في خطوة تكشف هشاشة التبعية الاقتصادية والسياسية لبعض الأنظمة العربية، قرر الاحتلال الإسرائيلي وقف إمدادات الغاز الطبيعي إلى مصر والأردن، بعد إغلاق حقل “ليفياثان” البحري، وسط تصعيد عسكري مع إيران، في قرار يحمل أبعادًا تتجاوز البعد التقني أو الأمني، ويكشف عن التراتبية المهينة التي يفرضها الاحتلال على حلفائه في المنطقة، وفي مقدمتهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن إسرائيل أغلقت أكبر منشآتها لإنتاج الغاز، حقل “ليفياثان”، بسبب ما وصفته بـ”الضرورات الأمنية”، بعد الضربة العسكرية التي شنتها تل أبيب على أهداف داخل إيران. وبموجب هذا الإغلاق، توقفت إمدادات الغاز إلى مصر والأردن، في ضربة مزدوجة لاقتصاد البلدين وشبكتي الكهرباء فيهما.
القاهرة تستنفر.. ومخاوف من أزمة طاقة
وزارة البترول المصرية بادرت إلى تفعيل خطة طوارئ عاجلة لمواجهة الانقطاع، بهدف تأمين الوقود اللازم لمحطات الكهرباء وضمان استمرار عمل الشبكة الكهربائية، التي تعتمد بشكل أساسي على الغاز المستورد من الاحتلال. ورغم أن الجانب الإسرائيلي لم يبلغ مصر رسميًا عن تعليق دائم للإمدادات، إلا أن التحركات المصرية تعكس قلقًا بالغًا من امتداد الانقطاع وتفاقم تداعياته.
وأشارت مصادر في قطاع الطاقة إلى أن احتياطات الوقود في المحطات المصرية غير كافية للتعامل مع انقطاع طويل الأمد، ما دفع وزارة الكهرباء إلى إعلان حالة التأهب القصوى. وقد ترأس الوزير محمود عصمت اجتماعًا طارئًا أمس الجمعة لمناقشة سيناريوهات الأزمة المحتملة، موجّهًا برفع درجة الجهوزية في شركات التوزيع.
الاحتلال يوقف “ليفياثان” و”كاريش”.. ومصر في المأزق
يُعتبر حقل “ليفياثان”، الواقع شرق المتوسط، ركيزة أساسية في شبكة تصدير الغاز الإسرائيلي، بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 1.2 مليار قدم مكعبة يوميًا، تديرها شركة “شيفرون” الأمريكية.
ومنذ 2020، بدأت مصر تستورد الغاز من “ليفياثان” و”تمار”، بعدما كانت من كبار المصدرين، لتتحول تدريجيًا إلى دولة تعتمد على الاحتلال لتشغيل محطات الطاقة لديها.
وما يزيد الوضع تعقيدًا، إعلان شركة “إنرجيان” اليونانية، المسؤولة عن حقل “كاريش”، وقف عملياتها بناءً على طلب رسمي من وزارة الطاقة الإسرائيلية، بسبب التصعيد مع إيران.
الحقل الذي ينتج قرابة 775 مليون قدم مكعبة يوميًا، قد لا يكون بحجم “ليفياثان”، لكنه يشكل جزءًا مهمًا في مزيج الطاقة الإسرائيلي، وانقطاعه يشير إلى وجود حالة طوارئ موسعة لدى الاحتلال تشمل البنية التحتية الحيوية.
من الحليف إلى التابع: إذلال مزدوج لمصر والأردن
القرار الإسرائيلي، الذي اتخذ دون تنسيق أو حتى إخطار رسمي لمصر أو الأردن، يبرز طبيعة العلاقة غير المتكافئة بين الاحتلال وحلفائه العرب.
فرغم أن القاهرة قدّمت خدمات أمنية واقتصادية وسياسية ثمينة للاحتلال، بدءًا من تشديد الحصار على غزة، ومرورًا بمنع قوافل الدعم إلى القطاع، وانتهاءً بتنسيق أمني مع إسرائيل في سيناء، لم تتردد تل أبيب في قطع مصدر حيوي للطاقة دون سابق إنذار.
والأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة للأردن، الذي وقع اتفاقيات سلام وصفقات غاز بمليارات الدولارات مع الاحتلال، أملاً في تأمين احتياجاته من الطاقة. ومع ذلك، لم تحظَ عمان بأي استثناء أو ضمانات، ما يكشف هشاشة المراهنات الأردنية على العلاقة مع تل أبيب.
تداعيات إقليمية أوسع
الخبراء حذروا من أن انقطاع الغاز الإسرائيلي، إذا استمر، سيؤدي إلى اضطرابات أوسع في سوق الطاقة الإقليمي، وقد يضطر بلد كمصر، الذي يعاني من ارتفاع الاستهلاك الصيفي، إلى اللجوء إلى السوق العالمي لشراء الغاز المسال بأسعار مرتفعة.
هذا التوجه سيضغط على الميزانية العامة، ويؤثر سلبًا على خطط تصدير الغاز المصري عبر محطات الإسالة في دمياط وإدكو.
وعلى المدى المتوسط، قد يؤدي هذا الانقطاع إلى إعادة التفكير في استراتيجية الطاقة في مصر والأردن، خصوصًا في ما يتعلق بالاعتماد على الاحتلال كمصدر رئيسي للغاز، إذ أظهر قرار تل أبيب الأخير أن مصالح الحلفاء لا تُراعى حين تكون إسرائيل في دائرة الخطر، أو حتى مجرد التوتر.
رسائل سياسية ما بين السطور
يتجاوز إغلاق الحقول مجرد إجراءات أمنية احترازية، ليحمل رسالة سياسية واضحة مفادها أن الاحتلال يتحكم في مفاصل الطاقة في المنطقة، وأنه لا يتردد في معاقبة حتى من يتعاونون معه، إذا تطلبت “مصلحته الأمنية” ذلك.
بالأمس أذلّ السيسي بمنع قوافل الدعم إلى غزة، واليوم يذله بقطع الغاز دون إنذار. وكذلك يفعل بالملك عبد الله، الذي لم يجنِ من تحالفه مع تل أبيب إلا مزيدًا من التبعية. وبينما تُحرم غزة من الكهرباء بفعل الاحتلال المصري الإسرائيلي المشترك، تفقد القاهرة وعمان مصادر الطاقة بقرار واحد من حكومة تل أبيب.
الرسالة باتت واضحة: الاحتلال لا يعترف بحلفاء، بل بأدوات، تُستخدم عند الحاجة وتُتخلّى عنها متى ما اقتضت الظروف.
اقرأ أيضًا : يرو تفتح الباب للعدالة الدولية: ملاحقة جندي إسرائيلي بتهمة الإبادة في غزة
اضف تعليقا