بقلم: فهد الجاسم
منذ سنوات، تمضي الإمارات في رسم صورة ذاتية لنفسها كـ”قوة إقليمية حاسمة”، تقود ملفات معقدة وتتحكم في معادلات المنطقة عبر المال، والتحالفات الأمنية، والإعلام الموجه. غير أن هذه الصورة باتت اليوم تتهاوى تحت ضغط الحقائق، بعد أن انكشفت الكثير من أوراق أبوظبي في ساحات الصراع، وارتدت عليها سياساتها الخارجية، لا سيما في إفريقيا والسودان واليمن.
لكن ما يزيد المشهد درامية، أن التحولات داخل الخليج نفسه أصبحت تُربك مشروع الإمارات. وتحديدًا، ما تراه أبوظبي بـ”الخطر الوجودي”: الصعود المتسارع للسعودية كلاعب إقليمي مستقل، لا يقبل بعد اليوم بأن يبقى في الظل.
منافسة لا تعترف بها الإمارات.. لكنها تخشاها
منذ صعود محمد بن سلمان، تبدّلت معادلة القيادة الإقليمية في الخليج. لم تعد الرياض تكتفي بالشراكة الصامتة مع أبوظبي في الملفات الساخنة، بل بدأت تبني رؤية مختلفة للعالم، تنطلق من تنمية ناعمة واستثمارات استراتيجية، وليس عبر الوكلاء والمليشيات.
وهنا، بدا واضحًا أن الإمارات لم تهضم هذا التحول.
أن تتحوّل السعودية من “شريك منفذ” إلى “مبادر مستقل” يزاحمها في إفريقيا، ويعيد صياغة أدوار القوى الإقليمية، يعد ضربًا للمشروع الإماراتي في مقتل.
وبدلاً من التعاطي مع الأمر بمنطق الواقعية، لجأت أبوظبي إلى استراتيجية الإنكار ثم التشويش، عبر استهداف السعودية إعلاميًا، وتشويه مبادراتها، ومحاولة نزع الشرعية الأخلاقية عنها، كما حدث في معرض الكتاب في تونس، حين جرى تجاهل المطبعين العلنيين، وتم حصريًا اتهام السعودية بـ”التطبيع الصامت”.
بين المال والشرعية.. من يكسب إفريقيا؟
في ساحات غرب إفريقيا والساحل، تفوقت السعودية خلال السنوات الأخيرة بفضل نهج تنموي أكثر شمولاً واستدامة. اختارت الاستثمار في الزراعة والصحة والبنية التحتية، وراكمت رأس مال معنوي، حرم الإمارات من التفرّد الذي لطالما مارسته في المنطقة عبر شراء الولاءات وتأسيس قواعد أمنية.
أما في السودان، فتحوّلت الرياض إلى طرف يسعى لتسوية سياسية تنهي الحرب، بينما تورطت الإمارات بدعم المليشيات التي أشعلت النزاع، حسب تقارير أممية.
وهنا يتضح الفارق: السعودية تراكم النفوذ عبر التنمية، أما الإمارات فتشتريه مؤقتًا بالسلاح والمال.
حين تفقد السيطرة.. تهاجم الجميع
لم تجد أبوظبي أمامها سوى توسيع ساحة المعركة الإعلامية، فبدأت حملة شرسة – وأحيانًا عبثية – ضد السعودية، مدفوعة بشعور داخلي بأن الدور يتفلت من يدها.
ورغم أنها أول من طبّع مع “إسرائيل” في صيغ أمنية واقتصادية واضحة، تحاول اليوم اتهام الرياض بالتطبيع “المقنع”، في سلوك يُذكّرنا بما يسميه الباحثون بـ”الإسقاط السياسي”، حين يُحمّل الفاعل خصمه التهم التي يخشى أن تُوجه إليه.
هل تقترب العزلة من أبوظبي؟
إن السلوك الإماراتي لم يعد يربك فقط خصومها، بل يهدد حتى علاقاتها مع أقرب الحلفاء.
ومع تزايد الأصوات الخليجية والعربية التي تنتقد سياستها القائمة على التفرد والغطرسة، تواجه الإمارات لحظة مراجعة حاسمة: هل تستمر في مراكمة النفوذ بالأساليب القديمة؟ أم تعترف بأن العالم – والمنطقة – قد تغيّرا؟
الأكيد أن محاولة تحجيم السعودية لن تنجح، لا لأن المملكة تملك فقط أدوات الرد، بل لأنها باتت تملك سردية مختلفة وجاذبة، تتحدث بلغة المستقبل لا بلغة السيطرة.
الإمارات تحترق بشهوة النفوذ، لكنها لم تعد وحدها في الساحة.
وعندما تصبح أدواتك القديمة عارية أمام الجميع، وتتحول قوتك إلى عبء، فإن أول ما تفقده ليس فقط الحلفاء… بل الاحترام.
اضف تعليقا