في خطوة تعكس مجددًا حجم التقارب السياسي والدبلوماسي بين النظام الإماراتي والاحتلال الإسرائيلي، اختتم زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، زيارة “غير معلنة” إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، التقى خلالها بالرئيس محمد بن زايد ومسؤولين كبار، في وقت حساس يشهد تسارعًا في المفاوضات بشأن اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال.

زيارة مفاجئة ورسائل سياسية متعددة

أعلن لابيد – في منشور مقتضب على منصة “إكس” صباح اليوم الجمعة – عن اختتام زيارته السريعة إلى الإمارات، موضحًا أنه التقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ووزير الخارجية عبد الله بن زايد، وبحث معهما ما وصفه بـ”التطورات الإقليمية والأهمية القصوى لعودة جميع المختطفين”، في إشارة إلى الجنود والمستوطنين الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منذ عام 2014، وبعضهم أُسر خلال العدوان الحالي.

اللافت أن الزيارة لم يُعلن عنها مسبقًا، وهو ما يكشف عن حساسية توقيتها، سواء في الداخل الإسرائيلي أو على الساحة الإقليمية، خصوصًا مع اشتداد الضغوط السياسية والشعبية في إسرائيل على حكومة نتنياهو لإنهاء الحرب، واستعادة الأسرى بأي ثمن، في ظل خسائر فادحة يتكبدها الجيش يوميًا في غزة، ومعنويات متدنية في صفوف الجنود وعائلاتهم.

اختيار لابيد –زعيم المعارضة وأبرز خصوم نتنياهو السياسيين– للقيام بهذه الزيارة في هذا التوقيت، يكشف عن محاولة من أطراف في المؤسسة السياسية الإسرائيلية لخلق قنوات موازية للتفاوض والدبلوماسية الإقليمية، خصوصًا مع الأنظمة التي أبرمت اتفاقات تطبيع مع الاحتلال كالإمارات، والتي أثبتت مرارًا أنها مستعدة للعب دور يتجاوز الوساطة إلى الدعم السياسي المباشر للاحتلال.

الإمارات في دور الحاضنة السياسية للاحتلال

منذ توقيع اتفاقيات “أبراهام” عام 2020، فتحت أبوظبي أبوابها على مصراعيها لاستقبال كبار المسؤولين الإسرائيليين من مختلف الأطياف السياسية والأمنية، وتحوّلت إلى وجهة مفضلة للمسؤولين في تل أبيب لتمرير الرسائل، والتقاط الصور التي تُستخدم لاحقًا في الحملات الانتخابية الداخلية.

وتكشف هذه الزيارة عن حقيقة ثابتة مفادها أن النظام الإماراتي لا يتعامل مع القضية الفلسطينية من منطلق التضامن أو الحقوق التاريخية، بل من منطلق المصالح الاستراتيجية مع الاحتلال، حتى وإن كان الزائر شخصية معارضة لحكومة نتنياهو.

فلبيد، الذي شغل سابقًا منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، هو أحد مهندسي اتفاقات التطبيع مع أبوظبي، كما أنه يفاخر بكونه أول مسؤول إسرائيلي يفتتح سفارة إسرائيلية رسمية في الإمارات في يوليو 2021، وهو ما يجعل العلاقة بينه وبين الأسرة الحاكمة في أبوظبي ليست وليدة اللحظة، بل راسخة.

وبينما تغرق غزة في القصف والمجازر اليومية التي ترتكبها آلة الحرب الإسرائيلية، وبينما ترتفع أصوات الملايين حول العالم مطالبة بوقف الجرائم ومحاسبة الاحتلال، يختار النظام الإماراتي أن يحتضن زعيمًا إسرائيليًا في قصر الرئاسة، ليمنحه شرعية سياسية ودبلوماسية يفتقدها في الداخل الإسرائيلي.

أهداف الزيارة ورسائلها ضمنيًا

تحمل زيارة لبيد جملة من الرسائل، أبرزها:

  1. محاولة رسم خط تفاوضي موازٍ لنتنياهو: إذ تشير تقارير إلى وجود خلافات عميقة بين المعارضة والحكومة بشأن إدارة الحرب وملف الأسرى، وتوقيت وقف إطلاق النار. وقد تكون زيارة لبيد محاولة لكسب دعم إقليمي لنهج بديل يتبناه “معسكر التغيير” في إسرائيل.

  2. تعزيز صورة لبيد كبديل جاهز لنتنياهو: عبر لقائه مع محمد بن زايد، يحاول لبيد أن يظهر كرجل دولة يحظى بقبول إقليمي، قادر على إعادة العلاقات الدولية إلى “طابعها المدني والدبلوماسي” بدلًا من الصورة الأمنية والعسكرية التي طغت في عهد نتنياهو.

  3. تثبيت التطبيع رغم جرائم الحرب: في ظل إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن مذكرة توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، تبدو الزيارة بمثابة رسالة من أبوظبي بأن التطبيع سيستمر بصرف النظر عن الجرائم المرتكبة، ما يمثل تحديًا صارخًا للقانون الدولي ومشاعر شعوب المنطقة.

  4. التمهيد لتسوية إقليمية قادمة: يتزامن توقيت الزيارة مع ما وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بإمكانية إعلان اتفاق وقف إطلاق نار قريب، قد يتم الكشف عنه خلال زيارة نتنياهو المرتقبة لواشنطن، الأمر الذي يجعل زيارة لبيد جزءًا من مشهد الترتيبات النهائية أو محاولات التأثير عليها.

نتنياهو تحت الضغط والإمارات تدعم البدائل

يتزامن هذا التحرك مع تقارير متزايدة عن موافقة نتنياهو على العرض الأخير الذي تقدم به الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وهو ما أكده إعلام عبري نقلاً عن مصادر رسمية، إلى جانب استعداد الولايات المتحدة للإعلان عن الاتفاق خلال زيارة نتنياهو لواشنطن.

ويرى مراقبون أن التحرك الإماراتي لعقد لقاء مع لبيد قد يعكس تحولاً تكتيكياً في سياسة أبوظبي نحو دعم شخصيات إسرائيلية أقل تطرفًا من نتنياهو، على أمل تهيئة الأرضية السياسية لما بعد الحرب، وخصوصًا في حال اتسعت دائرة الاتهامات الجنائية الدولية بحق قادة الاحتلال الحاليين.

خاتمة: تطبيع فوق الدم

زيارة لبيد إلى أبوظبي ليست حدثًا عابرًا، بل هي مؤشر جديد على حجم التواطؤ الرسمي العربي مع الاحتلال، وعلى رأسه النظام الإماراتي، الذي يواصل تقديم خدمات سياسية ودبلوماسية مجانية لتل أبيب، في الوقت الذي تحترق فيه غزة، وتُسفك دماء الأطفال والنساء بلا رحمة.

إن هذا المشهد يعكس بشكل فاضح مدى انفصال الأنظمة عن قضايا شعوبها، ومدى استعدادها للتحالف مع مجرمي الحرب طمعًا في النفوذ أو الحماية. وفي ظل استمرار هذا النهج، تبقى معركة الوعي الشعبي، ورفض التطبيع، أحد أهم خطوط المقاومة التي يجب أن تُصان.

اقرأ أيضًا : ألقيت على مقهى.. قنبلة وزنها 500 رطل تفضح وحشية الاحتلال في غزة وصمت العالم