إيران تعلن مسؤوليتها عن حادث الرحلة 752

الأيام الماضية شهد العالم حادث مؤلم جديد بتحطم الطائرة الأوكرانية – رحلة 752 أثناء تحليقها فوق سماء إيران بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار العاصمة الإيرانية طهران في الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري، ما أسفر عن مقتل طاقم الطيران والركاب بالكامل، والبالغ عددهم 176 شخصاً.

المحللون رأوا أن الحادث مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بسبب الخسائر البشرية الهائلة التي تكبدها الحادث، ليترك عشرات العائلات في إيران وكندا وبريطانيا وعدد من الدول في معاناة الفقد.

إعلان الحكومة الإيرانية مسؤوليتها عن الحادث هو أمر جيد بلا شك، حتى وإن جاء متأخراً ثلاثة أيام. في بداية الأمر ادعت طهران في غضون ساعات من وقوع الحادث إن أسباب تحطم الطائرة تعود إلى مشاكل تقنية وميكانيكية في الطائرة يتحمل مسؤوليتها طاقم الطيران، وهو الإعلان الذي أثار الشكوك حول تورطها في الحادث بصورة أو بأخرى، وبعد أقل من 24 ساعة تم الكشف عن محتوى تسجيلات الصندوق الأسود الخاص بالطائرة، والذي أظهر بوضوح تعرض الطائرة لضربة من صاروخ أرضي، وهو الأمر الذي انكره الدبلوماسيون والمسؤولون الإيرانيون في بادئ الأمر.

أمام أدلة الصندوق الأسود الفاضحة وتدخل محققون دوليون في الأمر، لم تجد السلطات الإيرانية مفراً من الاعتراف بالحقيقة، وهو الأمر الذي دفع “حسن روحاني”- الرئيس الإيراني، بالتعبير عن “أسفه العميق” عما حدث، واصفاً إياه بأنه خطأ فادح ناتج عن “خطأ بشري”. حاولت إيران في البداية التستر على الأمر إلا أن تجمع الأدلة ضدها لم يجعل أمامها خيار سوى الاعتراف بتحمل المسؤولية.

عواقب هذا الحادث المؤسف وخيمة، وكاشفة لحقائق كثيرة محلية ودولية، محلياً، فقد أثر الحادث بالدرجة الأولى على مصداقية النظام الإيراني ومكانته، وأثار تساؤلات عدة من شأنها اثبات التهمة على إيران، أو على الأقل اثبات فشلها.

على سبيل المثال: لماذا تم السماح للطائرة الأوكرانية بالإقلاع بعد ساعات فقط من مهاجمة إيران للقواعد العسكرية الأمريكية في العراق خاصة وأن إمكانية الرد العنيف من الولايات المتحدة كان متوقعاً؟ كيف فشل القادة العسكريون الإيرانيون في التمييز بين التواقيع الرادارية لطائرة ركاب كبيرة وصاروخ حربي؟

تشير هذه النواقص وغيرها من أوجه القصور المأساوية إلى نقص مذهل في الكفاءة العسكرية والتقنية من جانب الحرس الثوري الإسلامي في إيران، الذي أُطلق من قاعدته خارج طهران الصاروخ القاتل الذي تسبب في تحطيم الطائرة ومقتل كافة المسافرين على متنها.

قليلون في إيران حتى الآن تجرأوا على انتقاد الحرس الثوري الإيراني علانية، وهو الجهاز الذي يتمتع برعاية المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، وله مصالح مالية وتجارية كبيرة خارج وداخل البلاد، ويعمل بشكل مستقل عن القوات المسلحة ووزارة الخارجية.

ان الجنرال قاسم سليماني، الذي أدى اغتياله من قبل الولايات المتحدة إلى هذه الأزمة الأخيرة، هو الزعيم القوي لفيلق القدس في الحرس الثوري.

أدى مقتله إلى توحيد البلاد خلف النظام بعد أن اعتراها موجة كبيرة من الحزن والغضب، إلا أنه يبدو حادث الطائرة الأخير قد حطم لحظة الوحدة النادرة هذه، حيث أمر خامنئي علناً بإجراء تحقيق “غير مسبوق” في تصرفات الحرس الثوري، ما يعني أن العقاب الشديد ينتظر المتورطين.

من ناحية أخرى، اعترت وسائل التواصل الاجتماعي موجات من الغضب الشديد من قبل الشعب الإيراني، الذي وصف تصرف الحرس الثوري بالعار، وأكد أنه ليس مصدوماً من تصرفه حيث أنهم ألفوا الأكاذيب الرسمية دائماً.

 

حادث الطائرة ألحق الضرر بسمعة وهيبة الحرس الثوري الإيراني، بصورة غير مسبوقة، فهو الجهاز الدي لطالما رسم لنفسه صورة أنه لا يقهر، ويتمتع بالمهارات العسكرية العالية، إلا أنه وبعد الخطأ الفادح والساذج في نفس الوقت، فمن المحتمل وبقوة أن يخرج الناس ضد النظام، كما خرجوا مؤخراً محتجين على نقس السلع الأساسية والأدوية وارتفاع الأسعار، وتفشي الفساد الحكومي وانتشار المحسوبية.

المظاهرات المُشار إليها والتي خرجت ضد النظام الإيراني تم قمعها بالعنف من قبل الحرس الثوري الإيراني في نوفمبر / تشرين الثاني من العام الماضي، والذي أسقط عشرات القتلى، ولم يحاسب مسؤول واحد عن هذه الدماء، إلا أنه يبدو أن ردة فعل النظام الإيراني هذه المرة، وبعد حادث الرحلة 752 ستكون مختلفة وقد يتعرض المسؤولون في الحرس الثوري للمحاسبة، وعليه فقد يتم محاسبتهم أيضاً من قبل الشعب الإيراني.

مع ازياد الضغوطات على النظام الإيراني، من الناحية البشرية والاقتصادية، قد تكون هذه لحظة جيدة للتوقف مؤقتًا وإعادة النظر فيما تحاول تحقيقه، وعليه، يُنصح الولايات المتحدة بتشجيع أي إعادة تقييم إيرانية في هذا الخصوص، بدلاً من محاولة استغلال المأساة وجرها إلى حرب استنزاف، يجب أن يتراجع ترامب ورفاقه قليلاً وأن يظهروا بعض الاحترام للموتى.

لسوء الحظ، ومن المقلق أيضاً، أن هذه الاستراتيجية ليست أسلوب مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي الذي برز كمستشار دونالد ترامب الأكثر نفوذاً، فبومبيو، الذي لديه طموحات رئاسية، في مهمة إنجيلية شخصية لتدمير نظام طهران الذي يقوده رجال الدين، مهما كانت التكلفة في الأرواح البريئة.

من جهته، حاول محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، إيجاد تبرير لما حدث من خلال الإشارة إلى أن المأساة كانت نتيجة “المغامرة الأمريكية”، على حد وصفه، في محاولة منه لمقاسمة اللوم مع الطرف الآخر، وهو الطرف الأمريكي في هذه الحالة.

هذه التبريرات، والتي ستتكرر بالتأكيد في الأيام المقبلة، ستربك القضية بصورة كبيرة، الحقيقة هي أن إيران  اسقطت الطائرة، ومن يجب أن يتحمل اللوم هي إيران، وهو اللوم الذي قبلته إيران ضمنياً، على عكس الولايات المتحدة عام 1988 بعد أن أسقطت صواريخها الرحلة الجوية الإيرانية 655 فوق الخليج، مما أدى إلى مقتل 290 شخصًا.

ومع ذلك، فلا يجب تجاهل دور الولايات المتحدة في ذلك الحادث، فالولايات المتحدة هي من قامت بتصعيد الخلافات مع إيران بصورة لم يكن لها داع، وبشكل استفزازي وغير مسؤول، مع علمها التام أن مواجهتها مع إيران ستزيد من احتمالية وقوع حوادث من هذا القبيل.

ساعدت سياسة الولايات المتحدة بلا شك في خلق ظروف “محمومة” تسببت في حدوث هذه الكارثة، وعليه فيجب على القادة من الجانبين أن يحكموا ضميرهم قبل أي قرار جديد ويضعوا في حسبانهم الخسائر البشرية التي قد تدفعها الشعوب نتيجة لأي رد فعل منهم.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا