في خطوة تصعيدية تعكس سعي الاحتلال الإسرائيلي لإغلاق أي نافذة لدعم اللاجئين الفلسطينيين، دخل قرار حظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس الشرقية حيز التنفيذ، ما يمثل ضربة قوية للعمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويؤكد مجددًا أن الاحتلال يسعى إلى طمس معاناة الفلسطينيين وحرمانهم من أي دعم دولي.
هذا القرار الذي وصفه مسؤولون في الأمم المتحدة بأنه قد يؤدي إلى كارثة إنسانية، يأتي ضمن سياسة ممنهجة اتبعتها إسرائيل خلال الحرب الأخيرة، حيث استهدفت منشآت الأونروا في غزة والضفة الغربية عبر القصف والتدمير، وحاربت وجودها القانوني والدبلوماسي عبر قوانين تمنعها من تقديم المساعدات في القدس المحتلة.
استهداف ممنهج
لم يكن قرار الحظر الإسرائيلي وليد اللحظة، بل هو امتداد لحملة تصعيدية استهدفت الأونروا طوال الحرب الأخيرة، حيث تعرضت مراكز الإيواء التابعة لها في قطاع غزة للقصف عدة مرات، رغم أنها كانت تحمل إشارات واضحة بأنها منشآت تابعة للأمم المتحدة، ما أدى إلى مقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين الذين لجأوا إليها هربًا من القصف الإسرائيلي.
وفي الضفة الغربية، فرضت قوات الاحتلال قيودًا مشددة على حركة العاملين في الأونروا، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية إلى بعض المناطق، بينما حاصرت عيادات الوكالة في القدس الشرقية وهددت بإغلاقها، ما يعني أن آلاف المرضى الفلسطينيين سيحرمون من الخدمات الطبية الأساسية التي تقدمها الوكالة.
إضافة إلى ذلك، صادقت حكومة الاحتلال على قانونين يمنعان الأونروا من العمل داخل الأراضي المحتلة، ويحرمانها من التسهيلات التي كانت تحصل عليها بموجب اتفاقيات سابقة مع الأمم المتحدة، في محاولة لإنهاء وجود الوكالة داخل القدس المحتلة بشكل نهائي.
لماذا تستهدف إسرائيل الأونروا؟
العداء الإسرائيلي لوكالة الأونروا ليس جديدًا، فهذه المنظمة التي تأسست عام 1949 بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمثل الشاهد الأبرز على جريمة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم خلال نكبة 1948، وتحمل في جوهرها اعترافًا دوليًا بأن حق العودة ما زال قائمًا، وهو ما تحاول إسرائيل القضاء عليه منذ عقود.
بالتالي، فإن استهداف الأونروا لا يتعلق فقط بإجراءات أمنية كما تزعم تل أبيب، بل هو جزء من مخطط أكبر لإنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث تسعى إسرائيل إلى تفكيك المؤسسات التي توثق معاناة اللاجئين وتحول دون طمس هويتهم الوطنية.
كما أن الاحتلال يريد إفراغ القدس الشرقية من أي وجود فلسطيني رسمي أو دولي، وتعويض خدمات الأونروا بخدمات إسرائيلية، في محاولة لفرض واقع استعماري جديد يهدف إلى تهويد المدينة بالكامل.
الأونروا.. شريان الحياة لملايين الفلسطينيين
تقدم الأونروا خدماتها لأكثر من 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في خمس مناطق: الأردن، سوريا، لبنان، قطاع غزة، والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهي مسؤولة عن تقديم التعليم والصحة والمساعدات الغذائية والإغاثية لعشرات الآلاف من الفلسطينيين.
في غزة وحدها، تستفيد 1.6 مليون فلسطيني من خدمات الأونروا، حيث تحولت أكثر من 100 منشأة تابعة لها إلى ملاجئ طوارئ تؤوي حوالي 400 ألف نازح، بالإضافة إلى تقديم خدمات الرعاية الصحية لنحو 16 ألف مريض يوميًا، وتوزيع الغذاء والمياه النظيفة على مئات الآلاف من العائلات.
أما في الضفة الغربية، فتشرف الأونروا على 96 مدرسة تضم 48 ألف طالب، إلى جانب تشغيل 43 مركزًا صحيًا تخدم عشرات الآلاف من الفلسطينيين. كما تقدم المنظمة برامج الأمان الاجتماعي لحوالي 36 ألف فلسطيني يعانون من الفقر المدقع.
لكن مع دخول قرار الحظر الإسرائيلي حيز التنفيذ، فإن آلاف الطلاب قد يُحرمون من حقهم في التعليم، وآلاف المرضى قد يُتركون دون علاج، فيما قد يتفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة مع استمرار التضييق على عمليات الإغاثة.
الاحتلال قد يمنع الأونروا.. لكنه لن يمحو الذاكرة الفلسطينية
رغم كل الإجراءات الإسرائيلية، ترفض الأونروا الرضوخ للضغوط، حيث أكد مسؤولون أمميون أن المنظمة ستواصل تقديم خدماتها رغم الحظر الإسرائيلي، مشددين على أن هذه القرارات تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
كما أن التحركات الإسرائيلية ضد الأونروا تكشف عن نفاق الاحتلال، فهو الذي يتباكى أمام العالم على الوضع الإنساني في غزة، ثم يمنع أهم مؤسسة دولية تقدم المساعدات للفلسطينيين، في محاولة لخنق القطاع وإجبار سكانه على الاستسلام تحت وطأة الجوع والمرض.
لكن في النهاية، فإن استهداف الأونروا لن يغير من الحقيقة شيئًا، فالاحتلال قد يمنع المساعدات لكنه لن يمحو الذاكرة، وقد يطرد الأونروا لكنه لن يستطيع إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، لأن هذه القضية ليست مجرد مؤسسة يمكن إغلاقها، بل هي حق تاريخي لا يسقط بالتقادم، وستظل الأجيال الفلسطينية القادمة متمسكة به حتى تحقيق العودة والاستقلال.
اضف تعليقا