العدسة – بسام الشجاعي

“مصائب قوم عند قوم فوائد”، حكمة قديمة، تلخص الحالة التي يعشيها الأزهر الشريف الآن، في خضم الأحداث التي يعشيها العالم، وخاصة “العربي والإسلامي”، منذ قرار، الرئيس الأمريكي “6 ديسمبر الجاري”، باعتبار مدينة القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

ويبدو أن الأزهر الشريف، وشيخه الدكتور “أحمد الطيب”، وجد متنفسا للخروج من تحت عباءة الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” التي أثقلته؛ حيث شهدت الأيام الماضية ما يشبه الحرب “المكتومة” بين الإمام الأكبر ورئيس الجمهورية، على الرغم من كل ما أبدته قيادات الأزهر من حسن تعاون مع السلطة طوال السنوات الأربع الماضية، والسير في ركابها ومباركة لخطوات الانقلاب على الرئيس “محمد مرسي”، في الثالث من يوليو من عام 2013.

 

هل يعود الأزهر ؟!

قضية القدس، ساهمت في سطوع نجم “الطيب” من جديد في الشارع المصري؛ حيث أعلن، في 8 ديسمبر الجاري، رفضه لقاء “مايك بنس”، نائب الرئيس الأمريكي، وذلك على خلفية إعلان “ترامب”، القدس عاصمة لـ”إسرائيل”.

فالأزهر على مدار العام الحالي، يتعرض لحملة متصاعدة في وسائل الإعلام الموالية للسلطة، تبدو أكثر عنفا مع كل حادث إرهابي تشهده البلاد.

ونقل موقع التليفزيون المصري الرسمي أن “السفارة الأمريكية بالقاهرة تقدمت بطلب رسمي في مطلع ديسمبر الجاري، لترتيب لقاء “بنس” مع فضيلة الإمام الأكبر بمشيخة الأزهر الشريف، خلال زيارته للمنطقة، والتي تأجلت للمرة الثانية حتى الآن، ووافق الإمام الأكبر في حينها على ذلك، إلا أنه بعد القرار الأمريكي بشأن مدينة القدس، أعلن رفضه الشديد”.

ونقل على لسان “الطيب” قوله: “كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون، ويجب على الرئيس الأمريكي التراجع فورا عن هذا القرار الباطل شرعا وقانونا”.

موقف “الطيب” من لقاء نائب الرئيس الأمريكي، ربما يندرج تحت “الحفاظ على حمرة الخجل” أمام العالم العربي والإسلامي، ولكن شيخ الأزهر استمر في طريقه لدعم قضية القدس، ودعا لعقد مؤتمر إسلامي موسع في القاهرة، في 18 و 19 يناير المقبل، على أن يتم دعوة قيادات فلسطينية من مختلف التوجهات في الداخل والخارج للمشاركة، وذلك خلال اتصال جمع بينه وبين رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في 12 ديسمبر.

الأمر لم يقف عند هذا الحد وحسب، فقد طالب الدكتور “عباس شومان”، وكيل الأزهر الشريف، في 8 ديسمبر، بمقاطعة ما أسماها بـ”المنتجات الصهيوأمريكية”،

وكتب “شومان”، منشورا على صفحته الشخصية بموقع “فيسبوك”، تحت عنوان “كن إيجابيا وقاطع المنتجات الصهيوأمريكية”.

ونشر وكيل الأزهر، قائمة بالمنتجات أطلق عليها “الصهيوأمريكية”، وتتضمن 32 منتجًا، حيث ختم المنشور الخاص بقوله: “قاطع المنتجات اليهودية، اغضب للأقصى”.

وبعدها بثلاثة أيام، قررت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف (أعلى تجمع إسلامي رسمي بمصر) تشكيل لجنة لصياغة مقرر عن القضية الفلسطينية ليتم تدريسه لكل مراحل التعليم الأزهري، دون أن تحدد موعده.

وأكدت “الهيئة”، في اجتماعها مع “الطيب”، في 12 ديسمبر، أن عروبة القدس وهويتها الفلسطينية غير قابلة للتغيير أو العبث بها، وأن مواثيق الأمم المتحدة تلزم الكيان الغاصب “إسرائيل” بعدم المساس بالأوضاع على الأرض ومنع أي إجراءات تخالف ذلك.

 

“الطيب” يحرج “السيسي”

ويبدو أن “الطيب” أراد أن يحرج “السيسي”، بسبب ضعف موقفه من إعلان القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، فوفقا لتقارير إعلامية، فإن مصادر قريبة من شيخ الأزهر، قالت إن موقف الإمام الأكبر من قرار “ترامب” الخاص بالقدس، “جاء بلا أي تنسيق مع أجهزة الدولة”.

المصدر الذي “تحفظ على ذكر اسمه” أكد أن “الطيب” يدرك تمامًا أن هذا القرار (رفض لقاء نائب الرئيس الأمريكي) سيغضب “السيسي”، ولكنه انتظر من النظام المصري اتخاذ موقف قوي، وحينما لم يجد، قرّر النأي بنفسه عن أي تفاهمات سياسية، باعتبار أن قضية القدس مسألة عقيدة، وقضية عادلة لا يجب غضّ الطرف عنها.

ويبدو أن “السيسي” أراد من “الطيب” أن يمضي على خطى هيئة كبار العلماء في السعودية؛ حيث خلا بياناها بشأن القدس من أي ذكر للرئيس الأميركي “دونالد ترمب” وقراره باعتبار القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها.

واكتفت الهيئة في بيانها الصادر في 6 ديسمبر الجاري، بالتأكيد على المكانة العظيمة للقدس والمسجد الأقصى في الدين الإسلامي الحنيف، وما يمثلانه من منزلة كبيرة في وجدان المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها، وقالت إن معالجة قضية فلسطين يجب أن تضع في الاعتبار هذه المكانة التي لا تنفصل عن مشاعر المسلمين ووجدانهم العام.

 

هل للخلاف سبب ؟

وعلى الرغم من المواقف التي لاقت استحسانا لدى الشارع العربي والإسلامي، إلا أنه لا يمكن تجاهل أن هنا خلافا بين “الطيب” و”السيسي”، وهو الذي قد دفع شيخ الأزهر للتغريد منفردا بعيدا عن سياسيات الدولة تجاه القدس والقضية الفلسطينية.

فـ”أحمد الطيب” هو ابن نظام الرئيس المخلوع “مبارك”، وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل.

ومؤشر هذه الخلافات دائما ما يظهر، متمثلا في صورة الانتقادات التي يوجهها الإعلام الموالي للسلطة لشيخ الأزهر فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني، وخاصة مع كل حادث إرهابي تتعرض له مصر.

وهذه الانتقادات، أخرجت “الطيب” عن صمته، حتى قال في أبريل الماضي: إن “هناك فريقين يقفان وراء الحملة “الممنهجة” (لم يوضحهما) التي تشنها وسائل الإعلام ضد الأزهر”.

وخلص – في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية- إلى أن “ما يحدث الآن من الهجوم المتكرر على الأزهر والكذب عليه، هدفه ترسيخ هذا الكذب في عقول الناس ليصدقوهم، وهناك محاولات من الغربيين والمستغربين من بني جلدتنا لضرب الأزهر”.

 

دور مرسوم

المتابع لدور الأزهر و”الطيب”، خلال السنوات الماضية، يعلم جيدا أنه لن يخرج عن الدور المرسوم له، وهو الإدانة والتحذير فقط، دون تحركات على أرض الواقع تذكر.

ففي فبراير 2013، طالب شيخ الأزهر قادة القمة الإسلامية المنعقدة في ذلك الوقت، باتخاذ مواقف موحدة وعاجلة تجاه مأساة فلسطين.

وعاد في يونيو 2015، وناشد الإمام الأكبر الدول المحبة للسلام إلى الوقوف إلى جوار الحل العادل للقضية الفلسطينية، وحماية المسجد الأقصى من الاعتداءات المتكررة، وذلك خلال لقاء “الطيب” مع الدكتور “محمود الهباش”، مستشار الرئيس الفلسطيني.

 

 الأزهر سابقا

أما على عكس نهج “الطيب”، فكان للأزهر في السابق دور مختلف، ففي يناير من العام 1956، اجتمعـت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر، وأفتت بعـدم جواز الصلح مع الكيان الصهيوني والتعاون مع الدول الداعـمة له.

وقال نص الفتوى: “الصلح مع “إسرائيل” كما يريده الداعـون إليه، لا يجوز شرعا، لما فيه من إقرار الغاصب عـلى الاستمرار في غـصبه، والاعـتراف بحقية يده عـلى ما اغـتصبه، وتمكين المعـتدي من البقاء عـلى عـدوانه، وقد أجمعـت الشرائع السماوية والوضعـية عـلى حرمة الغـصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله”.