في مشهد جديد من مشاهد التضييق على حرية التعبير في الجامعات الأميركية، اقتحمت شرطة ولاية نيويورك، مساء الأربعاء، مقر جامعة كولومبيا لفض اعتصام مؤيد لفلسطين، مما أسفر عن اعتقال العشرات من المحتجين.

ووصف شهود عيان ما جرى بأنه تدخل عنيف من السلطات لكبح أصوات التضامن مع الشعب الفلسطيني، في وقت تتصاعد فيه الاحتجاجات المناهضة للسياسات الإسرائيلية في الولايات المتحدة.

قمع حرية التعبير في حرم كولومبيا

وبحسب ما نقلته وكالة رويترز، فقد بدأ الاعتصام داخل قاعة القراءة بالمكتبة الرئيسية لجامعة كولومبيا، حيث وقف العشرات من المحتجين على الطاولات، وقرعوا الطبول، ورفعوا لافتات داعمة لفلسطين، تعبيرًا عن رفضهم لدعم الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي. 

وصف هذا الاعتصام بأنه الأضخم منذ اندلاع الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة العام الماضي.

وروى شهود عيان كيف قامت عناصر الأمن الجامعي باقتياد المحتجين إلى خارج المبنى، لتسليمهم إلى شرطة نيويورك التي تواجدت بأعداد كبيرة، حيث وثقت مقاطع فيديو انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد تدخل الشرطة.

أظهرت المقاطع صفًا طويلاً من ضباط الشرطة وهم يقتحمون المكتبة، في حين حاول أمن الجامعة منع مجموعة أخرى من المتظاهرين من الدخول، لتتحول ساحة المكتبة إلى ساحة مواجهة بين المحتجين وعناصر الأمن.

تبريرات رسمية وتنكيل بالطلبة

وفي مواجهة موجة الانتقادات التي طالت الجامعة، أصدرت الرئيسة المؤقتة لجامعة كولومبيا، كلير شيبمان، بيانًا زعمت فيه أن تدخل الشرطة جاء لحماية “سلامة المجتمع الجامعي”، مؤكدة أن المتظاهرين طُلب منهم مرارًا إظهار هوياتهم ومغادرة المكان، لكنهم رفضوا. 

وأضافت أن الجامعة طلبت تدخل شرطة نيويورك “لتأمين المبنى وضمان سلامة الطلاب”.

على الجانب الآخر، أدان نشطاء طلابيون ومجموعات حقوقية تدخل الشرطة، معتبرين أن ما جرى كان قمعًا واضحًا لحرية التعبير. 

وأشارت منظمة طلابية تمثل المعتصمين إلى أن أفراد الأمن الجامعي اعتدوا على الطلاب، واصفة ما حدث بأنه “اعتقال عسكري” ضد ناشطين سلميين. 

وانتشرت شهادات الطلاب على وسائل التواصل الاجتماعي التي وصفت العنف الذي واجهوه بأيدي الشرطة وأمن الجامعة.

عمدة نيويورك إريك آدامز، المعروف بدعمه للمؤسسات الأمنية، دافع عن تدخل الشرطة قائلاً: “كان تدخل الشرطة ضروريًا لإخراج أشخاص يعتدون على ممتلكات الغير”، بينما اعتبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن المتظاهرين مارسوا التخريب، وأعلن أن الوزارة ستراجع تأشيرات الطلاب الذين شاركوا في الاعتصام، واصفًا إياهم بـ”بلطجية حماس”، في تصريحات اعتبرت تصعيدًا رسميًا ضد الحركة الطلابية الداعمة لفلسطين.

حرية التعبير في مهب الريح

منذ اندلاع الاحتجاجات الطلابية العام الماضي في جامعة كولومبيا ضد الحرب على غزة، واجهت الإدارة الأميركية اتهامات بتقويض حرية التعبير في الجامعات من خلال فرض ضغوط على إداراتها. 

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وصف تلك الاحتجاجات بأنها “معادية للسامية”، وهو اتهام يستخدمه المحافظون الأميركيون بشكل متكرر لقمع الأصوات المنتقدة لإسرائيل.

وتتعرض جامعة كولومبيا حاليًا لضغوط متزايدة من قبل الإدارة الأميركية بعد إلغاء منح بحثية بمئات الملايين من الدولارات للجامعة في مارس/آذار الماضي، في محاولة واضحة لفرض رقابة على النشاطات الطلابية المناهضة لإسرائيل.

وبررت الجامعة موقفها بأنها تعمل على “التصدي لمعاداة السامية وغيرها من أشكال التحيز في حرمها الجامعي”، لكنها في الواقع واجهت اتهامات من جماعات حقوقية بالسماح للحكومة الفيدرالية بالتدخل في شؤونها الداخلية.

هذه الأحداث تأتي في ظل تصاعد حالة القمع ضد الأصوات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأميركية، في مشهد يعكس تناقضات المجتمع الأميركي الذي يروج لحرية التعبير بينما يمارس القمع على أرض الواقع.

اقرأ أيضًا : ترامب يجمد تمويلات هارفارد: سلاح المال ضد مؤيدي فلسطين