في مشهد يكشف حجم الانقسام العميق داخل الساحة الليبية، شنّ رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، هجومًا غير مسبوق على رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، متهمًا إياه بالتحريض على الحرب وتبرير العدوان على العاصمة طرابلس، في وقت تتسع فيه رقعة الاشتباكات المسلحة داخل العاصمة، وسط اتهامات مباشرة بتورط أطراف خارجية، وعلى رأسها الإمارات، في تأجيج الصراع بين الفصائل المتناحرة.
الدبيبة يفتح النار على عقيلة: “مسعر الحروب بلا خجل”
في منشور عبر حسابه الرسمي بمنصة “إكس”، وصف الدبيبة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بـ”مسعر الحروب”، قائلاً إنه “تبنّى العدوان على طرابلس لأكثر من عام وشهرين”، وأسهم في شرعنة القصف والتدمير ضد العاصمة.
وأكد أن هذا العدوان، الذي تسبب في استشهاد أكثر من 3000 شخص، وتدمير البنية التحتية للعاصمة، هو نتيجة مباشرة لتحريض عقيلة صالح ومواقفه السياسية الداعمة للعنف.
الدبيبة لم يكتف بالاتهامات العامة، بل دعا صالح إلى الالتفات إلى “المجلس المنهك الذي يقوده بلا نصاب ولا شرعية حقيقية”، كما طالبه بالكشف عن مصير النواب المغيبين والمختطفين، متسائلًا عن صمته المريب تجاه هذه الانتهاكات، ما يعكس في نظر مراقبين سعيًا من حكومة الدبيبة لفضح التواطؤ السياسي الذي يعيق أي تسوية وطنية.
ويأتي هذا الهجوم بعد تصريحات صادمة لعقيلة صالح في جلسة رسمية في بنغازي، أعلن فيها أن “الوقت قد حان لتخلي حكومة الدبيبة عن السلطة طوعًا أو كرهًا”، معتبرًا أن الحكومة باتت ساقطة منذ سحب الثقة منها عام 2021، ومتهمة بـ”استخدام الميليشيات وسفك دماء المتظاهرين”، في إشارة مباشرة إلى الاشتباكات الأخيرة التي اجتاحت العاصمة.
اشتباكات دامية في طرابلس.. وغياب حفتر يثير التساؤلات
الاشتباكات التي شهدتها طرابلس مؤخراً، جاءت في أعقاب مقتل عبد الغني الككلي، قائد “جهاز دعم الاستقرار”، الذي يعد من أبرز قادة المجموعات المسلحة المقربة من حكومة الدبيبة.
وأدى هذا الحادث إلى اندلاع مواجهات عنيفة بين قوات الجهاز و”اللواء 444 قتال”، لتتوسع لاحقاً نحو صدامات مع “جهاز الردع”، بعد قرار حكومي بحل الجهاز.
أسفرت هذه الاشتباكات عن عشرات القتلى والجرحى، فضلًا عن تدمير واسع في أحياء مدنية، وسط حالة رعب سادت بين السكان.
وبعد أيام من العنف، أعلن المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع عن “هدنة هشة”، ما زالت قابلة للانهيار في أي لحظة، في ظل غياب إرادة سياسية واضحة لضبط المجموعات المسلحة.
ورغم تفجر الوضع العسكري والأمني، يلف الغموض موقف قائد “الجيش الوطني الليبي”، المشير خليفة حفتر، الذي ما زال في زيارة طويلة إلى موسكو.
ويرى مراقبون أن حفتر يتعمّد الغياب في هذه المرحلة، إما لتجنب الدخول المباشر في الفوضى، أو لإجراء مشاورات استراتيجية مع الروس تتعلق بتوازنات القوى في ليبيا، وربما بترتيبات ما بعد الدبيبة، في حال سقطت حكومته تحت ضغط التصعيد السياسي والعسكري.
البصمة الإماراتية.. تأجيج الصراع وتفخيخ المصالحة
في خضم هذا المشهد المعقّد، يبرز الدور الإماراتي كعامل أساسي في تغذية الفوضى الليبية. إذ تشير تقارير استخباراتية وإعلامية إلى أن الإمارات تواصل دعم الفصائل الموالية لعقيلة صالح وخليفة حفتر، وتمول تحركات عسكرية سرية لضرب استقرار حكومة طرابلس، في إطار سياسة إماراتية تقوم على تقويض أي تجربة ديمقراطية أو مدنية في المنطقة.
ويتهم ناشطون ومصادر مطلعة أبو ظبي بدعم إعلامي ولوجستي للخطاب الذي يشيطن حكومة الدبيبة، ويدفع نحو تسويق حفتر أو حكومة الشرق كبدائل “شرعية” أمام المجتمع الدولي، وهو ما يفسر تزامن التصعيد السياسي من صالح مع تحركات عسكرية في طرابلس وبيانات متزامنة من حكومة أسامة حماد (المُكلفة من البرلمان)، تصف الدبيبة بـ”مثير الفوضى”.
كما تشير مصادر محلية إلى أن الإمارات كانت وراء إرسال شحنات دعم لوجستي وعسكري إلى مجموعات مسلحة في الشرق الليبي خلال الأسابيع الماضية، بعضها تم عبر ترتيبات استخباراتية مع موسكو، ما يعزز الشكوك بشأن تنسيق إماراتي-روسي لفرض خارطة جديدة في ليبيا لا تشمل الدبيبة.
تحذيرات دولية ودعوات للحوار
في المقابل، أعربت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا عن قلقها العميق إزاء تطورات الأوضاع الأمنية في طرابلس، داعية جميع الأطراف إلى “ضبط النفس وتغليب لغة الحوار”، مؤكدة أن استخدام السلاح لحل الخلافات لا يخدم سوى “أمراء الحرب”.
كما أصدرت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، بيانات حذّرت فيها من مغبة استمرار العنف، داعية إلى “التمهيد لانتخابات حرة ووقف الاقتتال فورًا”.
اللافت أن هذه البيانات لم توجه إدانة مباشرة لعقيلة صالح أو الفصائل المسلحة، بل اكتفت بتعميم المسؤولية، ما يراه البعض نوعًا من الغطاء الدولي للمناورات الجارية في الشرق الليبي.
ليبيا على حافة انفجار سياسي وعسكري جديد
الهجوم الذي شنه الدبيبة على عقيلة صالح ليس مجرد سجال سياسي، بل هو انعكاس لواقع مأزوم باتت فيه كل جهة تحشد لمواجهات محتملة، على خلفية سباق على السلطة مدعوم من قوى إقليمية.
ومع استمرار غياب حفتر، وتزايد التدخل الإماراتي، وانقسام المواقف الدولية، تقترب ليبيا من سيناريو إعادة إنتاج الحرب، ما لم يتم فرض خارطة انتقالية واضحة تُنهي وجود حكومتين متصارعتين وتعيد سلطة الدولة الواحدة.
اقرأ أيضًا : هدنة مؤقتة مقابل عدد كبير من الأسرى.. نتنياهو يكشف تطورات مفاوضات الدوحة
اضف تعليقا