العدسة – أحمد عبد العزيز

أثار ما قامت به وكالة الأنباء السعودية “واس” من حذف لخبر لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مع بعض قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، في حضور رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، دهشة المراقبين للأوضاع في المملكة، التي باتت محط أنظار وسائل الإعلام العالمية خلال الفترة الأخيرة، في ظل التطورات غير المتوقعة التي تشهدها بين الحين والآخر، واشتعال الصراع بين أسرة آل سعود من جانب وولي العهد من جانب آخر.

فقد ظن البعض في أول الأمر، أن الحذف نتيجة رغبة القيادة السعودية في عدم الإفصاح عن اللقاء أو نشر أي تفاصيل عنه، معتقدين أنه ربما وصل الخبر إلى الوكالة بالخطأ، واعتقدوا أن الديوان الملكي سيطالب كافة وسائل الإعلام السعودية بتجنب الحديث عن هذا اللقاء – وهو إجراء معتاد ويحدث كثيرا في السعودية- ولكن ذلك لم يحدث، حيث استمرت مختلف وسائل الإعلام السعودية – باستثناء الوكالة الرسمية- في نشر الخبر ولم تقم بحذفه.

ونتيجة لذلك، أرجع بعض المحليين الحذف إلى سبب راجع إلى الوكالة نفسها، التي ربما تكون قد أخطأت في شيء ما في عملية النشر استدعى الحذف، ولكن في هذه الحالة، كان يجب أن تعيد الوكالة نشر الخبر بعد تصحيحه، حتى لا تثير حولها الشكوك، وهو ما لم يحدث.

اللقاء الذي أثار هذه الضجة، شهد حضور رئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان، وهو حضور نادر للغاية، فالرجل يحرص دائما على الابتعاد عن الأضواء تماما، ولا يصدر عنه أي تصريحات ولا يشارك في كثير من اللقاءات الرسمية.

وحتى الخبر الذي أعلن فيه أنه حضره، لم تظهر صورته مع صورة المجتمعين من ولي العهد وقادة حزب التجمع اليمني للإصلاح.

فهل يكون ذلك هو السبب؟

هل يكون الإعلان عن حضور الحميدان هو الخطأ الذي لم يكن يريده ولي العهد؟

ربما.. فولي العهد الشاب الذي عرف عنه التسرع والتهور، قد يكون لا يرغب في أن تعرف وسائل الإعلام أن المخابرات السعودية تشارك في إدارة ملف الأزمة اليمنية، أو لا يريد أن يظهر غيره في الصورة على الإطلاق، ليستمر في سياسة الرجل الأوحد والأقوى، التي يحرص على تقديمها للإعلام.

” محمد بن سلمان” مع وفد التجمع اليمني الإصلاحي

 تفاصيل اللقاء

عادة لا تنشر وكالة الأنباء السعودية، ولا حتى أي من وسائل الإعلام السعودية، أي تفاصيل تذكر عن مثل هذه اللقاءات بين القادة السعوديين وبين أي أطراف دولية، وتكتفي بما يصدر عن الديوان الملكي في هذا الشأن، والذي لا يخرج عن كونه “مباحثات” أو مناقشات قضايا إقليمية ودولية، أو بحث سبل وأوجه التعاون المشترك.. إلخ

لذلك، بحثت “العدسة” بعيدا عن وسائل الإعلام المحلية، وتوجهت إلى الموقع الرسمي الناطق باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح “الصحوة”.

وبالفعل عثرت فيه على تفاصيل أعلنها رئيس الهيئة العليا للحزب محمد اليدومي، الذي حضر اللقاء.

اليدومي كشف لـ”الصحوة”، عن أن اللقاء كان مثمرا وإيجابيا وبناء، وأنه تطرق إلى الدور “الهام” الذي يقوم به التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن، مؤكدا على “أهمية دور السعودية في الحفاظ على اليمن داخل النطاق العربي، ومنع المشروع الإيراني من مد نفوذه إليها”.

وأضاف أن اللقاء استعرض موضوع السلام الذي تحتاجه اليمن “بمرجعياته المجمع عليها محليا وإقليميا ودوليا، بعيدا عن المبادرات التي تحاول إبقاء المشكلة دون حل حقيقي”.

وعن علاقة التجمع اليمني للإصلاح بالسعودية، قال اليدومي: إن تلك العلاقة تأتي من خلال الدور الذي يقوم به مع بقية القوى السياسية اليمنية، ضمن منظومة الشرعية اليمنية التي هي جزء من التحالف العربي، زاعما أن الإصلاح ينطلق في هذا الدور من قناعته بضرورة العمل المشترك طويل المدى بين الدولتين اليمنية والسعودية لمواجهة المخاطر والآثار التي سببها الانقلاب على الدولة اليمنية.

إلى هنا انتهى كلام اليدومي..

ولكن ما لم يقله اليدومي ولم تصرح به صحيفة “الصحوة”، هو هل تناول الاجتماع مناقشة اعتقال قوات الأمن في عدن لقيادات من الحزب في منتصف أكتوبر الماضي؟.

رئيس الهيئة العليا للحزب “محمد اليدومي”

ماذا حدث في أكتوبر؟

في يوم 11 أكتوبر الماضي، اغتيل في مدينة عدن الجنوبية، رجل دين يمني يدعى ياسين العدني، تصنفه وسائل إعلام على أنه مقرب ومدعوم من الإمارات، حيث يعمل في إدارة التوجيه المعنوي التابعة لقوات الحزام الأمني المدعومة من الإمارات، وذلك بعدما تعرض لعبوة ناسفة وضعت في سيارته.

بعد ساعات من عملية الاغتيال، داهمت قوات أمنية في عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها، مقر حزب التجمع اليمني للإصلاح، واعتقلت عشرة من أعضائه.

في حين أصدر الحزب بيانا، أكد فيه وقوع مداهمات وعمليات اعتقال بحق عشرة أعضاء بينهم الأمين المساعد للحزب محمد عبد الملك، مطالبا بسرعة الإفراج عن المعتقلين، وهو ما تم لاحقا بالفعل.

وهنا يظهر بوضوح، العداء بين الإمارات والحزب، الذي ترى فيه أبو ظبي امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، التي تصنفها على أنها “منظمة إرهابية” وتتعامل معها على أنها الخطر الأكبر والأوحد الذي قد يهددها في المستقبل!

وتشير العديد من المصادر، إلى أن الإمارات سعت أكثر من مرة لدعم علي عبد الله صالح، الذي من المفترض أنها تحارب قواته المتحالفة مع قوات الحوثي، ضمن عملياتها التي تشارك بها في التحالف العربي، والدليل على ذلك هو استضافتها لأحمد نجل علي عبد الله صالح، الذي ترددت أنباء أن اليمن ترى فيه حلًّا مناسبا لإنهاء الصراع وضمان عدم وصول أي تيار ذي خلفية إسلامية للحكم في اليمن، وبالأخص الإخوان المسلمين.

“علي عبد الله صالح” و نجله

الحزب والسعودية

في بداية اندلاع الضربات الجوية السعودية بمشاركة دول التحالف على اليمن، لم يسارع الحزب لا لتأييد الضربات ولا لمهاجمتها، وإنما اكتفى بالإعراب عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع في اليمن نتيجة إخفاق الأحزاب السياسية في التوصل إلى حلول نهائية، متهما أطرافا لم يسمها بالإصرار على اللجوء لاستخدام القوة لحل الخلافات، كما قدم العزاء لأسر الضحايا الذين سقطوا نتيجة إحدى الضربات الجوية للسعودية في اليمن.

إلا أن الأوضاع بالنسبة للحزب على الأرض تطورت، بعدما تعرض بعض قادته لعمليات اعتداء واختطاف وقتل على أيدي الحوثيين، فما كان من الحزب إلا قيامه بالإعلان عن تأييده الكامل للعمليات العسكرية، التي كان يصفها الإعلام السعودي باسم “عاصفة الحزم”، محملا الحوثيين وحلفاءهم كافة النتائج المترتبة على هذه العمليات، فما كان من جماعة “أنصار الله”، إلا أن وسعت عمليات اعتدائها وتصفيتها لقيادات الحزب عقب إعلانها حله بالقوة، قبل أن تتخذ قيادات الحزب قرارا بالتوجه إلى الرياض والإقامة بها.

وبالرغم من أن الحزب يعتبر امتدادا لفكر الإخوان المسلمين، بالنظر إلى خلفيته الإسلامية، إلا أن ذلك لم يمنع القيادة الحالية للسعودية- التي تجاهر بعدائها للإخوان المسلمين وأعلنتهم منظمة إرهابية- من استضافة قادة الحزب في الرياض منذ 2015، ربما لاستخدامهم في الوقت المناسب، سواء ضد الحوثيين، أو ضد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، حيث كانت تبقي عليهم كورقة يمكن استخدامها في الوقت المناسب.

والدليل على ذلك، أن لقاء محمد بن سلمان مع قادة الحزب يوم الجمعة الماضية، كان هو اللقاء الأول بين قادة حزب الإصلاح اليمني المقيمين منذ عام 2015 مع ولي العهد السعودي، ما يشير إلى أن الرجل قد يستخدمه لغرض ما في الفترة القادمة، في ظل الهزائم العسكرية الكبيرة التي تتعرض لها القوات السعودية في اليمن، والتي فشلت في تحقيق أي مكسب سياسي أو استراتيجي من تلك الهجمات، بل على العكس، دفعت الحوثيين إلى نقل الحرب إلى الأراضي السعودية، التي باتت تتعرض بين حين وآخر لهجمات متفرقة بالصواريخ الباليستية، على مناطق نجران وجازان.

” الحوثيين “

الإمارات مرة أخرى

وهنا نعود إلى نقطة البداية، لماذا حذفت وكالة الأنباء السعودية خبر لقاء ولي العهد مع قادة حزب الإصلاح الذين كان يتجنبهم طوال سنوات، رغم وجودهم في الرياض؟

الإجابة قد نجدها إذا فرضنا أن إقدام ولي العهد على استخدام حزب التجمع الوطني، أو منحه القدرة على لعب دور أكبر على الساحة السياسية اليمنية خلال الفترة المقبلة، يأتي دون الرجوع إلى حليفه الأكبر الإمارات.

وهو ما قد يفسر لماذا تراجعت “واس” عن نشر خبرها..

لقد كان ولي العهد يرفض أن يصل خبر اللقاء إلى الإمارات، فرغم كل التعاون بينه وبين محمد وعبد الله بن زايد، إلا أن نرجسية ولي العهد تطغى عليه في كثير من  الأحيان، وتدفعه لاتخاذ قرارات منفردة، سرعان ما يتراجع عنها، بعد أول اعتراض إماراتي.

وهناك واقعة شهيرة تدل على هذا النهج.

” محمد بن زايد “

هل تذكرون الاتصال بين ولي العهد وأمير قطر؟

فقد قالت “واس” حينها: إن اتصالا جرى بين ولي العهد السعودي وأمير قطر، أبدى فيه الأخير، رغبته في الجلوس إلى طاولة الحوار، وهو ما رحب به محمد بن سلمان بشدة، بناء على تنسيق من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

حينها، سارعت وسائل الإعلام السعودية، بالتطبيل والتهليل والإشادة بحكمة ولي العهد، وقرب انفراج الأزمة، وسعة صدره التي سوف تلم الشمل الخليجي.

الاتصال حينها كان حقيقيا، وأعلنت تفاصيله فعليا، ولكن دون الرجوع إلى الإمارات.

وهو ما دفع ولي العهد للتراجع، ومن خلفه كل وسائل الإعلام السعودية، زاعما أن قطر حرفت فيما نشر بشأن تفاصيل الاتصال – وهو ادعاء كاذب- وتم الإعلان عن عودة الأزمة إلى المربع صفر؛ منعا لغضب أبو ظبي، التي لا ترضى لشاب لم يتجاوز الثلاثين من عمره، أن يقودها على طريق طموحها الإقليمي المجنون!