العدسة – أحمد حسين

التجربة تقول إن الجزائر لم تشهد عبر تاريخها انتخابات حقيقية تتوافر فيها معايير الشفافية والنزاهة المتعارف عليها، خاصة تلك التي أُجريت في عهد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة منذ عام 1999، وحتى الآن.

وعلى مدار 4 فترات رئاسية للرجل، ورغم وجود منافسين إلا أنها كانت استفتاءات أكثر منها انتخابات، كانت أقل نتيجة حصل عليها بوتفليقة كرئيس 81% في آخر انتخابات رئاسية عام 2014.

فهل تكون الانتخابات المقررة أبريل المقبل نسخة مكررة يبدأ بعدها بوتفليقة ولايته الخامسة، أم تشهد الجزائر انتخابات حقيقية، ربما يصعد من خلالها وجه جديد؟.

أوكازيون الترشح

ورغم أن بوتفليقة لم يعلن رسميا ترشحه للانتخابات، إلا أن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، نشر بيانا اعتبر بمثابة مؤشر قوي على عزم بوتفليقة الترشح لفترة خامسة.

وقال الحزب في البيان، إن “مناضلي الحزب، في جميع مواقعهم، عازمون، كما كانوا دائما، على دعم ومرافقة برنامج الرئيس، والاستعداد الجيد للانتخابات الرئاسية، حتى تكون الجزائر على موعد مع الانتصار، استكمالا للمشروع النهضوي رئيس الجمهورية المجاهد عبد العزيز بوتفليقة”.

واستند الحزب في دفاعه من أجل ضرورة ترشح بوتفليقة، إلى “جهوده في إخماد الفتن وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، إضافة إلى مبادرة تسديد الديون التي أثقلت كاهل الجزائر، ومنجزاته في تنمية البلاد في مختلف المجالات”.

(حزب الجزائر الحاكم مصر على استمرار بوتفليقة)

 

على الجانب الآخر (المعارضة) قررت “حركة مجتمع السلم” أبرز حزب إسلامي في الجزائر والمحسوبة على الإخوان المسلمين، المشاركة في الانتخابات بعد أن قرر مجلس الشورى بأغلبية ساحقة المشاركة وتقديم عبد الرزاق مقري رئيس الحركة مرشحا للحزب فيها.

“بو جرة سلطاني” الرئيس السابق للحركة تحدث كثيرون عن نيته دخول السباق باسم الحزب، لكنه أعلن أنه قرر سحب ترشحه بعد استشارات قام بها.

“مقري” ثاني شخصية إسلامية تعلن دخول السباق رسميا بعد الوزير الأسبق عبد القادر بن قرينة، رئيس حركة البناء الوطني وهو حزب أسسه قبل سنوات قليلة قياديون منشقون عن حركة مجتمع السلم.

المرشح المحتمل قال: “إذا انتخبنا الشعب لرئاسة الجمهورية، فسيكون أول مشروع لي التوافق الوطني وجمع الجزائريين والطبقة السياسية حول رؤية سياسية واقتصادية تخرج البلد من الأزمة”.

ورأى أن الحديث عن العهدة الخامسة (للرئيس بوتفليقة) “فخ يُراد به تحييد وتجميد الأحزاب السياسية في هذا الاستحقاق وإخلاء الساحة أمام جهات معينة فقط”.

(حديث مقري عن الجيش يشكل صداما مبكرا)

 

ولم ينس “مقري” الحديث عن الجيش الذي يقال إنه يتحكم بشكل أو بآخر في اختيار رئيس البلاد، قائلا: “دور الجيش هو أن يحمي ما يتفق عليه السياسيون وأن يكون حياديا، وأن يؤمن سير الانتخابات”.

وتخطت أعداد طلبات الترشح للانتخابات 100 طلب بعد أسبوع من فتح باب التقدم، في رقم قياسي لم تسجله البلاد من قبل، بينها 13 لرؤساء أحزاب سياسية، و88 لمرشحين مستقلين، لكن غالبية من قدموا طلبات الترشح شخصيات مغمورة في الساحة السياسية.

ويشترط قانون الانتخابات الجزائري حصول المرشح للرئاسيات على 60 ألف توقيع لمواطنين عبر محافظات البلاد المختلفة، أو 600 توقيع لمنتخبين محليين في البلديات والولايات (المحافظات) أو في البرلمان بغرفتيه.

 

الإخوان يربكون المشهد

ولعل دخول الإخوان متمثلين في حركة مجتمع السلم يحتمل أحد أمرين، أولهما إرباك المشهد السياسي وإفشال مخطط السلطات الحاكمة لاستمرار بوتفليقة في حكم البلاد أو على الأقل كشف مخططات التزوير، أما الثاني فينطوي على المشاركة في مشهد مسرحي متكامل الأركان حتى يخرج الأمر في شكل انتخابات تنافسية.

حديث “مقري” السابق عن دور الجيش في تأمين الانتخابات دون تدخل في العملية الانتخابية، يؤشر على احتمالية تحقق السيناريو الأول والمستهدف من ترشحه.

من المؤكد أن دخول بوتفليقة السباق الرئاسي مجددا سيجعل منه نسخة طبق الأصل لانتخابات 2014، وناب عنه قادة أحزاب الموالاة في تنشيط حملته الدعائية بسبب وضعه الصحي.

وبحسب تقرير نشرته مجلة The Economist البريطانية فإن المعطيات الحالية تشير إلى أن بوتفليقة سيفوز على الأرجح بولاية خامسة.

(هل يقبض الرئيس على الجيش أم أن الأخير يتحكم؟)

 

ويعود قرار ترشحه، ومن ثم فوزه من عدمه هذه المرة إلى عصبة الجنرالات ورجال الأعمال والسياسيين، المعروفة باسم “السلطة- le pouvoir” الذين يحكمون الجزائر.

تلك العصبة الحاكمة هي التي أبقت بوتفليقة في السلطة رغم حالته الصحية، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أنهم لا يستطيعون الاتفاق على خليفة له، ما يجعل معظمهم على الأرجح يؤيدون خطوة إعادة انتخابه.

وعليه فإن تحديد ما إذا كانت مشاركة حركة مجتمع السلم في الانتخابات تهدف إلى المنافسة الحقيقية أم رسم صورة تجميلية لانتخابات معدة سلفا، ترجع إلى موقف العصبة الحاكمة من تلك المشاركة.

لماذا الغموض؟

وعلى الرغم من أن شخصيات ذات ثقل شعبي وسياسي أفصحت عن نيتها الترشح للانتخابات، إلا أن غالبية الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل في الجزائر لا تزال تلتزم الصمت بشأن موقفها من هذا السباق.

يبدو أن هؤلاء ومن بينهم جنرالات متقاعدون وسياسيون مخضرمون ينتظرون موقف بوتفليقة النهائي من الترشح، حيث يرفض أغلبهم الترشح في حال وجوده.

“سعد بوعقبة” الكاتب الجزائري المعروف، لخص هذا الوضع في مقال رأي بصحيفة الخبر نُشر قبل أيام، مشيرا إلى أن الغموض “مسألة مقصودة من السلطة”.

السبب وراء هذا الغموض وفق رأيه يتمثل في “تقويض أي احتمال يمكن أن يقدم عليه خصوم السلطة، وبذلك تقوم السلطة بإعداد الانتخابات في جو من السرية لا تعرفها إلا السلطة؟!”.

وتابع: ” الآن كل شيء غامض وأعين الناس شاخصة، هل يقوم الرئيس باستدعاء الهيئة الناخبة أم لا؟! وبعدها ستشخص الأبصار نحو شهر فبراير، حيث نهاية فترة الترشح، هل يترشح الرئيس أم لا؟! ومن سيترشح مكانه كممثل للسلطة في حالة ما إذا لم يترشح الرئيس؟!”.

(تزوير الانتخابات لم يعد ممكنا كما كان سابقا)

 

ونقل الكاتب عن أحد مصادره إن “السلطة الفعلية وواجهتها السياسية في الرئاسة اتفقتا على إلهاء الأحزاب شبه المعارضة، ومن خلالهم الطامحين إلى كرسي الرئاسة، فأطلقتا حكاية التمديد والندوة الوطنية وتغيير الدستور كي ينشغل الناس بهذا العظم ولا ينصرفون إلى التفكير في التكتل والتجمع حول شخصية واحدة يمكن أن تكون خطرا على مرشح السلطة سواء كان عهدة خامسة أو مرشحا آخر!”.

ورأى الكاتب في تقديره بأن الغموض مقصود من السلطة لتمرير مرشحها أن السلطة “لم تعد تتحكم كما يجب في الجهاز الوطني للتزوير، ولذلك فإن الوضوح السياسي المبكر يزيد من متاعب السلطة في هذه الانتخابات، ويصعّب من إمكانية تمرير مرشحها بسهولة”.