعلم فصل آخر من هذه القصة لا يعلم عنها أحد، وتريد أن يصل إلى العالم، خاصة وأنها، كزوجته أو أرملته إن صح التعبير، اختفت تماماً من المشهد، لم يتحدث عنها أحد، ربما لم يتعامل معها أحد على أنها كانت جزء من حياته من الأساس.
حنان العتر، مواطنة مصرية، بدأت حياتها كمتدربة صحفية، ثم اتجهت لمجال الطيران حيث عملت كمضيفة جوية في خطوط طيران الإمارات لمدة 23 عاماً. عرفت جمال عام 2010 في دبي، لكنهم تزوجوا في شمال فيرجينيا قبل أشهر من وفاته عام 2018.
في وجهة نظري، استعدادها الواضح لمسامحة محمد بن سلمان يبدو غير معقول يحيط به الشكوك والشبهات – ربما تلقت أموال لقاء ذلك أو تعرضت للتهديد -، الأمر محير حقاً، وما يزيد من تعقيد حالتها هي دفاعها المستمر -بصورة تتناقض مع دعوتها للغفران- باسم زوجها، عن الإسلاميين الذين سجنهم محمد بن سلمان والذين وصفهم أنصاره بأنهم أخطر الرجال في البلاد.
قالت حنان في بيان في وقت سابق من هذا الأسبوع إنها التقت بكبار مسؤولي بايدن “لشكر بايدن على ذهابه إلى المملكة العربية السعودية”، و “لطلب أكثر ما يريده جمال في هذا العالم: إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين المحتجزين في المملكة العربية السعودية”.
ذكرت حنان في حديثنا سجينين على وجه الخصوص: الاقتصادي والمدون عصام الزامل والداعية سلمان العودة، وكلاهما متهم بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين. (السعودية تعتبر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية والانتماء إليها جريمة يعاقب عليها بالإعدام.)
اختفاء حنان من قصة خاشقجي أصابها بالإحباط والمرارة، قالت لي: “هناك الكثير مما لا يقال عن جمال”… إن خاشقجي في المخيلة الشعبية هو نوع من الصحافي المتهور الذي تتناسب سياساته وميوله بشكل ملائم مع تلك الخاصة بفئة من الناشطين الذين عملوا ضد النظام الملكي السعودي، وفي بعض الأحيان لصالح التقارب مع إيران، لسنوات. لكن وصفت حنان زوجها بأنه “ليس سعيداً أنه ممن يحاربون محمد بن سلمان، لكن بصفته وطنيًا، كان لديه الحنين إلى الوطن، بحث عن طرق للخروج من هذه الحقبة”.
استاءت حنان من الصورة التي تُروج لخاشقجي: معارض ضد النظام… أكدت على أنه على الرغم من انتقاده لمحمد بن سلمان، إلا أنه كره أن يوصف بأنه “منشق” أو عدو لولي العهد، “أخبرني خاشقجي الأمر نفسه، قبل أسابيع من وفاته”.
وقرب نهاية حياته، قالت، “كان يبكي كل ليلة.. لأنه كان يُصوَّر على أنه آفة، بينما كانت رغبته الخاصة هي التصالح مع الدولة، والعودة للوطن”.
بحسب العتر، فإن خاشقجي كان يتعرض لضغوط نفسية شديدة بسبب حالة العداء “المفروضة عليه” مع السلطات، بأمر الواقع، وأوضحت أنه خلال حياته، لم يستفيد أبدًا من شهرته كمعارض لمحمد بن سلمان، بمعنى أوضح، لم يتنازل عن مبادئه مقابل المال من أجل محاربة نظام لأجل نظام آخر.
يُعتقد على نطاق واسع أن سياسات خاشقجي هي سياسات ديمقراطي علماني، وبالتالي فهي غير متوافقة مع النظام الملكي شبه الديني في المملكة العربية السعودية.
أثارت الحنان الجدل بتصريحها حول أن “منظمة الديموقراطية الآن للعالم العربي” لا تمت لخاشقجي لصلة، حيث يقول العاملين عليها إن خاشقجي أسسها قبل وفاته، لكن حنان نفت ذلك!
قالت حنان إن جمال كان شغوفًا بالحرية، وأراد المزيد منها للسعوديين، لكنه دعم الملكية ويمارس إسلامًا محافظًا وتقليديًا، نافية بذلك أنه كان يؤمن بالسياسات الديموقراطية العلمانية.
حول خديجة جنكيز في حياة خاشقجي، قالت حنان إنها ليس لديها أي فكرة عن نيته الزواج من أخرى – لكنها اعترفت بأن خاشقجي “يؤمن بتعدد الزوجات” وأخبرتني كمسلمة أنها “ستقبل هذا”، وأكدت أنها لم تقابل جنكيز قط وتقول إنها لا ترغب في ذلك.
زعم لي العديد من السعوديين المرتبطين بالحكومة، دون دليل، أن جمال كان يتمتع بسمعة طيبة في جماعة الإخوان المسلمين، لكن مع ذلك لم يكن واضحًا دائمًا ما إذا كان هؤلاء الأشخاص يريدون الإشارة إلى أن انتماءه للجماعة كان سبباً في مقتله، أو مجرد دليل على سلوك مكروه من قبل السلطات.
حنان نفت أن يكون خاشقجي عضواً منتظماً في جماعة الإخوان المسلمين، لكنها قالت إنه كان عضواً في الجماعة لفترة.
خلال سنوات نفيه الأخيرة، أدلى جمال بتصريحات غامضة حول عضويته المزعومة في الجماعة، قال لجمهور أميركي قبل وفاته بوقت قصير: “من حقي أن أكون من الإخوان المسلمين، أو يسارياً، أو أي شيء آخر… أنا حر في ذلك”.
النظام السعودي ومؤيدوه راهنوا كثيراً أن علاقتهم مع الولايات المتحدة ستعود كما كانت، وأن “قضية خاشقجي” لن تمثل عقبة للأبد، بل راهنوا أن إرث خاشقجي نفسه سيُنسى تماماً بعد أن تحقق المصالح الأمريكية انتصارها النهائي على القيم الأمريكية.
في الوقت الحالي، يبدو أن هذا الرهان سيؤتي ثماره، على الرغم من أن الأمر قد استغرق بعض الوقت للقيام بذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت زيارة بايدن تخون إرث خاشقجي، أو إذا كان بايدن سيستطيع إقناع محمد بن سلمان بالتخفيف من حدة الموقف، سيتضح كل شيء في القريب العاجل، آثار هذه الزيارة لن تأخذ وقتاً طويلاً حتى تبدأ في الظهور.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا