في توقيت سياسي بالغ الحساسية، أعلنت الحكومة الأردنية، الثلاثاء، أنها أحبطت ما وصفتها بـ”مخططات إرهابية” تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى، بعد متابعة استخباراتية دقيقة بدأت منذ عام 2021، وفقاً لرواية المخابرات العامة.

وذكرت الحكومة أن المخططات شملت تصنيع صواريخ قصيرة المدى، وطائرات مسيرة، وامتلاك متفجرات، وتجنيد عناصر للتدريب داخل وخارج البلاد. 

لكن اللافت في الإعلان هو الربط السياسي المباشر للمعتقلين بجماعة “منحلة وغير مرخصة”، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي يطرح تساؤلات جدية حول توقيت الإعلان ودلالاته السياسية، خاصة في ظل توتر متصاعد بين النظام والحركة الإسلامية عقب فعاليات داعمة لغزة.

من جانبها، نفت جماعة الإخوان المسلمين صلتها بالمتهمين، معتبرة الإعلان محاولة لتشويه صورتها واستغلال الاتهامات لتمرير إجراءات قمعية ضدها، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الشعبية على الحكومة بسبب موقفها المتخاذل تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة.

بين الأمن والسياسة.. صراع السلطة مع “الخصم الإسلامي”

الإعلان الحكومي جاء على لسان وزير الاتصال الحكومي محمد المومني، الذي تحدث خلال مؤتمر صحفي عن “خطة مدروسة” لإثارة الفوضى داخل المملكة، تنفذها مجموعات تم ضبطها وبحوزتها معدات تصنيع أسلحة وصواريخ قصيرة المدى، تصل إلى 5 كيلومترات، إضافة إلى مخططات لتجنيد عناصر وتدريبهم خارجياً، وأشار إلى أن أربعة ملفات منفصلة تم جمعها في سياق قضية واحدة، تشمل تصنيع طائرات مسيرة وتخزين أسلحة في مستودعات سرية.

غير أن اللافت، بحسب متابعين للشأن الأردني، هو الربط السريع الذي قدمه الوزير بين هذه القضايا والانتماء السياسي للموقوفين، وهو ما فتح باب التشكيك واسعاً حول الغاية من هذا الكشف، في ظل الحديث عن أن بعض المعتقلين هم أنفسهم ممن تُحاكمهم محكمة أمن الدولة منذ يوليو 2024 بتهم دعم المقاومة الفلسطينية، وهي تهم سبق أن أثارت موجة تضامن حزبي وشعبي للمطالبة بالإفراج عنهم.

وبينما نشرت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) مقطع فيديو يظهر فيه عدد من المعتقلين وهم يعترفون بتفاصيل رحلات تدريبية إلى لبنان وتلقي دعم مالي من شخصيات مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، شككت أطراف سياسية وقانونية في مدى مصداقية هذه الاعترافات، خاصة وأن بث الفيديو يتزامن مع تصعيد الدولة في إجراءاتها ضد المعارضة الإسلامية، لا سيما بعد مشاركتها القوية في فعاليات “إضراب غزة” وإحراجها للحكومة عبر محاصرة السفارة الأميركية في عمان.

النظام في مأزق: أمن قومي أم إخضاع للشارع؟

لا يمكن تجاهل السياق العام الذي جاء فيه الإعلان عن “المخططات الإرهابية”، إذ يتزامن مع حالة غضب شعبي عارمة من موقف الحكومة الأردنية المتهم بالتقاعس عن دعم غزة وحماية الملك للاحتلال ورفضه تنفيذ مطالب الشارع بإلغاء اتفاقية الغاز مع الاحتلال وطرد السفير الإسرائيلي. 

وفي خضم ذلك، كان من اللافت القمع العنيف لفعاليات شبابية شاركت في الإضرابات الأخيرة، والاعتقالات التي طالت متظاهرين وصحفيين.

ويرى مراقبون أن النظام الأردني بقيادة الملك عبد الله الثاني يعيش اليوم مأزقاً مركباً: فمن جهة، هناك حالة غليان شعبي تتغذى من الغضب على العدوان الصهيوني وتخاذل الموقف الرسمي، ومن جهة أخرى، تصاعد نفوذ الحركة الإسلامية في الشارع وتصدرها للفعاليات الشعبية، ما يمثل تهديداً لحالة “الاستقرار الهش” الذي يتمسك به النظام.

في هذا السياق، يبدو أن النظام اختار سلوك “الطريق الأمني” التقليدي، بإعادة تدوير ملفات قديمة تحت مسمى “الإرهاب”، لاستخدامها كأداة لإضعاف خصومه، وتوجيه رسالة تحذير للشارع مفادها: “الاحتجاج السياسي قد يوصلك إلى محكمة أمن الدولة”.

ويُرجح أن يؤدي هذا التصعيد إلى مزيد من الانقسام بين الدولة والحركة الإسلامية، خاصة مع وجود مؤشرات على نية السلطات اتخاذ خطوات قاسية بحق الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي، تحت ذريعة “تورط عناصرها في تهديد الأمن القومي”، رغم أن العديد من الشخصيات المعتقلة معروفة بنشاطها السياسي السلمي، وليس لها سوابق عنفية.

الخلاصة: أزمة شرعية.. وتضييق على كل من يرفع صوته

ما بين تهديدات أمنية “مفترضة” تعود لعام 2021 وتوقيت إعلانها في أبريل 2025، تتكشف ملامح محاولة مكشوفة لإعادة ضبط المشهد السياسي الأردني بما يتناسب مع “التحالف الأمني الإقليمي” الداعم للاحتلال، لا سيما مع ضغوط خارجية لتحجيم الأصوات المؤيدة للمقاومة في الدول العربية.

ويبدو أن الملك عبد الله الثاني اختار الانحياز إلى معسكر “تأمين العلاقة مع واشنطن وتل أبيب”، ولو على حساب الداخل الأردني، مغامراً بمصداقية الدولة ومؤسساتها، ومرسلاً رسالة مفادها أن مناهضة الاحتلال باتت جريمة، وأن الانتماء السياسي الإسلامي قد يُحولك في لحظة إلى “إرهابي”.

لكن التاريخ القريب يثبت أن مثل هذه السياسات لا تنتج استقراراً، بل مزيداً من الانفجار الشعبي والانقسام المجتمعي، في بلد محاط بأزمات إقليمية، ويعيش أزمة شرعية عميقة في الداخل.

اقرأ أيضًا : اعتقال فجري لمدير كتلة العمل الإسلامي في الأردن.. تصعيد أمني في ظل حملة تحريض ضد الإخوان