يبدو أن التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية يكتسب زخمًا، فبعد قطيعة استمرت نحو أربع سنوات، بدأ البلدان يستكشفان آفاق استئناف علاقاتهما الدبلوماسية.
صحيفة “لوريان لوجور” الناطقة بالفرنسية سلطت الضوء على تطور المحادثات بين طهران والرياض، بعد أن تمكنت الدبلوماسية العراقية من تحقيق إنجاز كبير بمجرد نجاحها في الجمع بين الخصمين اللدودين على مائدة في الأشهر الأخيرة بعيدًا عن الأضواء.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير نشرته نظيرتها “فاينانشيال تايمز” البريطانية، والتي نقلت فيه إعلان مسؤول سعودي، اشترط عدم الكشف عن هويته، أن “الرياض تدرس إعادة فتح القنصلية الإيرانية في مدينة جدة الساحلية”، موضحًا أن “المحادثات لم تحرز تقدمًا يسمح باستعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل”.
ونوهت بأن هذه التصريحات هي استمرار لما تم الكشف عنه الأشهر الأخيرة في الصحافة الدولية، حيث تم عقد أول لقاء سري بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين في بغداد يوم 9 أبريل/ نيسان.
ونفت مصادر عراقية رسمية في البداية عقد الاجتماع الذي كان ثمرة جهود دبلوماسية لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، ومنذ ذلك لحين، تلت ذلك أربعة اجتماعات ثنائية أخرى بشأن الحرب في اليمن، حيث تقود الرياض منذ عام 2015 تحالفًا عسكريًا لدعم القوات الحكومية للرئيس عبد ربه منصور هادي في حربها ضد الحوثيين المدعومين من طهران.
وتقول الصحيفة: يريد السعوديون، الغارقون في الصراع، أن تمارس طهران ضغطًا على الحوثيين لإيجاد مخرج من الحرب، بينما يصر الإيرانيون على إعادة علاقاتهم الدبلوماسية مع الرياض كأولوية.
ونقلت عن حسين إيبش، الباحث في معهد دول الخليج العربي: “لا يبدو أن الإيرانيين منفتحين على الملف اليمني، والسعوديون مترددون في إعادة العلاقات الدبلوماسية دون إحراز تقدم حقيقي في الملفات المعلقة”.
وردًا على سؤال من “فاينانشيال تايمز” قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود إن المحادثات مع إيران لا تزال في مرحلتها “الاستكشافية”، مضيفا “نحن جادون بشأن هذه المناقشات. بالنسبة لنا، هذا ليس تغييرًا كبيرًا. لقد قلنا دائمًا إننا نريد إيجاد طريقة لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
أقصى ضغط
ومنذ عام 2016، قطعت الدولتان الثقيلتان في المنطقة علاقاتهما الدبلوماسية في أعقاب إعدام المملكة للشيخ الشيعي السعودي ومعارض النظام نمر النمر واقتحام سفارة الرياض بإيران.
وفي مواجهة تصاعد التوترات وتكثيف الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة التي يُلقى باللوم فيها على الحوثيين ضد السعودية، انطلقت محاولات للوساطة الدولية، لا سيما عبر باكستان، بهدف إعادة الرياض وطهران إلى طاولة المفاوضات لكن دون تقيق نجاح.
لكن فشل الأمريكيين في الرد على الهجمات غير المسبوقة على المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو السعودية الوطنية في بقيق وخريص في سبتمبر/ أيلول 2019، تسبب بحدوث صدمة بالمملكة.
فعلى الرغم من أن المملكة هي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في الخليج، إلا أن هذه الحوادث كشف للسعوديين: ضعف المظلة الأمنية الأمريكية، مما يبرز للرياض الحاجة إلى توسيع تحالفاتها وشراكاتها.
ووفقا لبروس ريدل، المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA ) والباحث في معهد بروكينجز: “أدرك السعوديون متأخرًا أنهم يخسرون المنافسة مع إيران، من اليمن إلى سوريا”.
هذا الإدراك تعزز في أعقاب وصول إدارة ديمقراطية إلى البيت الأبيض هذا العام، عازمة على الخروج من الشيك على بياض الذي منحه الرئيس السابق دونالد ترامب لحكام الخليج، فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
وفي حديثه إلى جانب نظيره السعودي الذي زار واشنطن، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مجددًا على “التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة”.
وبتشجيع من واشنطن الراغبة في فك الارتباط عن المنطقة، يأتي التقارب بين الرياض وطهران أيضًا بالتوازي مع استئناف المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحب منه دونالد ترامب من جانب واحد في 2018 قبل إعادة فرض العقوبات على طهران.
وأبدت دول الخليج، التي لم يتم تضمينها في المفاوضات، رغبتها بشكل خاص في رؤية الاتفاقية تمتد لتشمل الصواريخ الباليستية الإيرانية وأعوانها في المنطقة.
وذكرت الصحيفة أنه في حين قد يكون استئناف المحادثات وشيكًا، من المقرر أن يزور مبعوث الولايات المتحدة إلى إيران المسؤول عن المفاوضات النووية، روبرت مالي، المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات في الأيام المقبلة للنظر مع شركائها الإقليميين في عواقب احتمال فشل المفاوضات للعودة إلى اتفاق فيينا.
حرب مكلفة
وتؤكد أنه إذا كان المناخ الإقليمي قد تراجع في الأشهر الأخيرة، فقد وضعت الرياض وطهران بيادقهما من خلال بدء التقارب عبر بغداد.
كما أنه إذا كانت القوتان الإقليميتان تأملان في جني فوائد اقتصادية من التقارب، فضلاً عن مكانة أكثر تفضيلاً على الساحة الدولية، فهناك أيضًا مصالح داخلية لتهدئة الأمور، ففي كلا البلدين، ترتفع الأصوات ضد المشاركة العسكرية وتمويل أتباعهما في الخارج.
وتمر طهران بأزمة اقتصادية خطيرة مرتبطة بشكل خاص بالعقوبات التي فُرضت عليها منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاقية النووية عام 2018، حيث عانى السكان كثيرًا من وباء كوفيد -19.
وفيما تتصاعد الانتقادات في الداخل الإيراني ضد استخدام موارد الدولة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، يؤكد بروس ريدل “أن ولي العهد شن حربًا متهورة لم تكن إلا في صالح طهران”.
وعلى الرغم من أن الوقت قد حان للمصالحة، إلا أنه قد يصعب التغلب على بعض الاختلافات، فإذا تمكن الإيرانيون من إقناع الحوثيين بالجلوس على طاولة المفاوضات، فليس من المؤكد أن هذا سينهي الحرب في اليمن.
علاوة على ذلك، تتابع الصحيفة، من غير المرجح أن تتخلى طهران عن الميليشيات والجماعات المسلحة التي تدعمها أو توافق السعودية على استمرار الجمهورية الإسلامية في تزويد هذه الجماعات بالأسلحة والصواريخ الباليستية مع توسيع برنامجها النووي.
واختتمت الصحيفة تقريرها بتأكيد حسين إيبش أنه “إذا كانت هناك مصالحة بين البلدين فستكون بالتأكيد مصالحة باردة ومشروطة”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا