في إعلان مفاجئ يتزامن مع تصاعد الانتقادات الدولية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة توصلها إلى اتفاق مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي يقضي بالسماح بإدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع المحاصر منذ شهور.
وجاء هذا الاتفاق خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد ووزير خارجية الاحتلال جدعون ساعر، وفق ما أوردته وكالة أنباء الإمارات الرسمية.
البيان الإماراتي أشار إلى أن المساعدات ستشمل الاحتياجات الغذائية الأساسية لحوالي 15 ألف مدني فلسطيني، بالإضافة إلى مواد للمخابز وحاجيات رعاية الأطفال والرضع، في خطوة وصفتها أبو ظبي بأنها “إنسانية” وتهدف إلى التخفيف من معاناة السكان المدنيين في القطاع.
لكن وراء هذا الإعلان ما هو أعمق من مجرد مساعدات، إذ يكشف الاتفاق عن سياسة إماراتية متناقضة تتسم بوجهين: الأول علني يُروّج لمواقف إنسانية مزعومة، والثاني يدعم سياسات الاحتلال عبر التطبيع والتحالفات الأمنية والاستخباراتية، بل ومحاولات سابقة لتهجير الفلسطينيين من غزة وتفريغ القطاع من مقاومته.
وجه إنساني مزعوم.. والحقيقة دعم للاحتلال
رغم الصورة التي تحاول الإمارات رسمها لنفسها كفاعل إقليمي يسعى لتخفيف الأزمة في غزة، فإن الحقائق الميدانية والسياسية تشير إلى أن أبو ظبي لم تكن يوما في صف الفلسطينيين، لا في السياسة ولا في الميدان. فمنذ توقيع اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال في سبتمبر 2020، والمعروفة باسم “اتفاقات أبراهام”، تحولت الإمارات إلى أحد أبرز حلفاء إسرائيل في المنطقة، ليس فقط عبر التبادل الاقتصادي والاستخباراتي، بل كذلك عبر دعمها السياسي الصامت أو العلني للعدوان على غزة.
الإعلان الأخير عن المساعدات، الذي جاء في وقت تتعرض فيه إسرائيل لضغوط متزايدة بسبب منعها إدخال المساعدات منذ مارس الماضي، يبدو محاولة لتبييض صورة الإمارات أمام الرأي العام العربي والدولي، خصوصا بعد أن كشف الإعلام الغربي عن دورها المريب في دعم مخططات تهجير الفلسطينيين من القطاع، سواء إلى مصر أو عبر البحر، في ظل الحصار والتجويع الممنهج.
وبينما تدّعي الإمارات الحرص على المدنيين، تغض الطرف عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بشكل يومي، والتي وثقتها الأمم المتحدة والصحافة الدولية، حيث تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية العدوان في أكتوبر 2023 حاجز 175 ألفا، معظمهم من النساء والأطفال، وسط تحذيرات أممية من مجاعة جماعية في القطاع.
توقيت مريب.. وضغوط دولية متصاعدة
جاء الإعلان عن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي في لحظة سياسية حرجة لحكومة نتنياهو، التي تتعرض لانتقادات أوروبية وأممية بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.
فقد أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن اتفاقية التجارة بين الاتحاد وإسرائيل قد تخضع للمراجعة، فيما قال المتحدث باسم الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن تل أبيب لم تسمح إلا بدخول 100 شاحنة مساعدات إلى غزة، وهي نسبة ضئيلة جدا من الحد الأدنى المطلوب.
ومن جانبها، كذّبت السلطات المحلية في غزة الادعاءات الإسرائيلية، مؤكدة أن الاحتلال لم يسمح بدخول أي مساعدات منذ الثاني من مارس الماضي، وأن القطاع بحاجة إلى أكثر من 44 ألف شاحنة مساعدات لسد الحد الأدنى من احتياجات السكان، بالإضافة إلى 50 شاحنة وقود يوميا لتشغيل المرافق الحيوية والطبية.
توقيت الإعلان الإماراتي يبدو محاولة لامتصاص موجة الانتقادات العالمية، ليس فقط عن طريق تسويق صورة “الوسيط الإنساني”، بل كذلك عبر دعم إسرائيل للخروج من أزمتها الدولية، في الوقت الذي يطالب فيه المجتمع الدولي بفتح المعابر والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود بشكل عاجل.
محاولة لإنقاذ صورة لا تُنقذ
الموقف الإماراتي الجديد، في جوهره، لا ينفصل عن سياسة طويلة الأمد انتهجتها أبو ظبي في التعامل مع القضية الفلسطينية، تقوم على تقويض المقاومة، وتهميش دور الفاعلين الفلسطينيين، مقابل تعويم الاحتلال كشريك سياسي واقتصادي وأمني في الإقليم.
وقد سبق أن كشفت تقارير إعلامية واستقصائية عن لقاءات جمعت مسؤولين إماراتيين مع إسرائيليين لوضع تصورات لإدارة ما بعد الحرب في غزة، وتحديد مستقبل القطاع بما يخدم مصالح الاحتلال وحلفائه.
والأخطر أن المساعدات الإماراتية قد تتحول إلى وسيلة لإعادة هندسة الوضع في غزة، سواء من خلال إنشاء مراكز توزيع تشرف عليها شركات أميركية-إسرائيلية كما جرى الحديث سابقا، أو عبر فرض واقع إنساني مغلف بالدعم لكنه يخفي أهدافا أمنية وسياسية.
ومن المهم الإشارة إلى أن المساعدات التي وعدت بها الإمارات لا تغطي سوى 15 ألف شخص، في وقت يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني تحت القصف والجوع والتشريد، مما يؤكد أن الإعلان ليس أكثر من خطوة رمزية لتلميع الصورة أمام الإعلام الغربي والمنظمات الحقوقية، بينما تستمر الجرائم الإسرائيلية بتواطؤ إقليمي ودولي.
ختامًا: من التطبيع إلى الخيانة.. الإمارات ليست وسيطًا نزيهًا
الإمارات اليوم، بمواقفها المزدوجة، لم تعد شريكا يمكن الوثوق به فلسطينيا، بل تحولت إلى أحد أعمدة التحالف الذي يسعى لتصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة التطبيع، والتواطؤ في الحرب، والترويج لمشاريع ما بعد الإبادة.
وإذا كان إدخال المساعدات خطوة ضرورية، فإنها لا تبرر بأي حال من الأحوال التواطؤ المستمر مع القاتل. فالمساعدات لا تمحو الجرائم، ولا تبرر صفقات الاحتلال، ولا تُعيد الحياة لأطفال غزة الذين التهمهم القصف ودفنهم الحصار.
الإمارات تحاول اليوم أن تغسل يديها من دم الفلسطينيين بعبوة حليب، لكنها ستبقى في الذاكرة الشعبية العربية كمن ساهم في الحرب، وشارك في التهجير، وتآمر على الحق، حتى وإن ادعى غير ذلك.
اقرأ أيضًا : الإمارات تشعل الصراع.. الدبيبة يصعّد ضد عقيلة صالح ويتهمه بإشعال الحروب
اضف تعليقا