في تصعيد دموي جديد، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وسط صمت دولي مخزٍ وتواطؤ واضح من بعض القوى الكبرى. 

فمع فجر هذا اليوم، شنت طائرات الاحتلال غارات مكثفة استهدفت مناطق سكنية ومرافق خدمية في أنحاء متفرقة من القطاع، وتركز القصف بشكل خاص على مدينة خانيونس جنوبي غزة، حيث أعلن جهاز الدفاع المدني عن انتشال شهيدين و6 إصابات من تحت أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي في محيط مدرسة أحمد عبد العزيز الواقعة في شارع السكة.

ولم تكن هذه الغارة استثناء، بل جاءت ضمن سلسلة هجمات تستهدف كل ما يمكن أن يسند حياة الفلسطينيين اليومية، في ظل كارثة إنسانية تتفاقم يوماً بعد يوم. ووفقاً لشهادات محلية، فإن القصف استهدف منازل مدنيين دون سابق إنذار، في تكرار للسياسة الإسرائيلية الممنهجة القائمة على استهداف المدنيين والبنية التحتية في آن واحد.

جريمة أخرى في الشاطئ.. أطفال عائلة بكر ضحايا 

في مشهد يعيد إلى الأذهان المجازر التي لا تنتهي منذ اندلاع الحرب، شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي غارة دامية على منزل لعائلة “بكر” في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة. مصادر محلية أكدت أن الغارة أسفرت عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى معظمهم من النساء والأطفال، في تكرار مرير لسياسة “الإبادة العائلية” التي يتبعها الاحتلال منذ بدء عدوانه.

عائلة بكر، المعروفة بصيدها للرزق على شواطئ غزة، كانت قد فقدت عدداً من أطفالها في مجزرة سابقة خلال عدوان 2014 حين استُهدِف أطفالها على الشاطئ أثناء لعبهم، وها هي اليوم تدفع مجدداً ثمن صمودها وحياتها اليومية في ظل الحصار.

المجزرة الأخيرة على هذه العائلة تكشف مجدداً أن الاحتلال لا يفرّق بين مقاتل ومدني، بين منزل وهدف عسكري، بل يواصل تنفيذ سياساته الوحشية بإفلات تام من العقاب الدولي، مستغلاً صمت المؤسسات الحقوقية وتخاذل المجتمع الدولي.

تدمير البنية الخدمية.. الاحتلال يستهدف ما تبقى من أدوات الحياة

ولم يتوقف العدوان عند استهداف البشر فقط، بل اتجه أيضاً إلى قتل ما تبقى من أدوات الحياة والخدمة في القطاع. فقد شهدت ساعات الليل استهدافاً مباشراً لمعدات وجرافات ثقيلة تعود للمواطنين وبلديات غزة، بينها جرافات وآليات بلدية جباليا ومعدات شركات مصرية تعمل في مشروعات إعادة الإعمار.

وشوهدت ألسنة اللهب تلتهم جرافات ومركبات ضخمة شرقي مجمع السرايا وسط غزة، فيما أكد شهود عيان أن الاحتلال ركّز ضرباته الليلة على “شل القدرة التشغيلية للمرافق الخدمية”، في محاولة واضحة لتعميق الأزمة الإنسانية.

يأتي هذا في وقت تم فيه استهداف مجمع كامل للمعدات الثقيلة شمال القطاع، ما يشير إلى تحول لافت في استراتيجية الاحتلال: من التركيز على الأهداف العسكرية إلى استهداف مُمَنهج للبنية التحتية التي يمكن أن تسهم في بقاء السكان على قيد الحياة أو ترميم ما تهدم من مبانٍ وشوارع.

هذه الخطوة تشير إلى أن الاحتلال يسعى إلى تجريد غزة من أي قدرة على التعافي أو حتى الصمود، مما يجعل من العدوان جريمة “تجويع وتخريب” ممنهجة، ترقى إلى جرائم حرب بحسب القانون الدولي الإنساني.

تحركات ميدانية جنوب خانيونس.. تقدم مدرّع تحت غطاء ناري

على الأرض، تواصل الآليات العسكرية الإسرائيلية عملياتها التوسعية، حيث شهدت منطقة قيزان رشوان، جنوب غرب خانيونس، تقدماً لآليات الاحتلال مدعومة بإطلاق نار كثيف وغارات متفرقة على المناطق المحيطة.

التقدم الميداني في خانيونس يعكس استمرار سياسة “الأرض المحروقة” التي تتبعها إسرائيل في كل مرة تهاجم فيها القطاع، حيث يسبق أو يرافق كل توغل قصف مدمر للمنطقة المستهدفة، بهدف إخلائها قسراً وتجريدها من أي مقاومة.

ووفقاً لمحللين عسكريين، فإن هذا النوع من العمليات لا يهدف فقط إلى السيطرة الجغرافية، بل يحمل أهدافاً سياسية تتعلق بفرض واقع جديد في الجنوب الغزي، لا سيما أن خانيونس كانت قد شهدت مقاومة شرسة ضد قوات الاحتلال في الأسابيع الماضية.

مجازر ممنهجة وسط إفلات من العقاب

ما يجري في غزة لا يمكن وصفه سوى بـ”مجزرة مفتوحة على مدار الساعة”، تستهدف الإنسان والأرض والآلة على حد سواء. استهداف المنازل، الأطفال، معدات البلديات، وحتى الشاحنات والجرافات، يكشف نية الاحتلال في سحق أي مقومات للحياة في القطاع.

إن تركيز الضربات الإسرائيلية على المرافق الخدمية، إلى جانب مواصلة قصف الأحياء السكنية، يعني أن الهدف الحقيقي لهذا العدوان ليس القضاء على المقاومة فحسب، بل القضاء على الحياة بأكملها في غزة. وفي ظل صمت المجتمع الدولي، يتحول الشعب الفلسطيني إلى ضحية مكشوفة لآلة دمار لا تجد من يوقفها.

ولا تزال الأسئلة قائمة: إلى متى يستمر هذا الإفلات من العقاب؟ ومن يوقف شلال الدم في غزة؟ وهل العالم حقاً لا يرى ولا يسمع، أم أنه قرر أن يتواطأ بالصمت؟

اقرأ أيضًا : فضيحة “سيغنال”.. وزير الدفاع الأميركي يشارك أسراراً عسكرية مع عائلته