في خطوة تثير الكثير من التساؤلات، تستعد الإمارات لشراء بنك القاهرة مقابل مليار دولار، وهو مبلغ أقل بكثير مما عرض قبل 17 عامًا عندما حاول البنك الأهلي اليوناني شراء البنك نفسه بمبلغ 2.25 مليار دولار، لكن الحكومة المصرية آنذاك رفضت الصفقة. اليوم، يُطرح السؤال الأهم: لماذا تقبل الحكومة المصرية الآن ببيع البنك بنصف قيمته السابقة؟ ومن المستفيد الحقيقي من هذه الصفقة؟

هل تُباع الأصول المصرية بأقل من قيمتها الحقيقية؟

عند النظر إلى أرقام هذه الصفقة، نجد أن هناك فارقًا ماليًا شاسعًا يثير الريبة. فبيع بنك القاهرة الآن بمليار دولار يعني أن قيمته السوقية انخفضت بأكثر من 55% مقارنة بعرض 2007. لكن، في الواقع، لم يكن هذا الانخفاض متوقعًا، بل على العكس، كان يُفترض أن يكون البنك قد ازداد قيمة بمرور الوقت، بسبب:

ارتفاع حجم الاقتصاد المصري رغم الأزمات.

زيادة الأصول المصرفية للبنك ونمو شبكة فروعه.

التضخم وارتفاع أسعار الأصول المالية عالميًا.

إذن، لماذا يُباع بهذا السعر المنخفض؟ هل تعكس هذه الصفقة وضعًا اقتصاديًا سيئًا أم أن هناك اتفاقات خفية تُبرم لصالح الإمارات على حساب مصر؟

صفقات اقتصادية أم استحواذ سياسي؟

هذه الصفقة ليست الأولى من نوعها، فالنظام الإماراتي اتبع نفس الأسلوب في السيطرة على قطاعات استراتيجية في مصر، ومن ذلك:

  • شراء حصص في البنوك المصرية الكبرى، مثل استحواذها على حصة في “المصرف المتحد”.
  • الاستحواذ على أصول في قطاعات حيوية مثل الطاقة، العقارات، والموانئ.
  • التحكم في المشروعات العملاقة عبر ضخ استثمارات بشروط تصب في صالحها أكثر من صالح الاقتصاد المصري.

في هذه الحالة، يتساءل محللون: هل هذه الصفقة مجرد استثمار مصرفي، أم أنها محاولة إماراتية لتعزيز نفوذها داخل القطاع المالي المصري؟

النفوذ الإماراتي داخل النظام المصرفي المصري

في حال إتمام الصفقة، فإن النظام الإماراتي سيكون قد عزّز وجوده في القطاع المصرفي المصري، وهو ما يمنحه أدوات تأثير قوية على الاقتصاد المصري، إذ سيكون قادرًا على:

  1. التأثير في السياسة النقدية من خلال البنوك التي تستحوذ عليها.
  2. التحكم في عمليات الإقراض وتمويل المشروعات الكبرى.
  3. تسهيل استثمارات إماراتية أخرى عبر شبكاتها المصرفية داخل مصر.

وهذا يجعل الصفقة ليست مجرد بيع لبنك، بل تسليم أداة سيادية إماراتية داخل الاقتصاد المصري، وهو ما يثير مخاوف بشأن تأثير التحكم الإماراتي المتزايد في القرارات الاقتصادية داخل مصر.

بيع الأصول المصرية بأقل من قيمتها.. سياسة مستمرة؟

هذه الصفقة تأتي في سياق بيع أصول الدولة المصرية، وهو نهج متسارع تحاول الحكومة المصرية تنفيذه لمواجهة أزماتها المالية. فقد شهدت الفترة الأخيرة:

بيع حصص من الموانئ المصرية لشركات إماراتية، كما حدث مع موانئ أبوظبي.

استثمارات إماراتية ضخمة في البنية التحتية والمناطق الاقتصادية، وسط حديث عن عقود استثمار “غير متكافئة”.

الخصخصة التدريجية لمؤسسات اقتصادية كبرى، مما يثير مخاوف من فقدان مصر لسيطرتها على أصولها الاستراتيجية.

والسؤال هنا: هل تتحول مصر إلى ساحة للبيع لمن يدفع أكثر، أم أن هناك أطرافًا تستفيد من تسهيل هذه الصفقات؟

لماذا الآن؟ وما الذي تغير بعد 17 عامًا؟

عندما رفضت الحكومة المصرية بيع البنك قبل 17 عامًا، كانت هناك قناعة بأن قيمة البنك ستزداد، وأنه أحد الأصول الاستراتيجية التي لا يجب التفريط فيها. لكن الآن، رغم التضخم وارتفاع أصول البنوك عالميًا، يتم بيعه بأقل من نصف العرض السابق!

ما الذي تغيّر؟

  1. الوضع الاقتصادي في مصر بات أكثر هشاشة، مما جعل الحكومة تسعى لبيع أي أصول ممكنة لتوفير سيولة مالية.
  2. الإمارات أصبحت تمتلك نفوذًا اقتصاديًا وسياسيًا أكبر داخل النظام المصري، مما يجعلها قادرة على إتمام صفقات تصب في صالحها دون معارضة حقيقية.
  3. غياب الرقابة والمحاسبة على مثل هذه الصفقات، مما يجعل بيع الأصول بأقل من قيمتها أمرًا “عاديًا” في ظل غياب المساءلة.

التداعيات المحتملة للصفقة

  1. فقدان مصر لجزء مهم من سيادتها المالية

إذا استحوذت الإمارات على بنك القاهرة، فإنها ستتحكم في جزء كبير من المعاملات المالية داخل مصر، مما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على استقلالية القرار المالي المصري.

  1. استمرار التفريط في أصول الدولة

هذه الصفقة قد تكون نقطة انطلاق لبيع المزيد من البنوك والأصول الاستراتيجية، مما يزيد من تبعية الاقتصاد المصري للمستثمرين الأجانب، خصوصًا الإماراتيين والخليجيين.

  1. غياب أي شفافية في تفاصيل البيع

حتى الآن، لا توجد أي تفاصيل واضحة حول الشروط المالية الحقيقية للصفقة، وما إذا كانت هناك اتفاقيات سرية أو امتيازات إضافية تُمنح للإماراتيين مقابل هذا البيع.

هل يتحول الاقتصاد المصري إلى رهينة بيد المستثمرين الخليجيين؟

ما يحدث في ملف بيع بنك القاهرة للإمارات ليس مجرد صفقة اقتصادية، بل هو جزء من مخطط أوسع لهيمنة الإمارات على الأصول المصرية.

هذه الصفقة تفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة حول مستقبل الاقتصاد المصري، وما إذا كان يُدار وفق استراتيجية وطنية واضحة، أم أن هناك أطرافًا داخلية تعمل لصالح مستثمرين خارجيين، وتُسهّل لهم الاستحواذ على مقدرات الدولة بأبخس الأثمان؟

إن بيع أصول الدولة بمثل هذه الطريقة ليس حلًا للأزمة المالية، بل هو تفريط في السيادة الاقتصادية. والسؤال الذي يجب أن يُطرح الآن: إلى متى سيستمر هذا النزيف الاقتصادي، ومن سيحاسب المسؤولين عن هذه الصفقات المشبوهة؟