بعد وضع مواطنيها تحت المراقبة، استخدمت الإمارات أيضًا برامج تجسس ضد الأجانب، بما في ذلك كبار القادة اللبنانيين والعراقيين واليمنيين.
هذا ما أكدته صحيفة “لوموند” الفرنسية التي قالت في تحقيق لمراسلها بنجامين بارت: في عالم المراقبة التكنولوجية، كما هو الحال في العديد من المجالات الأخرى، تتفوق الإمارات العربية المتحدة على نظرائها في الخليج.
وأضافت أن المملكة الخليجية البترودولارية، التي يتجاوز عدد سكانها الأصليين بالكاد المليون، تطورت بشكل كبير بمجال الهجوم الإلكتروني في غضون عشر سنوات.
وأوضحت أنه مثلما بات لديه جيش قوي غير عادي في شبه الجزيرة العربية، أصبح اتحاد الإمارات السبع، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن زايد (MBZ)من الوزن الثقيل في التجسس الرقمي.
وأشارت إلى أن ما سبق تم التوصل إليه من قبل فوربيدن ستوريز ومنظمة العفو الدولية بعد اطلاعهم على قائمة تضم 50000 رقم هاتف تم تحديدها أو استهدافها منذ عام 2016 – دون اختراقهم جميعا- من قبل عشر دول عملاء لمجموعة “إن إس أو” الإسرائيلية ببرنامج التجسس بيجاسوس.
وفي هذه القائمة أيضا، التي تم مشاركتها مع لوموند وستة عشر وسيلة إعلامية أخرى، بما في ذلك المجلة اللبنانية درج، تم استهداف 10000 رقم نيابة عن الإمارات العربية المتحدة.
ووفقا للصحيفة الفرنسية فإن ببرنامج بيجاسوس يستطيع سحب المحتوى من الهاتف الذكي، بما في ذلك الرسائل المتبادلة على تطبيقات مثل “واتساب وسيجنال”، بل يمكنه أيضًا تحويل الجهاز، بشكل غير مرئي، إلى ميكروفون.
ونظرًا لعدم إمكانية البحث في الهواتف الذكية لهذه الأرقام عن الآثار التقنية للاقتحام، فلا يمكن في هذه المرحلة تحديد ما إذا كانت هذه الأجهزة تم اختراقها بالفعل أم لا، لكن من بين 67 هاتفًا تمكنت لوموند وشركاؤها من فحصها، اتضح أن 37 هاتفاً تم اختراقهم ببرنامج التجسس الإسرائيلي لصالح الإمارات.
وأكدت أن عدد الأشخاص الذين اهتمت بهم المخابرات الإماراتية في السنوات الأخيرة مرتفع للغاية، فمن بين عملاء “إن إس أو”، تسبق المكسيك فقط الإمارات، لافتة إلى أن هذا النشاط يحمل بصمات محمد بن زايد.
وقالت اليومية الفرنسية إن هذا العسكري أشرف على الاستثمار في تكنولوجيا التجسس الرقمي، منذ إنشاء وحدة “دريد” (تحليل واستثمار بحوث التنمية) في عام 2008 بمساعدة ريتشارد كلارك، خبير مكافحة الإرهاب الأمريكي السابق، الذي أعيد تسميتها بعد أربع سنوات بـ”مشروع رافين”، حتى التعاقد مع “إن إس أو” في عام 2016 والانتقال إلى سياسة مراقبة على نحو متقدم.
مساعد دبلوماسي إماراتي
ووفقا للوموند فإن تنوع ملف الأهداف وانتشارها الجغرافي يجعلك تشعر بالدوار، إذ استهدفت الإمارات في البداية المعارضين الذين يثيرون غضب السلطة المحلية.
ففي هذه الفئة، تتابع الصحيفة، نجد أحمد منصور، ناشط حقوقي، مسجون منذ عام 2017، وتم اختراق هاتفه في عام 2012، وأميرات متمردات من العائلة الحاكمة بدبي، مثل لطيفة، التي حاولت الفرار دون جدوى من قبضة والدها الأمير محمد بن راشد آل مكتوم عام 2018.
كما نجد أيضًا صحفيون مثل برادلي هوب من صحيفة وول ستريت جورنال، الذي قام بفحص المعلومات لكتاب عن فضيحة وان إم دي بي – قضية اختلاس ضخمة في ماليزيا، تورط فيها إماراتيون رفيعو المستوى- والباحث البريطاني ماثيو هيدجز، الذي سجنته الإمارات عام 2018 لإدانته بالجاسوسية قبل العفو عنه.
لكن ما تبرزه التسريبات هو كيف تطورت الترسانة الإلكترونية لدولة الإمارات العربية المتحدة، من أداة مراقبة محلية إلى أداة تجسس جيوسياسية ومساعدة للدبلوماسية.
وذكرت أن هذا النشاط العابر تجاوز الحدود ووصل إلى قطر، ففي أوائل عام 2016، طلبت أبو ظبي من عملاء الشركة الإسرائيلية استهداف الهاتف الذكي لأمير الدوحة، الشيخ تميم آل ثاني، كما شملت الكثير من النخبة الحاكمة في ثلاث دول أخرى بالشرق الأوسط: لبنان واليمن والعراق.
ففي لبنان أشهر الأسماء هي سعد الحريري وجبران باسيل، رئيس الوزراء ووزير خارجية دولة الأرز على التوالي، وكذلك مدير الأمن العام عباس إبراهيم.
أما بالنسبة لليمن، التي كانت مسرحًا لحرب أهلية مدمرة منذ عام 2015، فقد اهتمت الإمارات بقادتها المنفيين في المملكة العربية السعودية، كالعديد من أفراد الوفد المرافق للرئيس عبد ربه منصور هادي، بمن فيهم نجله ورئيس أركانه إلى جانب أربعة وزراء على الأقل.
لا يوجد رقم إيراني
وفيما يخص العراق، فإن الإمارات ربما استهدفت عام 2019 شخصيات رفيعة المستوى كالرئيس برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس المخابرات مصطفى الكاظمي الذي أصبح بعد ذلك رئيسًا للحكومة، إضافة إلى العديد من قادة الحشد الشعبي، وهو تحالف مليشيات شيعية يُنظر إليه في قصور الخليج على أنهم دمى لإيران.
ومن بين هؤلاء أبو مهدي المهندس، الذي كان ملازم للجنرال الإيراني قاسم سليماني، والذي قُتل معه بغارة أمريكية، في يناير/ كانون ثاني 2020، إذ تظهر التسريبات أن هاتفه طلب استهدافه من قبل الإمارات قبل أشهر من الانفجار الذي أودى بحياته.
وأشارت لوموند إلى أن التعاون في مجال المراقبة، وهو نتيجة ثانوية للتقارب بين إسرائيل والإمارات، التي وقعت اتفاقية تطبيع دبلوماسي مع الاحتلال في صيف عام 2020، لها قيود كبيرة، إذ لا يمكن إدخال رقم إيراني لإصدار بيجاسوس الذي استحوذت عليه أبو ظبي، وذلك لأن السلطات الإسرائيلية، تريد أن تظل متقدمة بخطوة على أصدقائها الخليجيين الجدد عندما يتعلق الأمر بمراقبة الجمهورية الإسلامية.
لكن لم يمنع هذا الجانب السلبي السعودية من الحصول على البرنامج في عام 2017، ربما بمبادرة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي استخدمه في بداية الأمر لمراقبة المعارضين مثل الناشط يحيى العسيري، وأقارب جمال خاشقجي، الصحفي الذي قُتل في عام 2018 في إسطنبول، ومراسل نيويورك تايمز بن هوبارد.
كما أنه من بين الـ 800 رقم التي تخص الرياض هناك العديد من كبار القادة المصريين، بما في ذلك رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير الخارجية سامح شكري.
وترى “لوموند” أن فضيحة تسريبات بيجاسوس، من غير المرجح أن تخمد شهية دول الخليج للمراقبة الإلكترونية، فعقد أبو ظبي مع “إن إس أو” لا يزال ساري المفعول، كما أنه وفقًا لمقال نُشر مؤخرًا في صحيفة نيويورك تايمز، وقعت السعودية بالفعل عقودًا مع أربع شركات إسرائيلية أخرى متخصصة في التجسس الإلكتروني.
للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا
اضف تعليقا