في خطوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام داخل الأوساط الإعلامية والثقافية، أعلن النظام الإماراتي عن قرار يقضي بمنع غير الإماراتيين من التحدث باللهجة الإماراتية في وسائل الإعلام داخل الدولة. 

القرار الذي وُصف بأنه يهدف إلى “حماية الهوية الثقافية” سرعان ما تحوّل إلى مادة مثيرة للجدل، حيث اعتبره كثيرون تصرفًا يحمل طابعًا عنصريًا وتمييزيًا في حق المقيمين والعاملين في الإعلام، بل وحتى في حق اللغة والثقافة الإماراتية ذاتها.

يؤكد القرار أن استخدام اللهجة المحلية سيكون محصورًا في مواطني الدولة فقط، كما يجب على من يتحدث بها ارتداء الزي الوطني، وذلك وفقًا لتصريحات عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام ورئيس مجلس الإمارات للإعلام. 

هذا التقييد الجديد يأتي بعد سياسة إعلامية تم تطبيقها منذ ثلاثة أشهر، تسعى – بحسب القائمين عليها – إلى ضمان تقديم صورة دقيقة للهوية الوطنية.

الهوية الثقافية بين الحماية والانغلاق

من الناحية الشكلية، يبدو القرار جزءًا من مساعٍ حكومية للحفاظ على التراث الثقافي، وهو هدف مشروع بحد ذاته. 

فقد شهدت السنوات الماضية تراجعًا ملحوظًا في حضور اللهجات المحلية في الإعلام الخليجي، خاصةً مع تصاعد العولمة الإعلامية واختلاط اللغات واللهجات في البرامج والمنصات الرقمية. وفي ظل هذا التداخل، تسعى بعض الدول إلى فرض ضوابط تضمن عدم “تشويه” لهجاتها أو تحويلها إلى أدوات للتهكم أو التسلية.

لكن السؤال هنا: هل حظر استخدام اللهجة من قبل غير المواطنين هو السبيل الصحيح لتحقيق هذه الغاية؟ الواقع أن اللهجة – مثلها مثل أي عنصر ثقافي – تزداد قوةً كلما انتشرت بين الشعوب وتحوّلت إلى رمز جذب لا أداة إقصاء. 

في كثير من الدول، يُنظر إلى استخدام الأجانب للهجات المحلية كنوع من التقدير والاحترام للثقافة، لا كتهديد لها.

والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فاللهجة المصرية، مثلاً، أصبحت علامة فارقة في العالم العربي، وساهم انتشارها في ترسيخ مكانة مصر الثقافية.

كما أن المغنيين والممثلين من جنسيات غير لبنانية كثيرًا ما يستخدمون اللهجة اللبنانية تقديرًا لتأثيرها. فهل من الحكمة إذًا أن تختار الإمارات الطريق المعاكس؟.

التمييز في صورة ثقافية: عندما تصبح اللهجة حكرًا

ما يثير القلق الأكبر في هذا القرار هو الطابع الإقصائي الواضح. فبدلًا من الانفتاح الثقافي، يعزز القرار الانغلاق ويكرّس لخطاب عنصري مبطن: “اللهجة لنا وحدنا”، “من أنتم لتتكلموا مثلنا؟”. 

وهذه ليست مسألة لغوية فحسب، بل هي أيضًا مسألة رمزية تمس مفاهيم الانتماء، والهوية، والمواطنة.

حين يُمنع إعلامي مقيم – يعيش في الإمارات منذ سنوات – من التحدث باللهجة المحلية، فإنه يُقصى ليس فقط من المشهد الإعلامي، بل من دوائر الاندماج الاجتماعي. 

القرار يُفهم ضمنيًا على أنه رسم لجدران غير مرئية بين المواطن والمقيم، في وقت تتفاخر فيه الإمارات بأنها “موطن لأكثر من 200 جنسية” و”بيئة حاضنة للتنوع الثقافي”.

ثم إن اشتراط ارتداء الزي الإماراتي مع التحدث باللهجة المحلية، يضيف بعدًا شكليًا يعزز هذا الفصل بين “من يحق له” و”من لا يحق له”، مما يفرغ المفاهيم الثقافية من عمقها، ويحيلها إلى شعارات شكلية لا أكثر.

ردود فعل متباينة: بين التأييد والاستنكار

القرار قوبل بتأييد محدود داخل بعض الأوساط الإماراتية التي ترى فيه استعادة للهوية الثقافية المهددة وسط سيل من التغييرات الإعلامية. 

غير أن معظم الردود، خاصةً من المهتمين بالإعلام والثقافة، اعتبرت القرار تراجعًا في الحريات وفرضًا لنمط محدد من التعبير لا يعكس روح التسامح والانفتاح التي تروج لها الإمارات على الصعيد الدولي.

العديد من النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي وصفوا القرار بأنه “خطوة عنصرية مغطاة بثوب الثقافة”، معتبرين أن اللهجات ليست ملكًا لأحد، وأن من حق أي شخص يتحدث العربية أن يستخدم اللهجة التي يراها مناسبة، خاصةً إذا  عاش في بيئة معينة وتأثر بها.

الإمارات تحظر لهجتها على غير المواطنين: حماية ثقافة أم تمييز عنصري؟

الإمارات تحظر لهجتها على غير المواطنين: حماية ثقافة أم تمييز عنصري؟

 

خاتمة: هل تسير الإمارات في الاتجاه الصحيح؟

الهوية الوطنية أمر ثمين يستحق الحماية، لكن الوسائل المستخدمة لحمايته لا يجب أن تؤدي إلى التمييز أو القطيعة. 

فبدلاً من فرض قيود على استخدام اللهجة الإماراتية، كان يمكن للإعلام الرسمي أن ينتج محتوى نوعيًا يعزز مكانتها ويقدمها بشكل محترم.

اللغة واللهجة ليستا مجرد أدوات تواصل، بل هما أيضًا جسور تفاعل حضاري. وكلما سمحت الشعوب لغيرها باستخدام رموزها الثقافية، كلما ازدادت هذه الرموز قيمةً وتأثيرًا.

أما حين تُختزل اللهجة في شهادة ميلاد أو زي تقليدي، فإنها تتحوّل إلى عنصر إقصائي يخالف جوهر الثقافة الحقيقي.

الإمارات، كدولة تسعى لتكون نموذجًا عالميًا في التعايش والانفتاح، مطالبة بمراجعة هذا القرار، ليس فقط لحماية لهجتها، بل لحماية صورتها أمام العالم.

اقرأ أيضًا : تحقيق استقصائي: النظام الإماراتي موّل ميليشيا الدعم السريع في السودان عبر صفقة سلاح أوروبية بقيمة 50 مليون يورو