العدسة – هادي أحمد

تناولت وكالة الأسوشيتد برس الأمريكية فى تحليلٍ مطوَّل مسيرة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، الذي وصل باريس السبت قادمًا من المملكة العربية السعودي الذي أثار وجوده فيها اللغط، حول كونه قيد الاحتجاز أم حر الحركة بعدما قدَّم استقالته المفاجئة من منصبه فى 4 نوفمبر الجاري خلال وجوده فى الرياض.

وأكَّد الحريري لوسائل الإعلام خلال وصوله إلى باريس أنه سيعود إلى بيروت لحضور احتفالات عيد الاستقلال، وأنه سيعلن كل مواقفه السياسية من هناك بعد أن يلتقي الرئيس اللبناني ميشال عون.

 وإلى نص التقرير ..

 بدأ حكمه من ظلّ والده، السياسي الشهير، والذي أحيانًا لا يمكن الاستغناء عنه، يجد نفسه بين قوتين فى المنطقة فقد شهد سعد الحريري الكثير طوال سنوات عمره التي لا تتجاوز الـ47 عامًا.

فقد تمّ اغتيال والده صاحب الشخصية الكارزمية (قائد ملهم)، ورجل الأعمال النافذ رفيق الحريري فى تفجير مدبَّر عام 2005 هزّ البلاد ودفع الشاب إلى مهنة سياسية لم يكن على أتمّ الاستعداد لها.

قاد الانتفاضة التي أنهت عقودًا من الوجود العسكري السوري فى لبنان وكان مطلوبًا بعدها من قبل حكومة دمشق لاتهامه بتسليح المتمردين الذين سعوا إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

وقد أطاح به حزب الله فى عام 2011 أثناء اجتماع مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما فى البيت الابيض، وبعد سنوات شكل حكومة وحدة وطنية مع نفس المجموعة المتورطة فى اغتيال والده.

” سعد الحريري “

لكن أكثر التحولات غرابه جاءت قبل أسبوعين، عندما استدعي من قبل حلفائه (رعاته) فى الرياض، العائلة الملكية السعودية، وفي اليوم التالي فى 4 نوفمبر قدم استقالته على التليفزيون السعودي.

فالرجل الذي لعب دورًا متوازنًا فى النظام اللبناني القائم على أسس طائفية كان يبدو أنه يلاقي مصيرًا مجهولًا، وبالمثل أيضًا بلاده.

فالحريري وجد نفسه بين القوتين المتنازعتين فى المنطقة، المملكة العربية السعودية السنية، وإيران الشيعية، مثيرًا فى الوقت ذاته العديد من الأسئلة حول مصير السلالة التي ظلت لعقود تمثل وجه السياسية فى لبنان.

وقالت بولا يعقوبيان التي أجرت حوارًا مع الحريري لفضائية المستقبل من مقرّ إقامته فى المملكة حيث يعتقد الكثيرون أنَّه محتجز هناك “أن الحريري الابن هو نسخة من الحريري فى العديد من الوجوه، لكن فى ظروف مختلفة “.

وكان والده المليادير العصامي ورئيس وزراء لبنان الأسبق، الذي جمع ثروته من المقاولات فى المملكة، وساعد فى عملية إعمار لبنان الذي مزقته الحرب.

وقتل الحريري الأب فى انفجار سيارة مفخخة فى بيروت 14 فبراير 2005 ، ويحاكم أربعة من أعضاء حزب الله من قبل المحكمة الدولية.

ودفع التفجير بشكل فوري سعد الحريري إلى دائرة الأضواء، ووكان على الحريري الابن المبتدئ فى السياسية التعلم بسرعة.

وانتقل الحريري الحاصل على درجة علمية فى الأعمال الدولية من جامعة جورج تاون إلى دوره الجديد، ولكن ظِلّ والده كان معه دائمًا.

وظَلَّ الحريري الابن لسنوات محتفظًا خلال الاجتماعات بصورة والده بحجم كبير فوق كرسي بجانبه ودبوس والده الذي لا يزال يزين به بدلته .

” رفيق الحريري “

مثل والده، يعيش الحريري حياته وسط مخاوف الاغتيال، والسفر عبر المدن بصحبة مواكب أمنية متطورة.

وقال الحريري فى خطاب الاستقالة من الرياض: إنَّ الخوف على حياته هو أحد الأسباب التي دفعته للتخلي عن منصبه، بالإضافة إلى توجيهه اللوم إلى تدخلات إيران وحزب الله فى المنطقة.

الاستقالة أصابت لبنان بالصدمة، واعتقد الكثيرون أنَّ الحريري (مزدوج الجنسية اللبنانية والسعودية) أُجْبِر من قبل السعوديين على تقديم الاستقالة التي رفض الرئيس اللبناني ميشال عون قبولها حتي يعود إلى بيروت، وخلال مقابلته مع المذيعة بولا يعقوبيان قضي الحريري أكثر من ساعة يحاول تبديد التكهنات التي تحدث احتجازه وإجباره على تقديم الاستقالة.

الحريري الذي بدى حزينًا ومرهقًا وعاطفيًا فى بعض الأحيان، تغالبه دموعه، أثار التعاطف، لكن المقابلة لن تفعل شيئًا لتخفيف الشكوك ولم تُزِدْ سوى من الدعوات الهادفة لعودته للبنان.

وقالت يعقوبيات فى وقتٍ لاحقٍ إنه يبدو أنَّ الحريري يتعرض لضغوط بينما يجد نفسه فى موقف صعب.

وأضافت “الحريري رجل طيب، والسياسة أحيانًا تحتاج إلى ثعالب.. وهو رجل جيد، وربما وبطبيعته، وربما فى السياسة لا ينبغي أن تكون على هذه الصورة.

وتحولت الاستقالة التي كانت تستهدف الضغط على شريكه فى الحكومة حزب الله للبقاء خارج الشؤون الاقليمية، إلى حملة للمطالبة بعودة الحريري إلى بلاده لتقديم استقالته بشكل رسمي أو حتى استئناف عمله.

وقال الباحث في مؤسسة القرن الأمريكية ثاناسيس كامبانيس، فى مقال بصحيفة أتلانتيك الأمريكية “إنَّ الحريري لو كان سياسيًا محنكًا؛ لكان بإمكانه استخدام كلمات أخرى، ورفض الاستقالة، أو أصرَّ على تقديمها من بيروت.

ويبدو أنَّ استقالته تسببت فى حدوث تصدعات داخل عائلته وتيار المستقبل الذي يرأسه؛ حيث تكررت الشائعات حول بدائل محتملة له.

وفى كثير من الأحيان، كان اللسان المعسول للحريري، غريبًا عن السياسة اللبنانية المعقدة وأحيانًا العنيفة.

وعلى الرغم من ثروته والشهرة الساسية المفاجئة، فقد ظلّ متواضعًا واجتماعيًا..

ففى الغداء مع الصحفيين يكون على راحتهم معهم ولكن وسط الحراسة، وغالبًا ما يتناول وجبه منفصلة من قائمة الطعام الصحي من الدجاج المشوي والخضار، قبل أن يدخن السيجار وتناول القهوة مع الحلوى.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ينشر فى كثير من الأحيان صور سلفي وهو يبتسم تجمعه مع صحفيين وسياسيين.

وشارك فى ماراثون بيروت السنوي، وأيّد الزواج المدني، المرفوض بشدة من رجال الدين فى لبنان.

وقال الحريري فى المقابلة مع يعقوبيان “أنا واحد من الناس”، وعبر عن شكره وامتنانه للناس لمطالبته الرجوع إلى بلاده.

وبينما كان الحريري دائم الانتقاد لحزب الله وإيران، وجد طريقه للعمل معهما.

ففي عام 2009،  مكَّن تقاربٌ سعودي- سوري سبقته سنوات من التوتر بعد اغتيال الحريري الاب، الحريري الابنَ من تشكيل حكومة وحدة، وكجزءٍ من تحفيف التوتر، كان على سعد الحريري مقابلة الرئيس الاسد، المتورط بقتل والده.

وقالت يعقوبيان: إن مقابلة الأحد كانت المرة الثانية التي اكتشفت فيها توتر الحريري، وذلك على مدار 5 مقابلات معه.

وفى فترة ولايته الأولى، كرئيس للوزراء، ظل الحريري لأكثر من عام مصقلًا بالإجهاد السياسيي الناجم عن تحقيقات وفاة والده، والتي وجهت أصابع الاتهام فيها للحكومة السورية.

وفى يناير 2010 ، أطاح وزراء حزب الله وحلفاؤه بحكومة الحريري، بعدما قدموا استقالتهم، وفقدت الحكومة نصابها الدستوري، مما جعله أشبه بالبطة العرجاء قبيل مقابلته للرئيس الأمريكي باراك أوباما فى واشنطن.

” حسن نصر الله “

وبعد اندلاع مظاهرات ضد الرئيس بشار الأسد تحولت سريعًا إلى تمرد مسلح، أصدرت سوريا أمرًا بالقبض على الحريري فى ديسمبر 2011 بتهمة تسليح المتمردين السنة فى سوريا ضد النظام السوري.

ولسنوات عاش الحريري فى المنفى الاختياري بين السعودية وفرنسا، قبل أن يعود فى 2016 لتشكيل حكومة جديدة .

وفى مقال بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشر فى سبتمبر 2016 ، قبل أشهر من توليه المنصب، حثّ الحريري إيران على التوقف عن التدخل فى الشؤون العربية.

ولم يكن خطابه ضد حزب الله وإيران خلال إعلانه الاستقالة مؤخرًا من المملكة فى 4 نوفمبر، مختلفًا بشكل كبير، عما سبقه.

وقال الحريري ” يمكن لإيران أن تكون جزءًا من الحل، لكن عليها أن تقبل اليد الممدودة العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية لعلاقات حسن جوار طبيعية، وأن تسمح للسنة العرب أن يتفرغوا للجهد الحقيقي للتخلص من التطرف” .

وفى ديسمبر 2016 ، عقد اتفاق ضمني آخر بين السعودية وإيران، مكّن الحريري أن يصبح رئيسًا للوزراء مرة أخرى، فى حكومة ائتلاف تضم حزب الله، وكانت بمثابة شراكة أخرى غير مستقرة وبدا أنها تترنح على حافة الانهيار، كلما أصبح حزب الله أكثر حزمًا فى المنطقة.

الرئيس الإيراني “حسن روحاني”

وفى الأيام التي سبقت الاستقالة، كان الحريري متحمسًا للمُضِيّ قدمًا نحو التقدم الاقتصادي ونشر شعارات على صفحات التواصل الاجتماعي حول الانتخابات البرلمانية المتوقعة فى الربيع، والتأكيد على ضرورة إعلاء الوحدة الوطنية فوق أي شيء آخر.

وكان آخر اجتماع للحريري فى لبنان قبل استدعائه إلى السعودية، قد جرى مع مستشار المرشد الإيراني، وانتشرت التكنهات بأنَّ الاجتماع  سبب وراء استدعاء المملكة المفاجئ.

وقال الحريري فى مقابلته مع بولا يعقوبيان، إنّه أبلغ علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الايراني، ضرورة إنهاء التدخلات الإيرانية فى الشؤون العربية.

ودفع تصريح الحريري مستشار المرشد الإيراني للتعليق نافيًا أن يكون الحريري طالب إيران بعدم التدخل فى الشؤون العربية، قائلًا: إن الحريري لم يقل خلال لقائهما لا تتدخلوا في شوؤن لبنان، أراد التوسط بصورة ما بين إيران والسعودية ورحبنا بذلك”.