في تصريح لافت ومثير للجدل، كشف المسؤول السابق عن ملف الأسرى في الموساد الإسرائيلي، رامي إيجرا، أن سكان “تل أبيب” قد يبدون استعداداً أكبر للهجرة إذا عرض عليهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بطاقات “جرين كارد”، مقارنة بسكان غزة، الذين يرفضون بشدة مشاريع التهجير. هذا التصريح يُلقي الضوء على التناقض الواضح بين الإسرائيليين والفلسطينيين فيما يتعلق بارتباطهم بالأرض، ويبرز أزمة الهوية والانتماء داخل المجتمع الإسرائيلي.
هجرة الإسرائيليين.. بحث دائم عن الفرص
تشهد إسرائيل منذ سنوات ظاهرة متزايدة للهجرة العكسية، حيث يبحث الكثير من الإسرائيليين عن فرص للهجرة إلى دول أخرى، خاصة الولايات المتحدة وكندا وأوروبا. تتعدد أسباب هذه الظاهرة، أبرزها:
- الأوضاع الأمنية المتوترة: يعيش الإسرائيليون تحت تهديد دائم بالصراعات والحروب مع الفلسطينيين والدول المجاورة، ما يدفع الكثيرين للبحث عن حياة أكثر أمناً واستقراراً.
- الأزمات الاجتماعية والاقتصادية: ارتفاع تكاليف المعيشة، الفجوة بين الأغنياء والفقراء، والصراعات الداخلية بين التيارات الدينية والعلمانية تسهم في تفاقم حالة عدم الرضا داخل إسرائيل.
- الجنسية المزدوجة: العديد من الإسرائيليين يحملون جنسيات مزدوجة، ما يسهل لهم مغادرة البلاد والاستقرار في أماكن أخرى بمجرد توفر الفرصة.
وفقاً لتقارير رسمية، فإن الهجرة العكسية من إسرائيل تزداد بوتيرة ملحوظة، خاصة بين الأجيال الشابة والمتعلمة، التي ترى في الهجرة فرصة لتحسين مستوى معيشتها والابتعاد عن التوترات السياسية والأمنية.

هروب الإسرائيليين
تفريط الإسرائيليين في “الوطن القومي”
التصريح الذي أدلى به رامي إيجرا يعكس ضعف الارتباط العاطفي للكثير من الإسرائيليين بأرض فلسطين المحتلة، التي يرونها مجرد مكان للإقامة المؤقتة يمكن استبداله بفرصة أفضل في الخارج. هذه الظاهرة تبرز تناقضاً صارخاً مع الفكرة التي تأسست عليها إسرائيل كـ”وطن قومي لليهود”، حيث يفترض أن تكون هذه الأرض المكان الآمن والأبدي لليهود.
العديد من الإسرائيليين لا يشعرون بالالتزام العاطفي تجاه “الوطن”، بل يعتبرونه مشروعاً قابلاً للتخلي عنه إذا توافرت الظروف الملائمة. الجنسيات المزدوجة التي يحملها الإسرائيليون، خاصة من الدول الغربية، تجعلهم مستعدين للانتقال إلى أماكن أخرى بمجرد أن تسنح الفرصة، ما يضعف من استقرار المشروع الصهيوني على المدى الطويل.
تمسك الفلسطينيين بأرضهم
على النقيض تماماً، يظهر الفلسطينيون تمسكاً راسخاً بأرضهم، رغم المعاناة اليومية التي يعيشونها بسبب الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في غزة الذين يعانوا من الحصار المستمر، والدمار الناتج عن حرب الإبادة منذ 15 شهرًا، والذين يرفضون تماماً أي مشاريع تهجير تُعرض عليهم.
- رفض مشاريع التهجير: تاريخياً، رفض الفلسطينيون كل محاولات الاحتلال لتهجيرهم أو إخراجهم من أراضيهم، سواء عبر القوة العسكرية أو الإغراءات المادية. تمسكهم بأرضهم يعكس ارتباطاً عميقاً بهويتهم الوطنية ورغبتهم في استعادة حقوقهم المشروعة.
- الثبات في وجه التحديات: على الرغم من محاولات الاحتلال المستمرة لطمس الهوية الفلسطينية، يُظهر الفلسطينيون ثباتاً استثنائياً على الأرض، حيث يعتبرون بقائهم في وطنهم شكلاً من أشكال المقاومة.
رسائل متناقضة بين الشعبين
التناقض بين استعداد الإسرائيليين للهجرة وتمسك الفلسطينيين بأرضهم يرسل رسائل واضحة:
- قوة الهوية الفلسطينية: الفلسطينيون يظهرون ارتباطاً لا يمكن كسره بوطنهم، ويعتبرون الأرض جزءاً لا يتجزأ من هويتهم.
- هشاشة المشروع الصهيوني: استعداد الإسرائيليين للتخلي عن “وطنهم القومي” يكشف ضعف المشروع الصهيوني، الذي يعتمد على القوة العسكرية والدعم الدولي أكثر من ارتباط حقيقي بين السكان والأرض.
- فشل مشاريع الاحتلال: استمرار المقاومة الفلسطينية ورفض التهجير يشير إلى أن محاولات الاحتلال لاقتلاع الفلسطينيين من جذورهم محكوم عليها بالفشل.
الدور الأميركي في دعم الهجرة
منذ سنوات، تعمل الإدارات الأميركية المتعاقبة، خاصة خلال عهد ترامب، على دعم إسرائيل اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، لكنها لم تستطع معالجة أزمة الهوية الإسرائيلية أو وقف ظاهرة الهجرة العكسية. إذا عُرضت بطاقات “جرين كارد” على سكان “تل أبيب”، فإن ذلك لن يُظهر فقط رغبة الإسرائيليين في مغادرة البلاد، بل سيبرز فشل السياسات الأميركية في خلق استقرار داخلي حقيقي في إسرائيل.
الأرض لأهلها
تصريحات رامي إيجرا تسلط الضوء على حقيقة صادمة للمجتمع الإسرائيلي والعالم: الإسرائيليون ليسوا متمسكين بأرض فلسطين المحتلة كما يدعي قادتهم. في المقابل، يثبت الفلسطينيون يومياً أنهم أصحاب الأرض الحقيقيون، الذين لا يمكن انتزاعهم منها مهما كانت الظروف.
الفرق الجوهري بين الشعبين يظهر في ارتباط الفلسطينيين العميق بهويتهم الوطنية وأرضهم، مقابل تعامل الإسرائيليين مع “الوطن” كمشروع مؤقت يمكن التخلي عنه بسهولة. هذه الحقيقة تجعل من الصعب على الاحتلال تحقيق أهدافه طويلة الأمد في السيطرة على الأرض وتشريد سكانها الأصليين.
اقرأ أيضا: تزايد هجرة الإسرائيليين من فلسطين
اضف تعليقا