في تطور غير مسبوق في مسار التصعيد العسكري بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، أعلن الحرس الثوري الإيراني مساء الأحد عن مقتل ثلاثة من أبرز قادته الأمنيين، في مقدمتهم رئيس استخبارات الحرس الثوري العميد محمد كاظمي، ونائبه العميد حسن محقق، إضافة إلى العميد محسن باقريو، وذلك في غارة إسرائيلية استهدفت مبنى سريًا في العاصمة الإيرانية طهران.
جاء هذا الإعلان في بيان رسمي للحرس الثوري، وصف فيه عملية الاغتيال بأنها “جريمة عدوانية جديدة” تمس صميم بنية القيادة الأمنية والعسكرية الإيرانية، وتشكّل تصعيدًا خطيرًا في المواجهة المفتوحة مع الاحتلال.
تصفية العقول الأمنية.. ضربة لمركز الثقل الإيراني
العميد محمد كاظمي يُعد أحد أبرز مهندسي المنظومة الاستخباراتية للحرس الثوري. تولى منصبه في يوليو/تموز 2022، خلفًا لرجل الدين النافذ حسين طائب، بعد أن شغل لسنوات رئاسة منظمة “حماية المخابرات” بالحرس، وهي الذراع الأمنية الداخلية التي تراقب وتحلل التهديدات داخلية وخارجية.
اختياره لهذا المنصب جاء في سياق إعادة هيكلة شاملة للأجهزة الاستخباراتية بعد سلسلة اغتيالات طالت علماء ومسؤولين إيرانيين في الداخل.
مقتل كاظمي ومساعديه في عمق العاصمة، وسط تحصينات أمنية واستخباراتية مشددة، يكشف حجم الاختراق الذي تمكنت إسرائيل من تحقيقه في صلب المنظومة الإيرانية. كما يؤشر إلى تحول استراتيجي في طبيعة الأهداف الإسرائيلية من ضرب المنشآت العسكرية والنووية إلى استهداف مراكز القرار الأمني والاستخباراتي.
16 قائدًا إيرانيًا منذ الجمعة.. الضربة الأعنف منذ عقود
منذ بدء الغارات الإسرائيلية فجر الجمعة، ارتفع عدد قادة القوات المسلحة الإيرانية الذين اغتيلوا إلى 16 ضابطًا رفيعًا، ما يعكس حملة منهجية وموسّعة تستهدف شل القيادة العسكرية الإيرانية. هذه الأرقام تعكس غير مسبوق في نمط المواجهة، حيث لم تُسجّل في السابق مثل هذه الخسائر المتزامنة في صفوف قيادة الحرس الثوري منذ الحرب العراقية الإيرانية.
ورغم التكتم النسبي من الجانب الإيراني، إلا أن الغضب الشعبي والارتباك الظاهر في التصريحات الرسمية يوحيان بحجم الصدمة داخل طهران.
ردود إيرانية متواصلة.. موجة صواريخ جديدة تضرب إسرائيل
وفي إطار الرد، أعلن الحرس الثوري أن سلاحه الجوي نفذ موجة جديدة من الضربات الصاروخية على أهداف إسرائيلية “ذات طابع استخباراتي”، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل. إلا أن وسائل إعلام عبرية أكدت أن الهجمات أدت إلى أضرار واسعة في تل أبيب وحيفا، وسقوط قتلى وجرحى.
وأسفرت الضربات الإيرانية الأخيرة عن مقتل 10 إسرائيليين، بينهم 6 في مدينة بات يام المحاذية لتل أبيب، و4 قتلى آخرين في مدينة طمرة بالجليل، فيما تجاوز عدد الجرحى 300 مصاب. وتُعد هذه الحصيلة هي الأعلى منذ بدء التصعيد، وسط تقارير عن وجود 7 مفقودين تحت الأنقاض.
في بات يام، أكد رئيس البلدية أن 61 مبنى تضرروا بشكل مباشر من القصف، وأن 6 منها باتت غير صالحة للسكن وسيتم هدمها، في حين تستمر فرق الإنقاذ في البحث عن ناجين تحت الأنقاض وسط تحديات تقنية وأمنية.
الاحتلال يوسع بنك أهدافه.. قصف مبانٍ إدارية ومراكز بحث
في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية أن الهجمات الإسرائيلية لم تقتصر على استهداف شخصيات بارزة، بل شملت منشآت استراتيجية داخل العاصمة، من بينها مبنى إداري تابع للوزارة ومركز أبحاث، إضافة إلى مستودع وقود رئيسي.
هذا التوسّع في الأهداف يشير إلى محاولة إسرائيل إضعاف القدرة الإيرانية على التنظيم والرد، وخلق حالة من الفوضى والتشتت في مؤسسات الدولة.
الدلالة الاستراتيجية لاغتيال كاظمي
اغتيال رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري لا يحمل فقط رمزية كبرى بل يفتح الباب أمام تغير جذري في قواعد الاشتباك. فالضربة لم تستهدف مفاعلًا نوويًا أو مستودعًا للصواريخ، بل استهدفت عقلًا أمنيًا مسؤولًا عن حماية الأمن القومي الإيراني، ومهندسًا رئيسيًا في الملفات الإقليمية الحساسة، بما في ذلك التنسيق مع حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وكتائب الحشد الشعبي في العراق.
رسالة الاغتيال واضحة: لا أحد محصن. وهي رسالة تفكك المعادلة التي حاولت طهران ترسيخها بأن العاصمة الإيرانية “خط أحمر” لا يمكن تجاوزه دون رد مدوٍ.
ما بعد التصعيد.. احتمالات الرد والاتساع
تبقى الأسئلة الكبرى مطروحة: هل سترد طهران برد نوعي على استهداف قلبها الأمني؟ وهل تذهب إلى تفعيل أدواتها الإقليمية للرد بالوكالة أم تنزلق إلى مواجهة مفتوحة؟ في ظل هذه المعطيات، تبدو الأيام القادمة مرشحة لتصعيد غير مسبوق، قد لا يقتصر على إيران وإسرائيل، بل يمتد إلى كامل الإقليم.
اقرأ أيضًا : إسرائيل تهاجم مستودع نفط وموقعًا نوويًا في طهران.. وإيران تتصدى للمسيّرات وتتوعد بالرد
اضف تعليقا