قامت الأمم المتحدة بنشر تقرير صادم حول معاملة السجناء داخل مقار الاحتجاز العراقية، والذي قال إن السلطات العراقية، تحرم بشكل روتيني، السجناء من أبسط حقوقهم حيث يتم يتعرضون للعنف أثناء الاحتجاز، فضلاً عن تعريضهم لمحاكمات غير عادلة.
التقرير الصادر عن مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة للعراق، وصف السجون العراقية بأنها “متاهة من الظلم”، حيث كشف أن عشرات الآلاف من السجناء يعانون من ظروف احتجاز قاسية يتعرضون خلالها للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية والمهينة.
ولفت التقرير أن الاعترافات التي تعتمد عليها الجهات القضائية في إدانة السجناء يتم انتزاعها بالتعذيب في أغلب الأحيان، مع حرمان معظم المعتقلين من التمثيل القانوني خلال جلسات المحاكمة أو التواصل مع محامي خلال فترة التقاضي، بل يوجد معتقلون لا يعرفون حتى أي سلطة تحتجزهم.
وكشف التقرير أن هناك أكثر من 40 ألف نزيل يتكدسون في السجون في جميع أنحاء العراق، ووفقاً للسجلات القضائية والمحاكم التي اطلع عليها التقرير فإن نصف هؤلاء المعتقلين تقريباً اعتقلوا بتهم تتعلق بالإرهاب، ثم حوكموا في نظام لا يبذل سوى القليل من الجهد للتأكد من صحة الأدلة المقدمة ضدهم.
يستند تقرير الأمم المتحدة إلى 235 مقابلة مع محتجزين حاليين أو سابقين، بالإضافة إلى لقاءات تمت مع موظفي السجون والقضاة والمحامين وأهالي المعتقلين والأطراف الأخرى ذات الصلة.
قال نصف المعتقلين على الأقل إنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الاستجواب بهدف انتزاع الاعترافات منهم، وهي ممارسات شهيرة لطالما انتقدتها جماعات حقوق الإنسان المختلفة، التي قالت إن المحتجزين ينتهي بهم الأمر في كثير من الأحيان إلى توقيع وثائق اعتراف بجرائم لم يقوموا بارتكابها.
وأوضح التقرير أن أساليب الاعتداءات والتعذيب تشمل الضرب المبرح، وبعضها على باطن القدمين، وكذلك الصعق بالكهرباء، والوضعيات المجهدة، والخنق، كما وردت إفادات عن وقوع أعمال عنف جنسي، لكن المحتجزين قالوا إنهم “لا يستطيعون التحدث عنها”.
خلال المقابلات، كانت الأجهزة الأمنية العراقية الأكثر اتهاماً بالتعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة هي وزارة الداخلية في العراق الفيدرالي، التي تدار من بغداد، والأسايش (قوات الأمن الداخلي الكردية) في المنطقة الكردية بالعراق.
من خلال ما جاء في التقرير، يتضح أن الأمم المتحدة لم تتمكن من الوصول إلى المواقع التي تديرها الجماعات شبه العسكرية العراقية ذات الغالبية الشيعية، لكن في مقابلات مع الواشنطن بوست، يقول معتقلون سابقون إن أساليب التعذيب داخل مقار الاحتجاز هناك تتشابه كثيراً مع أساليب التعذيب على يد القوات الأخرى.
من جانبها، وتعليقاً على التقرير قالت صحيفة واشنطن بوست إن الولايات المتحدة، التي تدعم حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ورغم انتقادها الدائم لممارسات الميليشيات المرتبطة بإيران، إلا أنها نادرا ما تعلق على الانتهاكات وغياب المساءلة في أماكن أخرى بالعراق.
والجدير بالذكر أن واشنطن قدمت للعراق ما لا يقل عن 1.25 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي منذ عام 2015.
الانتهاكات المصاحبة للاعتقال لا تقع على المعتقل وحسب، بل تشمل عائلته أيضاً، عندما يتم القبض على شخص من قبل قوات الأمن العراقية، تُترك العائلات في البداية مع معلومات قليلة جداً لا تساعد في تحديد مصير ذويها.
في مقابلات الأمم المتحدة مع 285 حالة، أفاد المحتجزون أنهم كافحوا كثيراً لإعلام عائلاتهم بما كان يحدث، فضلاً عن حرمانهم من المحامين.
مؤخراً، اصطفت تلك العائلات داخل مكتب في مفوضية حقوق الإنسان العراقية، وكانت أوراق ذويها في يديهم بينما كانوا ينتظرون فرصتهم للتحدث إلى فاتن الحلفي، مسؤولة حقوق الإنسان.
جلست بعض الأمهات في صمت، ورؤوسهن لأسفل، وهن يقومون بالدعاء لأبنائهن المعتقلين، بينما أصر آخرون على ضرورة التحدث.
قالت امرأة مسنة، تُدعى جميلة محمد، وهي تلوح بملف سميك في يدها: “نريدك أن تساعدنا”، “لقد وثقنا كل شيء. نحن فقط بحاجة إلى من يستمع إلينا “.
قال جميعهم تقريبا إن أقاربهم أخبروهم بأنهم تعرضوا للتعذيب في السجون، مشيرين أن التعذيب تسبب في إصابة الكثير من أبنائهم بإعاقات جسدية وعاهات مستديمة.
بينما قالت امرأة أخرى إنها لا تستطيع حتى التحدث عن وضع ابنها لأنها لا تعرف مصيره، حيث قالت “ابني مفقود… نحن بحاجة إلى معرفة مكان احتجازه”.
وقال تقرير الأمم المتحدة الذي صدر يوم الثلاثاء إنه على الرغم من وجود آليات لتسجيل مزاعم التعذيب، فإن السلطات تتجاهلها في كثير من الأحيان.
من بين 1406 شكوى تلقاها مجلس القضاء الأعلى العراقي في عام 2020، تم التحقيق في 18 حالة فقط، دون معرفة النتائج.
وجاء في التقرير أن “عدم الامتثال للشروط القانونية والضمانات الإجرائية لا يجعل فقط من المستحيل توفير عدالة نزيهة وشفافة، بل يساهم هذا في خلق مساحة واسعة للممارسات البغيضة مثل التعذيب وسوء المعاملة”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا