في خطوة تعكس التدخلات الخارجية السافرة في الشأن السوداني، تتجه ميليشيا الدعم السريع، المدعومة بشكل مباشر من الإمارات، نحو إعلان حكومة انفصالية جديدة في المناطق التي تسيطر عليها، وسط تشكيك واسع في نجاح هذه الخطوة. 

وكشفت صحيفة نيويورك تايمز أن لقاءً باذخًا عُقد في العاصمة الكينية نيروبي، حضره قادة الدعم السريع، يهدف إلى بلورة ما يُعرف بـ”الميثاق السوداني الجديد”، وهو خطوة أولى نحو تشكيل حكومة موازية من شأنها تكريس تقسيم البلاد.

وشهد اللقاء حضور نائب قائد الدعم السريع، عبد الرحمن دقلو، الذي يخضع لعقوبات أمريكية، حيث استُقبل بحفاوة في مركز حكومي في نيروبي، في مشهد يعكس دعمًا ضمنيًا من جهات إقليمية لهذا المشروع. 

ووفقًا للتقرير، فإن الإعلان الرسمي عن الحكومة الانفصالية لم يتم بعد، إذ يسعى القائمون على هذا المخطط لإجراء مزيد من المشاورات مع حلفائهم، وعلى رأسهم عبد العزيز الحلو، زعيم إحدى الحركات المتمردة في جنوب السودان، الذي جلس إلى جانب دقلو خلال الاجتماع.

الإمارات ترعى الانفصال.. مكائد مستمرة لتأجيج الصراع

ورغم محاولات الدعم السريع الترويج لمشروعه على أنه خطوة نحو “سودان جديد”، إلا أن الأبعاد الحقيقية تكشفها التقارير المتزايدة حول جرائم الحرب التي ارتكبتها الميليشيا، والتي بلغت حد المجازر الجماعية بحق المدنيين. حيث وثقت تقارير حقوقية، من بينها شهادة “محامو الطوارئ”، عمليات قتل ممنهجة استهدفت أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال رُضع، في قريتين بالنيل الأبيض، إضافة إلى عشرات الضحايا في دارفور.

في المقابل، فإن الجيش السوداني، الذي حقق تقدمًا عسكريًا في الفترة الأخيرة، يسعى لإفشال المخطط المدعوم إماراتيًا، حيث أعلن رئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان، عن نيته تشكيل حكومة جديدة في بورتسودان، في محاولة لتثبيت سيطرة الدولة على البلاد ومنع تفككها. غير أن دعم الإمارات المستمر للدعم السريع بالسلاح والمال يثير مخاوف من إطالة أمد الصراع وتقسيم السودان على غرار السيناريو الليبي.

ويؤكد تقرير نيويورك تايمز أن الإمارات باتت اللاعب الأساسي في تحريك قوات الدعم السريع، حيث توفر لهذه الميليشيا الغطاء السياسي والدعم المالي والعسكري، لمنعها من الهزيمة أمام الجيش السوداني، الأمر الذي يفاقم الأزمة ويؤجج الحرب الأهلية.

تشكيك دولي في نجاح المشروع الانفصالي

ورغم الحفاوة التي استُقبل بها قادة الدعم السريع في نيروبي، إلا أن الخبراء يشككون في نجاح مشروع الحكومة الانفصالية، خاصة أن القوات المتمردة فقدت مواقع استراتيجية في الخرطوم ووسط السودان خلال الأشهر الماضية. 

ويرى كاميرون هدسون، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، أن توقيت الإعلان عن هذه الحكومة يعكس “مناورة سياسية”، حيث تحاول الميليشيا تحقيق مكاسب دبلوماسية بعد أن فشلت في فرض سيطرتها عسكريًا.

كما يواجه المشروع الانفصالي تحديات داخلية، إذ أن معظم المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع تعاني من مجاعة حادة وانهيار الخدمات الأساسية، ما يعني أن أي حكومة موازية ستفتقد للشرعية والقدرة على الحكم الفعلي. وتضيف التايمز البريطانية أن سيناريو الانقسام الذي يسعى الدعم السريع إلى فرضه يبدو وكأنه إعادة إنتاج للفوضى الليبية، حيث تقاسمت الميليشيات السلطة في شرق وغرب البلاد، في ظل غياب دولة مركزية قوية.

من ناحية أخرى، تطرح استضافة كينيا لهذا اللقاء تساؤلات حول موقفها الرسمي من الأزمة السودانية، خاصة أن الاجتماع عُقد في مقر حكومي كيني، الأمر الذي أثار استياء المسؤولين السودانيين الذين رأوا في ذلك دعمًا ضمنيًا للمتمردين.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، يظل السودان في قلب صراع إقليمي تغذيه أطراف خارجية، وعلى رأسها الإمارات، التي تستخدم الدعم السريع كأداة لفرض أجندتها في المنطقة، دون الاكتراث بالعواقب الكارثية على الشعب السوداني ومستقبل بلاده.

اقرأ أيضًا : الإمارات تُسلّح إسرائيل لقتل الفلسطينيين: تجارة موت في معرض دفاعي!